كندا والصيف الأسود.. ماذا تعلمنا من المأساة؟
تسببت حرائق الغابات بكندا في حرق 20 مليون فدان، وتغطية المدن الكندية والأمريكية بالدخان، فماذا تعلمنا من هذا الدرس؟
فهذا وقت حرج، والخيارات والإجراءات التي تتخذها كندا اليوم ستساعد في تحديد مستقبل المجتمعات وسبل العيش والبيئة والاقتصاد.
تسببت الحرائق في قلب عمليات النفط والغاز رأساً على عقب، وخفض المحاصيل الخشبية المتاحة، فضلًا عن أنها قلصت صناعة السياحة وفرضت تكاليف غير محسوبة على نظام الصحة الوطني.
إن هذه الخسائر هي رمز للضغط الذي يتم الشعور به على نطاق أوسع؛ حيث تعاني البلدان في جميع أنحاء العالم من كارثة بعد كارثة ناجمة عن الطقس القاسي، وسوف تزداد مع ارتفاع درجة حرارة المناخ.
ما بدا منذ فترة طويلة مصدر قلق بعيد المنال، ظهر بشكل حاد في السنوات الأخيرة؛ حيث غمر الدخان المتصاعد مناطق شاسعة من أمريكا الشمالية، وجرفت الفيضانات الأحياء وتسببت موجات الحر في إجهاد شبكات الكهرباء. وترتب على ذلك خسائر بمليارات الدولارات، ومن المرجح على الأمد البعيد، أن تنسحب شركات التأمين من الأسواق المعرضة للأعاصير والحرائق.
التأثير الاقتصادي للاحترار العالمي
تُشير بعض الدراسات، إلى أن كندا بدت في وضع أفضل من البلدان الأقرب إلى خط الاستواء، حيث يمكن أن يسمح الاحترار بمواسم زراعية أطول، ويجعل المزيد من الأماكن جذابة للعيش فيها، ويصبح الشتاء أقل قسوة.
لكن من ناحية أخرى، أصبح من الواضح أن التقلبات المتزايدة غير المألوفة حتى الآن في الشمال -العواصف الجليدية التي تعقبها الحرائق، والتي تتبعها بأمطار غزيرة- تقضي على أي مكاسب محتملة.
وفي هذا الصدّد، حاول "ديف سوير"، كبير الاقتصاديين في معهد المناخ الكندي، حساب التكاليف المتوقعة جراء تغير المناخ، حيث أشار في توقعانه إلى أن التكاليف سترتفع إلى 25 مليار دولار كندي في عام 2025، مما سيؤدي بالتبعية إلى خفض معدلات النمو الاقتصادي للنصف. فضلًا عن توقعاته بخسارة 500 آلاف وظيفة، نتيجة للحرارة المرتفعة التي تقلل من إنتاجية العمل وتسبب الوفاة المبكرة. علاوة على التكاليف المتزايدة على الأسر والضرائب المرتفعة المطلوبة لدعم الإنفاق الحكومي لإصلاح الأضرار - خاصة في الشمال، حيث يؤدي ذوبان الجليد إلى تكسير الطرق والمباني.
هذا، وتستند تقديرات العبء الاقتصادي الإجمالي إلى الأضرار التي لحقت بصناعات معينة، والتي تختلف باختلاف كل كارثة؛ حيث أدت الحرائق الأخيرة إلى ترك بعض مصانع الأخشاب مُعطلة، على سبيل المثال، وإجلاء العمال. وبالتالي، ليس من الواضح مدى انتشار الضرر الذي يلحق بمخزونات الغابات، لكن حكومات المقاطعات تميل إلى تقليل كمية الأخشاب التي تسمح بحصدها بعد الحرائق الكبيرة..
كندا تطبق الدروس المستفادة من هذه الكارثة غير الطبيعية
توصلت الحكومة الكندية في أواخر شهر يونيو/حزيران 2023، إلى استراتيجية تكيف شاملة، والتي تُعُّد أول استراتيجية وطنية للتكيف، الذي يُعرف على أنه التخطيط والعمل على الآثار المتوقعة لتغير المناخ، وينطوي على إجراء تغييرات استباقية قبل حدوث تأثيرات تغير المناخ، بالإضافة إلى الاستعداد للاستجابة للأحداث المتطرفة المحتملة والمتكررة بشكل متزايد (رد الفعل)
وفي ضوء ذلك، تستند استراتيجية التكيف إلى بناء مجتمعات واقتصاد قوي؛ وتوصي بتدابير مثل الاستثمار في الغابات الحضرية لتقليل الآثار الصحية لموجات الحرارة وتطوير خرائط أفضل للفيضانات تساعد الأفراد على تجنب البناء في المناطق المعرضة للخطر. كما دعا خبراء الحرائق والغابات -في هذا الصدّد- إلى استعادة خدمة الغابات، التي أهلكتها سنوات من التقشف. وبناء عليه، تقدم استراتيجية التكيف الوطنية مخططًا شاملاً لتقليل المخاطر التي تأتي مع تأثيرات تغير المناخ بشكل استراتيجي.
تجدُر الإشارة إلى أن هذه الإستراتيجية، هي تتويج لمشاركة مكثفة امتدت لأكثر من عامين، بين حكومات المقاطعات والأقاليم، والدول والمنظمات، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية، وخبراء التكيف، والشباب. هذا، وتحدد الاستراتيجية رؤية مشتركة لكيفية تركيز جميع مستويات الحكومة على حماية المجتمع وتعزيز التكيف مع المناخ بشكل فعال.
تتضمن أهم بنود الاستراتيجية ما يلي:
1- الحد من آثار الكوارث المتعلقة بالمناخ.
2- تحسين الصحة والعافية.
3- حماية واستعادة الطبيعة والتنوع البيولوجي.
4- بناء وصيانة بنية تحتية مرنة.
5- دعم الاقتصاد والعمال.
يُمكن لحلول التكيف أن تتعامل بشكل أفضل للكوارث ذات الصلة بالمناخ، كما يمكن للتكيف أن يمكّن الأفراد من حماية صحتهم ورفاههم؛ حيث إنه يضمن أن أنظمتهم الصحية والغذائية والاجتماعية مجهزة بشكل أفضل لإدارة مخاطر المناخ ودعم المكونات المتنوعة للرفاهية مثل الصحة العقلية والأمن الغذائي.
وعلى صعيد آخر، يتطلب تحقيق أهداف وغايات الاستراتيجية عمل المجتمع بأسره، إذ توجد خطط تكيف محلية وإقليمية وقطاعية في أجزاء كثيرة من البلاد وهي في وضع جيد لتحديد الأولويات والعمل على التقدم في مواجهة المخاطر القصوى والظروف الفريدة. هذا، وتجدُر الإشارة إلى أنه سيتم تطوير عدد من خطط العمل الفيدرالية والحكومية الدولية وخطط العمل التي يقودها السكان الأصليون لتوسيع نطاق جهود التكيف وتنسيقها بشكل أفضل.
aXA6IDMuMTMzLjEyNC4xNjEg جزيرة ام اند امز