لا يمكن بأي حال من الأحوال تفريغ الحملات المتكررة والمستمرة ضد دولة الإمارات والسعودية من "رسائل سياسية تحمل ألغازا كبيرة".
هناك تحفظات عربية كبيرة في الحملة الإعلامية والسياسية ضد المملكة العربية السعودية على خلفية قضية مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، كون أن تلك الحملة أكبر بكثير من مسألة الدفاع عن حقوق الإنسان أو حرية التعبير وأعمق من أن تكون حالها كحال باقي الجرائم التي ترتكب بحق أشخاص أو حتى جريمة ترتكب في أرض دولة أجنبية أو في الأراضي التركية، المبرر الذي تستخدمه حكومة أردوغان في تصعيد حملتها.
لا يحدث شيء في السياسة الموجهة إلى منطقتنا بالصدفة ويزيد الأمر اعتقاداً أن المنطقة مقبلة على أحداث سياسية كبرى مثل صفقة القرن والعقوبات الاقتصادية ضد إيران خلال الأسبوع المقبل، وبالتالي لا بد من التمهيد لأرضية سياسية لإجبار العرب على قبولها وعلى رأسها الدول العربية الكبرى
هناك من يقول إن الضغط على الحكومة السعودية، كشف للكثيرين عن خفايا مواقف سياسية لها تبعات في ذهن الإنسان العربي حول علاقة بما كان يطرح حول نظرية "الفوضى الخلاقة" التي صاغتها وزيرة الخارجية الأمريكية سابقا كونداليزا رايس في عهد الرئيس بوش الابن. كما كشفت أيضاً، كيف يحاول الغرب وتركيا "انتهاز" بعض الأخطاء التي يرتكبها أشخاص وتحويلها إلى قضايا رأي عام عالمي والدخول من خلالها في ملفات سياسية لها أهداف خفية. بالإضافة إلى أنها كشفت أن مسألة التدخل في سيادة الدول أو اتباع سياسة "كسر العظم" هو نمط بات يتعامل به الغرب مع حكومات عربية محددة، خاصة التي تعد مؤثرة في السياسات العربية ولها مواقف اعتزاز بسياستها، مثل دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية بعد ما كان يطلق عليه "الربيع العربي".
وعليه فإن قضية خاشقجي يبدو أنها دخلت فضاء له علاقة بمحاولة إثارة زعزعة الاستقرار في الدول العربية المستقرة أو تلك التي بدأت تستقر من خلال التشكيك في مصداقية الحكومات العربية، خاصة تلك التي كانت لها مواقف واضحة فيما يخص تيار "الإخوان المسلمين" وطموحاتهم السياسية على حساب الدولة الوطنية. وهذه النوايا ليست خافية على صناع القرار السياسي العربي، خاصة في ناحية "تهرب" الغرب من مسألة إدانة "الإخوان المسلمين" وتصنيفها أنها جماعة إرهابية على الرغم من أن كل العمليات الإرهابية التي تمت هناك هي من إنتاج الفكر "الإخواني" ما يعني لنا وغيرنا ممن ينظرون إلى الموقف الغربي بموضوعية أن تيار "الإخوان المسلمين" لا يزال خياراً غربياً قائماً يمكن الاستفادة منه إذا لزم الأمر.
لا يمكن بأي حال من الأحوال تفريغ الحملات المتكررة والمستمرة ضد دولة الإمارات والسعودية من "رسائل سياسية تحمل ألغازا كبيرة" وعندما تتابع خيوطها تجد أن هناك رابطا بين دوائر صناعة القرار المتأثر بالإعلام وبين جمعيات تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وحريات التعبير عن الرأي المخترق من "الإخوان المسلمين" أو المتعاطفين معها، ما يعني أن الاستراتيجيات الغربية عموماً والأمريكية بوجه خاص لا علاقة لها بإدارة رئيس معين بقدر أنه ينفذ ما يخطط له، وبالتالي فإن انتهاء مرحلة بوش الابن وأوباما لا يعني انتهاء الفوضى.
وهنا ينبغي علينا عدم الاستغراب من حملات التشويه التي تقوم بها المراكز البحثية ووسائل إعلام مخترقة بموالين "للجماعة" أو بأعضاء منهم أو ممن يريدون تغيير خارطة المنطقة لرسم شرق أوسط جديد وفق نظرية "الفوضى الخلاقة".
وفي مقابل ذلك، فإن هناك نقطة ينبغي ألا تغيب عن ذهن الغرب عموماً هي، أن الرأي العام ودوائر صنع القرار العربي كشفت حقيقة "الإخوان" ومن يدعمهم من الموالين، وبالتالي هم غير مستعدين لعودتهم أو حتى مجرد طرح فكرة تأهيلهم من جديد، حتى لو حدثت انشقاقات بين صفوفهم فالأمر كله بالنسبة للشعوب العربية ليس إلا مناورة أو "قنابل دخانية".
التشكيك في مصداقية الحكومات العربية ومحاولة زعزعة الثقة التي اكتسبتها من شعوبها ومن الرأي العام العالمي هدف غربي أو الأقل بعض دوله وبعض الدول الإقليمية المتنافسة على توسيع نفوذها، وللأسف أن هناك من الدول الخليجية من يساعدهم في ذلك إعلاميا وسياسياً منذ أيام الفوضى الأولى، وهذه المرة فإن قضية خاشقجي تعد مناسبة رائعة لهم لتصفية حساباتهم مع الدول التي أفشلت مساعي الفوضى الإخوانية.
يبدو أن خطط الحملات السياسية والإعلامية ضد دولنا موجودة وهي تنتهز فرصا معينة لإثارتها، وبالتالي فإن ما رافق مقتل خاشقجي ليس صدفة ولا يفترض أن نفهمها كذلك، لأنه لا يحدث شيء في السياسة الموجهة إلى منطقتنا بالصدفة ويزيد الأمر اعتقاداً أن المنطقة مقبلة على أحداث سياسية كبرى مثل صفقة القرن والعقوبات الاقتصادية ضد إيران خلال الأسبوع المقبل، وبالتالي لا بد من التمهيد لأرضية سياسية لإجبار العرب على قبولها وعلى رأسها الدول العربية الكبرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة