"قلعة القاهرة".. جوهرة تعز اليمنية الأثرية تقهر الحرب (صور)
على صخرة عملاقة تعرف بـ"الربوة" تربض إحدى أكبر قلاع اليمن الأثرية تقاوم تقلب الدهر وتتحدى قذائف حرب الحوثي وجرائم الإخوان في تعز.
إنها قلعة القاهرة، الواقفة كحارسة للتاريخ على تلٍ جبلي في السفح الشمالي من جبل صبر الشاهق البالغ ارتفاعه 3 آلاف متر والمطل على مدينة تعز برمتها.
وتعد القلعة عملا فنيا وتحفة معمارية فريدة تبلور حكمة الشعب اليمني، كما أنها معلم تاريخي لا يزال شاهدا على دول يمنية قديمة اندثرت لكن تاريخا لا يزال باقيا منها الدولة الصلحية (429 - 532هـ) الدولة الرسولية (626- 858 هـ)، والتي شيدت إبانها الكثير من الحصون والقلاع والمدارس التعليمية.
تاريخ عريق
تتألف قلعة القاهرة من جزأين، الأول ويعرف بـ"العدينة" ويضم حدائق معلقة، على هيئة مدرجات شُيدت في المنحدر الجبلي، وسداً مائياً، وأحواضاً نُحتت وشُيدت في إحدى واجهات الجبل إلى جانب القصور التي تتناثر في أرجائه محاطة بالأبراج والمنتزهات، وأما الثاني، فهو "منطقة المغربة"، وهو عبارة عن عدد من القصور، وأبراج الحراسة، ومخازن الحبوب، وخزانات المياه.
ولقلعة القاهرة سور حجري يعد أحد الشواهد المهمة على تاريخ مدينة تعز، إذ يحوي كل أحياء المدينة القديمة، وقد شُيد بطريقة هندسية بالغة التعقيد بارتفاع 120 مترا، وسُمك 4 أمتار، يضم وحدات الخدم وغرف الحراسة، وفقا للمصادر التاريخية.
ويختلف المؤرخون حول الحقبة الزمنية التي شيدت بها قلعة القاهرة، فبعضهم يقول إنها شيدت قبل ألف عام أي إبان الدولة الصليحية ويرى آخرون أنها شيدت إبان الدولة الحميرية، آخر ممالك اليمن قبل الإسلام.
وهذا ما أكده إخصائي الآثار اليمني أحمد جسار في حديثه لـ"العين الإخبارية"، مشيرًا إلى أن تشييد قلعة القاهرة يرجع للحضارة الحميرية قبل عصور الإسلام نسبة إلى ما تم العثور عليه مؤخرا من آثار خلال أعمال التنقيب.
وقال نائب مدير عام الهيئة العامة للآثار والمتاحف في تعز، إن المؤرخين أوردوا أن قلعة القاهرة تعود إلى عهد الدولة الصليحية وإن عمرها يقدر بألف عام لكننا كأخصائيين في مجال الآثار واستنادا إلى ما تم العثور عليه من القطع الأثرية أثناء أعمال التنقيب.
كذلك ما تدل به الشواهد المعمارية في بعض جدران قلعة القاهرة فيرجع البناء إلى عصور ما قبل الإسلام وتحديدا إلى الدولة الحميرية التي حكمت اليمن بين 300 و525 للميلاد، وفقا للمسؤول اليمني.
من سجن إلى ثكنة عسكرية
عاشت قلعة القاهرة أزهى فتراتها إبان حكم الأيوبيين والرسوليين لكن منذ عهد الإمام 1918 - 1962 تحولت إلى أول معتقل سياسي للرهائن.
وذات الانتهاك ارتكبه الحوثيون خلال اجتياح تعز 2015، حيث تحولت إلى سجن للمعتقلين ثم ثكنة عسكرية باعتبارها أحد الحصون والقلاع ذات الموقع الاستراتيجي الحاكم والمطل على مدينة تعز، كبرى مدن البلاد كثافة سكانية.
وليس الحوثيون وحدهم من حولوا القلعة إلى ثكنة عسكرية، فمليشيات الإخوان هي الأخرى تمركزت فيها لسنوات قبل أن يتم تسليمها للسلطات اليمنية المعنية لتخصص مؤخرا لاحتضان المهرجات لا سيما خلال الأعياد المباركة.
وتعد قلعة القاهرة واحدة من قلاع وحصون تعز المنيعة والتي شيدت لصد هجمات الغزاة أشهرها قلعة "الدملوة" وقلعة "المقاطرة" و"المعافر" وحصون "السواء" و"منيف" و"يميـن" و"مطران" و"سامع" و"العروس"، وغيرها من الحصون والقلاع التاريخية المشهورة.
وهذا ما أكده جسار أن تعز "تزخر بالعديد من المعالم والمآثر التاريخية والتي تعود إلى عهود زمنية مختلفة إلى جانب قلعة القاهرة أبرزها جامع ومدرسة المظفر ومدرسة الأشرفية ومدرسة المعتبية والتي تعكس مدى اهتمام ملوك وأمراء ونساء الدولة الرسولية بالعلم ومدى الترف والبذخ الذي انعكس في زخارف ونقوش تلك المآثر".
وأضاف هناك أيضا "مسجد قبة الحسينية وعدد من القصور مثل قصر صالة وقصر العرضي وقصر البدر وكذا المدن الأثرية منها مدينة ثعبات وهي مدينة الملوك والتي اندثر أغلب معالمها ولم يتبق منها سوى بعض الأنقاض والمعالم الشاهدة عليها".
لكن المسؤول اليمني الذي اعتبر هذه المعالم والمآثر ذات قيمة تاريخية وإنسانية، أكد أن جميعها بما فيه قلعة القاهرة باتت في قائمة الخطر إثر الحرب الحوثية المدمرة والتي دمرت العديد من تلك المعالم ومنها قلعة القاهرة وقصر صالة وقصر العرضي وقصر البدر.
وأكد أن الممتلكات الثقافية والمعالم الأثرية تمر بمنعطف خطير في عموم اليمن وفي محافظة تعز خاصة، مشيرا إلى أن السبب الرئيسي وراء تدمير أكثر المعالم الأثرية والمآثر الدينية هي تحولها إلى ثكنات عسكرية.
ودعا جسار جميع أطراف النزاع إلى تجنيب قطاع الآثار والمعالم التاريخية والمواقع من الوجود العسكري ومن التمركز فيها لأنها تمثل حضارة شعب وإرث وطني لا يعوض.