69 عاما على حل "الإخوان".. تاريخ من الإرهاب والصدام مع مصر
بعد 69 عاما على إصدار مصر قرارا بحل جمعية الإخوان وجد التنظيم الإرهابي نفسه في الدائرة المغلقة ذاتها التي أودت به في غياهب السجون.
فبينما تحل اليوم الذكرى الـ69 على قرار مجلس قيادة الثورة المصرية بقيادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بحل جمعية الإخوان المسلمين، واعتبار الجماعة حزبا سياسيا يطبق عليها أمر مجلس قيادة الثورة الخاص بحل الأحزاب السياسية، تجد جماعة الإخوان نفسها اليوم مطاردة داخل البلد الذي لفظها قبل عقود.
ومنذ بدايات الخمسينيات ومع قرار قيادة الثورة المصرية بحل الإخوان تفاقمت الأزمات بين الطرفين، إلى الحد الذي لجأت فيه الأخيرة إلى التخطيط لاغتيال جمال عبدالناصر فيما عرف بـ"حادث المنشية"، الذي يعد أحد أشهر الوقائع في السجل الإجرامي لتنظيم الإخوان.
حادث المنشية
ذلك الحادث والذي جاء بعد تصعيد متبادل بين الرئيس الراحل عبدالناصر ومرشد جماعة الإخوان وقتها حسن الهضيبي تارة بسبب قانون الإصلاح الزراعي، وتارة أخرى بسبب هيئة التحرير التي دشنها عبدالناصر، كانت الجماعة على موعد مع سيناريو شبيه في 2013، حينما اصطدمت مساعيها الحثيثة للتمكين والسيطرة على مفاصل البلد الأفريقي، برغبة شعبية باقتلاع جذور ذلك التنظيم، مما دفع الجيش المصري للتدخل.
وفيما حاول تنظيم الإخوان في نهار الـ26 من أكتوبر/تشرين الأول عام 1954 تنفيذ مخططه لاغتيال عبدالناصر، أثناء إلقاء خطاب في ميدان المنشية بالإسكندرية، بمناسبة اتفاقية الجلاء البريطاني عن مصر، سعى أسلافه -كذلك- إلى التنكيل بالمصريين في العام الذي حكموا فيه البلد الأفريقي.
ومن قطيعة نهائية بين السلطات المصرية آنذاك في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1954، إلى وضع شبيه في يوليو/تموز 2013، واقعان مثلا مصيرا محتوما لتنظيم الإخوان الإرهابي في البلد الذي كان أحد مراكز ثقله.
وعن حادث المنشية، قال المؤرخ المصري ووزير الثقافة الأسبق عماد أبوغازي "كانت الأمور بين مجلس قيادة الثورة والإخوان تسير من سيئ لأسوأ، إلى أن كانت القطيعة النهائية مع حادث المنشية".
محاولة فاشلة
المؤرخ المصري أضاف "كان عبدالناصر يخطب في ميدان المنشية في احتفال شعبي بتوقيع اتفاقية الجلاء، وأثناء إلقائه خطابه أطلق عليه شاب 8 رصاصات (..) تصور الحضور أن عبدالناصر أصيب، وحاول الحرس الخاص إخراجه من موقع الحدث".
لكنه رفض وواصل إلقاء خطابه، قائلا "أيها الرجال فليبق كل في مكانه، حياتي فداء لمصر، دمي فداء لمصر، أيها الرجال، أيها الأحرار، أتكلم إليكم بعون الله بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليّ".
وما إن انتهى من خطابه، حتى ألقي القبض على الشاب الذي أطلق الرصاص وكان اسمه محمود عبداللطيف، الذي كان يعمل فني سيارات في إمبابة وينتمي للإخوان المسلمين" حسب الرواية الرسمية، التي وافقت رواية المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في كتابه (ثورة 23 يوليو/تموز 1952)، مشيرا إلى أن محاولة اغتيال عبدالناصر رفعت من رصيده شعبيا وساعدت في التفاف الجماهير حوله.
وتشكلت محكمة الشعب في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، بعد تأليفها ثلاث دوائر فرعية أحيلت لها عدة قضايا، بينها قضايا جماعة الإخوان المسلمين التي بلغ عدد المتهمين فيها عدة مئات.
وعقدت المحاكمات في مبنى الكلية الحربية بشارع الخليفة المأمون، فيما صدرت الأحكام التي تضمنت الحكم بالإعدام على سبعة من أعضاء الجماعة بمن فيهم المرشد العام المستشار حسن الهضيبي، لكن الحكم عليه خفف إلى الأشغال الشاقة المؤبدة ثم أفرج عنه لأسباب صحية، بينما نفذ الحكم في ستة آخرين أبرزهم عبدالقادر عودة.
مسلسل من العنف
ومن حادث المنشية مرورا بحلقة من مسلسل طويل ضم العشرات من عمليات العنف والإرهاب والاغتيال، تورطت فيها الجماعة الأم، زادت وتيرتها بعد الإطاحة بها من الحكم في 2013، كان أبرزها اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات في 29 يونيو/حزيران 2015، وغيرها من استهداف مسؤولين وضباط، خاضت مصر "معركة ضارية" ضد الإرهاب الذي تصاعدت وتيرته عقب الإطاحة بحكم الإخوان، في محاولة بائسة لضرب الاستقرار والأمن.
وأسفر حادث المنشية واتهام الإخوان بالضلوع فيه بصدور قرار بحل الجماعة في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1954، الذي لم يكن هو الأول بحلها، إذ سبقه قرار صدر من رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في 8 ديسمبر/كانون الأول 1948، على خلفية اتهام الجماعة وأعضائها بالتحريض والعمل ضد أمن الدولة المصرية مع قرب انتهاء حرب فلسطين وعودة أعضاء الجماعة المشاركين فيها.
إلا أن تاريخ الإخوان كان متشابها إلى حد كبير، ففي ديسمبر/كانون الأول 2013 صنّفت الحكومة المصرية جماعة الإخوان "تنظيما إرهابيا" قبل أن يصدر قرار قضائي في عام 2014 بحل ذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة، حتى أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة حكما يقضي بحل "جمعية" الإخوان المسلمين وحظر نشاطها ومصادرة ممتلكاتها، بعد دعوى مستعجلة من حزب التجمع تم تحريكها ضد الجماعة.
طريق الصدام
وإلى ذلك، قال الخبير المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهاب هشام النجار، في حديث لـ"العين الإخبارية" إن جماعة الإخوان اختارت منذ بدايات الخمسينيات طريق الصدام، والمفاصلة التامة، مشيرا إلى أنها سعت لأن تكون وصية على الحكم وشبه منفردة به، ما اتضح من شروطها ومطالبها من الرئيس عبدالناصر فيما يتعلق بمستوى تمثيلها في الحكومة وإصرارها على تولي وزارات بعينها.
وتابع: طلبت الجماعة ألا يتخذ رئيس الجمهورية أي قرار دون أن يمر على المرشد، إلا أن الأمر رفض، مشيرا إلى أنه عندما ظهرت نية الجماعة بالانتقام والثأر وفرض إرادتها بالقوة والاغتيالات والعمل السري تعاملت معها الدولة بالأسلوب المناسب لهذا التوجه العنيف، والذي تضمن أولا حل الجماعة للمرة الثانية وحظرها، وثانيا: معاقبة ومحاسبة وكبح رؤوسها وعناصرها النشطة التي أدارت العمل السري المسلح.
سيناريوهات متشابهة
وأكد النجار أنه منذ هذا التاريخ والجماعة الإرهابية تتبع نفس النهج وتسير على نفس السيناريوهات والتي تشمل بعدين رئسيين، أولهما التحالف والتعاون مع أجهزة مخابرات أجنبية وغربية لتقويض نظام الحكم الوطني، ما اتضح في نشاط الجماعة، لأنه يعد سمتها الرئيسية منذ تعاون سعيد رمضان صهر البنا مع المخابرات البريطانية والأمريكية بهدف إسقاط حكم الرئيس عبدالناصر.
أما البعد الثاني فيتمثل في "معاداة نظم الحكم الوطنية والقومية العربية"، مما جعلها تتحالف مع أي قوة إقليمية كارهة للعرب، وطامعة في احتلال مكانتهم في الإقليم.
aXA6IDMuMTQuMTQzLjE0OSA= جزيرة ام اند امز