احتجاز الكربون.. هل يعتبر حلا عمليا لأزمة التغير المناخي؟
بينما تخرج تقارير شبه يومية عن اتفاقيات واستثمارات في تكنولوجيا "احتجاز الكربون"، ألقى تقرير دولي بشكوك حول فعالية هذه الوسيلة.
احتجاز الكربون هو عملية يتم خلالها عزل ثاني أكسيد الكربون ودفنه في باطن الأرض، وذلك بعد فصل الغاز في صهاريج عند انبعاثه من محطات توليد الكهرباء، ويهدف ذلك إلى التخفيف من زيادة حرارة الأرض التي تهدد مستقبل حياة البشر على الأرض.
ويوجد نوعان رئيسيان من التقاط الكربون وتخزينه، وهما التقاط الكربون وتخزينه من المصدر النفطي (CCS) أو التقاطه من الهواء.
وقبل نحو 14 يوما، نشرت وكالة "رويترز" تقريرا عن بعض الاستثمارات الجديدة في هذا المجال، ومنها اتفاق شركة تخزين ثاني أكسيد الكربون النرويجية "نورثرن لايتس" على تخزين الانبعاثات التي تصدرها شركة "يارا" الهولندية لصناعة الأسمدة، وذلك اعتبارا من عام 2025.
كما أورد التقرير ذاته، تفاصيل عن أهم الصناعات التي تتسبب في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، والجهود المبذولة في اتجاه الاحتجاز، حيث يمثل إنتاج الأسمنت والخرسانة، وفق التقرير، نحو 8% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.
ولفت التقرير إلى إعلان الرابطة العالمية للأسمنت والخرسانة مؤخرا عن خريطة طريق للوصول إلى الأسمنت الصافي الصفري بحلول عام 2050، وتعهدت بتقديم 10 مصانع لاحتجاز الكربون على نطاق صناعي بحلول عام 2030.
، كما تطرق التقرير إلى صناعة الحديد والصلب، وهي من الصناعات كثيفة الطاقة والكربون بسبب استخدام الوقود الأحفوري مثل الفحم لتشغيل الأفران العالية.
وأشار التقرير إلى بيانات لاتحاد الصلب العالمي، أكدت أنه للوصول إلى أهداف الانبعاثات، يجب التقاط 75% من ثاني أكسيد الكربون المنتج عالميا بواسطة القطاع، وهذا يعادل 14 مصنعا للصلب بتقنية احتجاز الكربون تم بناؤها كل عام من عام 2030 إلى 2070، وحاليا، يوجد في العالم منشأة واحدة فقط للحديد والصلب على نطاق واسع مع احتجاز الكربون وتخزينه.
ووقعت شركة "أرسيلور ميتال"، إحدى أكبر شركات تصنيع الصلب في العالم، مذكرة تفاهم العام الماضي مع شركة "اير ليكيد"، وهي شركة غازات صناعية مقرها فرنسا، لتطوير تقنيات احتجاز الكربون بهدف إنتاج فولاذ منخفض الكربون.
ومن الصناعات الأخرى، التي ذكرها التقرير، "النفط والغاز"، وقال: "حتى وقت قريب، كان التقاط الكربون الناتج عن الوقود الأحفوري وحقنه تحت الأرض وسيلة لاستخراج المزيد من النفط من الآبار القديمة، وهناك العديد من المقترحات لبناء مراكز احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون، لكن القليل منها تجاوز مرحلة التطوير".
وأضاف أن العديد من شركات الطاقة الكبرى، تقوم الآن بدمج احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في خططها لخفض الانبعاثات، لكن الافتقار إلى أسواق تداول الكربون أو الحوافز الضريبية لجعل الاستثمار مجديا قد أعاق تنميته.
ومن المشروعات الجارية في هذا الإطار، قيام "أوكسيدنتال بتروليوم" حاليًا مع شركة الأسهم الخاصة "روشين كابيتال"، بتطوير منشأة لالتقاط الهواء المباشر في تكساس، من شأنها أن تسحب نحو مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنويا من الجو.
وأخيرا، تطرق التقرير إلى أن أجزاء من صناعة التعدين، ترى في التقاط الكربون وتخزينه وسيلة لتقليل الانبعاثات في محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وهي المصدر الرئيسي للكهرباء في مركز التعدين في أستراليا.
وتدرس بعض شركات التعدين أيضا طرقا لاستبدال الغاز الطبيعي، والذي لا ينتج عنه انبعاثات كربونية عند حرقه.
وقالت شركة "ريو تينتو"، وهي إحدى أكبر شركات التعدين في العالم، إنها ستستثمر 4 ملايين دولار في شركة لاحتجاز الكربون تعمل على تطوير تقنية لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وربطه كيميائيا، وبالتالي تخزينه بشكل دائم في الصخور.
ورغم التحرك الملموس في هذا الملف، صدر تقرير مؤخرا عن معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي (آي إي إي إف إيه)، في كندا، كشف عن بعض العوائق التي تجعل من مشروعات احتجاز الكربون حلا عمليا.
ووفقا للتقرير، فإن ثاني أكسيد الكربون المحتجز سيحتاج إلى المراقبة لعدة قرون لضمان عدم تسربه إلى الغلاف الجوي، كما أن هذه التقنيات تحتاج إلى تكاليف ضخمة قد لا تقدر عليها الشركات.
وقال التقرير: "على الرغم من وجود بعض الدلائل على دور هذه التقنية في بعض القطاعات التي يصعب تخفيف انبعاثاتها مثل الأسمنت والأسمدة والصلب، فإن النتائج الإجمالية تشير إلى إطار مالي وتقني لا يزال يضعف الأداء".
ومن التحديات الأخرى، هي أن احتجاز الكربون المعاد استخدامه في استخراج النفط، وهي التقنية التي تعرف باسم "الاستخلاص المعزز للنفط"، يمثل نحو 73% من ثاني أكسيد الكربون الذي يُحتَجز على مستوى العالم سنويا، في السنوات الأخيرة.
وقال التقرير إن نحو 28 مليون طن من 39 مليون طن احتُجِزَت على مستوى العالم، يُعَاد ضخها وعزلها في حقول النفط لاستخراج المزيد من النفط.
وأضاف التقرير أن الاستخلاص المعزز للنفط في حد ذاته يؤدي إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل مباشر وغير مباشر.
وبالنسبة للصناعات الأخرى، التي لا تستخدم الكربون بشكل مباشر وتلجأ لتخزينه، يبرز التحدي الأكبر لها، وفق التقرير، في العثور على مواقع تخزين مناسبة لعزل الكربون.
ونتيجة لهذه التحديات، وجد التقرير، أنه من أصل 13 مشروعا تم فحصها خلال إعداد التقرير، تبين أن أداء 7 منها دون المستوى، وفشل مشروعين، وتوقف مشروع واحد.
وما بين التحرك الملوس في اتجاه مزيد من استثمارات احتجاز الكربون، وهذا التقرير المحبط، يرى آخرون أن هناك نماذج ناجحة، لم يتطرق لها التقرير، مثل موقعي "سنوفيت" و"سليبنر" النرويجيين باعتبارهما مثالين على تخزين الكربون الناجح.
ويقول محمد الحجري، الباحث بمركز بحوث الصحراء في مصر وأحد المسؤولين عن مشروع للتكيف مع تغيرات المناخ: "لنكن واقعيين.. العالم لن يضحي بنشاطه الاقتصادي من أجل تخفيض انبعاثات الكربون، لذلك فإن الأنشطة التي من شأنها ان تحتجز الكربون هي الحل العملي".
ويضيف الحجري، في تصريحات لـ "العين الإخبارية": "بدلا من التشكيك في التقنية، يجب العمل على تقييم التجربة، وعلاج السلبيات وتدعيم الإيجابيات، لأنها في رأيي تمثل أحد الحلول العملية ".
aXA6IDMuMTQ1LjEwLjY4IA== جزيرة ام اند امز