قبل يورو 2024 وأولمبياد باريس.. بقع سوداء في رداء المناخ الأخضر
فيما يسعى العالم للحد من الانبعاثات الكربونية، تحمل المحافل الرياضية مثل يورو 2024 وأولمبياد باريس بقعا سوداء في رداء المناخ الأخضر.
على سبيل المثال كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في العالم، حيث تجتذب قاعدة جماهيرية عالمية تبلغ 3.5 مليار شخص، لكن ما علاقة ذلك بالمناخ؟
صناعة كرة القدم العالمية تنتج أكثر من 30 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، أي ما يعادل تقريبًا إجمالي الانبعاثات الناتجة بدولة مثل الدنمارك، خاصة أنه لا توجد رياضة أخرى يسافر فيها المشجعون بشكل منتظم وبأعداد كبيرة مثل كرة القدم.
من الاستاد واستهلاك الطاقة إلى الانبعاثات المرتبطة بالسفر وإنتاج النفايات، تترك اللعبة الجميلة علامة سلبية على كوكب الأرض، نتيجة عدد متابعيها الهائل وانتشارها الدولي، فهذا الجانب المظلم رغم صعوبة حسابه للأندية لاختلاف إنتاج كل نادٍ حسب الحجم والموقع، إلا أنه تبين أن سفر المشجعين والفرق أهم أسباب التأثير السلبي لكرة القدم على البيئة.
محللو المناخ يعتبرون أن مطالبات تعويض الكربون في البطولات الرياضية يتم استغلالها باعتبارها الأساس الرئيسي لمطالبات صافي الصفر في الأحداث الرياضية، وكذريعة للتحايل على التخفيضات الفعلية للانبعاثات ويمكن أن تخلق مفهوما خاطئا يهدد "الحياد المناخي"، عندما تكون الانبعاثات مرتفعة أو في ارتفاع، وأصبح "الحياد المناخي" في البطولات الرياضية هو أحد أهم أهداف المنظمين ويتصدر عناوين التسويق للأحداث العالمية حاليا.
الاستدامة وبطولة يورو 2024
مؤخرا أطلق الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، أداة عبر الإنترنت للمساعدة على حساب وفهم وتقليل الانبعاثات المتعلقة بكرة القدم، ويشمل ذلك مجالات التنقل والمرافق والسلع والخدمات المشتراه والخدمات اللوجستية وأطلق عليها "حاسبة البصمة الكربونية".
وفقا لتيم ثورمان رئيس قسم الاستدامة في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، متوقع أن تولد بطولة هذا العام ما يقرب من 490 ألف طن من انبعاثات الغازات الدفيئة، منها 400 ألف طن من سفر المشجعين (80٪ من الإجمالي)، شبكة السكك الحديدية الواسعة في ألمانيا، والبنية التحتية الحالية لكرة القدم والنقل والملاعب الخضراء تحد من الانبعاثات الناتجة عن عوامل أخرى خارج نطاق النقل.
ويعد قياس البصمة الكربونية للبطولة عنصراً أساسياً في ركيزة الاستدامة البيئية للبطولة، وكانت الاستدامة أحد المبادئ الأساسية لهذه البطولة منذ بدء عملية اختيار المضيف في عام 2018.
أقيمت بطولة اليورو 2020 في 12 مدينة أوروبية مختلفة، وبطولة هذا الصيف ستقام في ألمانيا، حيث استثمر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم 32 مليون يورو (34.6 مليون دولار أمريكي) في مبادرات الاستدامة لجعل بطولة أمم أوروبا 2024 للرجال هي الأكثر خضرة على الإطلاق.
يتضمن ذلك تذكرة مخفضة بسعر ثابت بقيمة 29 يورو للسفر مع Deutsche Bahn - نظام السكك الحديدية الوطني في ألمانيا - ووسائل نقل محلية مجانية لمدة 36 ساعة لحاملي التذاكر لتشجيع المشجعين على السفر بالسكك الحديدية.
لن يكون غالبية المشجعين محليين، مما يعني أن نسبة كبيرة ستسافر إلى ألمانيا من دول أوروبية أخرى وخارجها.
يشير فريق الاستدامة في UEFA إلى أن أسطول الأحداث الخاص به سيستخدم مركبات منخفضة الانبعاثات وستحصل جميع الملاعب على نوع من شهادات الاستدامة، سواء كانت EMAS أم ECOProfit أم ISO، ومع ذلك فإن أحدث مبادرة تنبع من هذه البطولة هي إطلاق صندوق المناخ.
وقال فرانس تيمرمانز، نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية للصفقة الخضراء الأوروبية السابق، "كرة القدم تجمع قارتنا وكوكبنا معًا، لمواصلة الاستمتاع بلعبتنا المفضلة، نحتاج إلى الفوز في المعركة ضد تغير المناخ، كفريق واحد".
تناقض أوروبي وتهديد بيئي
في عام 2016، أطلقت الأمم المتحدة إطار عمل الرياضة من أجل المناخ، داعية الموقعين إلى خفض انبعاثاتهم والوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2040، وأعلن FIFA أنه يهدف إلى تقليل الانبعاثات عبر أحداثه كجزء من استراتيجيته المناخية ويأمل أن يكون محايدا للكربون كمنظمة بحلول عام 2040.
انضم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى حملة الأمم المتحدة "سباق نحو الصفر" في عام 2022، وتعهد بخفض الانبعاثات إلى النصف عبر أحداثه بحلول عام 2030، بالإضافة إلى ذلك قدم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إرشادات الاستدامة لمساعدة الأندية على تحسين استهلاك الطاقة والمياه، وبناء البنية التحتية، وتصنيع المواد الغذائية والملابس.
إلا أن هناك تناقضا بين هذه التعهدات وما يحدث في الواقع، حسب المؤسسات المهتمة بالمناخ، فالموسم الجديد أكثر توسعا، وذلك جزئيا نتيجة اقتراح لإقامة الدوري الأوروبي الممتاز، مع 177 مباراة إضافية عبر بطولات الاتحاد الأوروبي الثلاث الكبرى- دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي ودوري المؤتمر الأوروبي.
وبالمثل، بدءًا من 2025 ستتوسع بطولة كأس العالم للأندية FIFA لتشمل 32 فريقا مرة كل أربع سنوات، حيث يتطلع FIFA إلى إنشاء مسابقة للأندية لمنافسة دوري أبطال أوروبا.
وتشير أبحاث "بي بي سي سبورت" إلى أن توسيع المباريات قد يؤدي إلى سفر المشجعين والفرق لمسافة 2 مليار ميل جوي تقريبًا خلال موسم 2024/25، ارتفاعًا من 1.5 مليار في 2022/23، وتشير الأرقام المتوقعة إلى إطلاق ما يقرب من 500 ألف طن من غازات الدفيئة التي ستسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، ولتحليل أعمق، انبعاثات موسم 2022/23 (32 فريقًا) 368,388 طنًا من ثاني أكسيد الكربون من سفريات المشجعين والفرق.
تبلغ الانبعاثات المتوقعة لموسم 2024/25 (36 فريقًا) بسبب سفر المشجعين والفرق 480,717 طنًا من ثاني أكسيد الكربون.
واتهم ديفيد ويلر، المتحدث باسم رابطة لاعبي كرة القدم المحترفين، الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "بالتقصير في أداء الواجب" بشأن تأثيره على المناخ.
كما يقول صوفي يونغ بيدرسن، اللاعب السابق ومدير تحالف للمؤسسات البيئية، إن تغير المناخ يجب أن يكون محور التركيز الرئيسي نظرًا لوجود "تساؤلات حول الانبعاثات النسبية الحالية والتاريخية، هناك الكثير من المال في صناعة كرة القدم وليس هناك أعذار فيجب إنفاق الجهات المنظمة المزيد من ميزانيتهم على التحول الأخضر، من أجل كوكبنا والناس، بما في ذلك القدرة على لعب كرة القدم في جميع أنحاء العالم.
كوستاريكا المتجددة.. المياه نبض الطاقة النظيفة
الحرارة الشديدة تفتك بالبشر في مالي.. تكلفة باهظة للتغير المناخي
باريس 2024
منظمو دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024 يخططون لجعل الألعاب أول حدث رياضي "إيجابي مناخي" في العالم، وهو ما يزعم الخبراء أنه "مضلل"، حيث يهدفون إلى إبقاء الانبعاثات أقل من 1.5 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي أقل من نصف إنتاج الكربون في الألعاب الصيفية الأخيرة، بعد أن تعهدت اللجنة الأولمبية الدولية بخفض انبعاثاتها إلى النصف بحلول عام 2030.
استجاب المسؤولون في باريس باختيار وسائل الحماية الطبيعية لضمان أن تكون درجات الحرارة الداخلية أكثر برودة بمقدار 6 درجات مئوية على الأقل من درجات الحرارة الخارجية.
تم بناء قرية الرياضيين خصيصا في الضواحي الشمالية للمدينة، قام المصممون بتطوير نظام تبريد طبيعي للطاقة الحرارية الأرضية للقرية، يشبه إلى حد كبير النظام الذي ساعد متحف اللوفر على التغلب على الحرارة في السنوات الأخيرة.
كأس العالم في المستقبل
يبدو أن الطريق نحو مستقبل أكثر اخضرارا لكرة القدم يسير في اتجاه مختلف، حيث إن نهائيات كأس العالم المستقبلية في طريقها لتصبح أكبر، سيتم استضافة بطولات كأس العالم لدورتي 2026 و2030 عبر قارات متعددة مع زيادة كبيرة في عدد الدول المشاركة (48 فريقًا بدلا من 32).
سيقام كأس العالم 2026 في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، بينما يتزامن مونديال 2030 من الاحتفالات المئوية للبطولة، حيث سيتم لعب مباريات الاحتفالية في أمريكا اللاتينية بثلاث دول، أوروغواي والأرجنتين وباراغواي، بينما تقام البطولة في دول إسبانيا والبرتغال والمغرب.
كيف نجعل الألعاب أكثر صداقة للبيئة؟
فخلافا للانبعاثات الناتجة عن السفر والعدد المشارك وتنوع الدول في وقت واحد، فالهيئات الإدارية لكرة القدم حسب تقارير الاستدامة والهيئات الرقابية لهذا القطاع تطالب بالنظر في العلامات التجارية الراعية لكأس العالم من أجل الحد من البصمة الكربونية للبطولة، خاصة في بناء المرافق والخدمات، وتعرض الفيفا لانتقادات بسبب عدم إعطاء الأولوية للبيئة في عملية تقديم العطاءات، وذلك في طريقة اختيار الدول المنظمة للبطولة السنوات الأخيرة والمسابقات القادمة.
مادلين أور الخبيرة في علم البيئة الرياضية، الأستاذة بجامعة لوبورو البريطانية، تقول إنها لا تزال حذرة بشأن الحديث عن ألعاب "مستدامة"، وبررت بأن " كل الأحداث الرياضية لها تأثير، فهناك تحدي السفر للرياضيين والمتفرجين، وهو أمر خارج عن أيدي المنظمين".
في دراسة نُشرت في مجلة Nature الأمريكية 2021، يرى الخبراء أن ثلاثة أشياء يمكن أن تجعل الألعاب أكثر صداقة للبيئة؛ تقليل حجم الحدث بشكل كبير، وتناوب الألعاب بين نفس المدن وتنفيذ معايير الاستدامة المستقلة.
فرصة للتثقيف وتعبئة الناس
وقال توم روسون، مؤسس المنظمة الاستشارية لكرة القدم المستدامة: "الأندية منخرطة بشكل جيد في العناصر التي تقع تحت سيطرتها، مثل توفير الطاقة وإدارة النفايات"، لكنه أكد أنه لا يوجد زخم كبير لإزالة الكربون من كرة القدم، خاصة توحيد تقارير الكربون ووضع معايير دنيا من جانب الجهات المنظمة لمحاسبة الأندية، وهناك حاجة كبيرة لكرة القدم للعمل بشكل تعاوني مع الشركاء في السفر والبضائع.
إلا أن هناك عاملا إيجابيا يراه روسون، الذي يقول إن الشعبية الهائلة لكرة القدم توفر فرصة حقيقية لتثقيف وتعبئة الناس حول الإجراءات اللازمة لمعالجة تغير المناخ.
مشجعو كرة القدم الشباب المهتمون بالمناخ
وجدت الأبحاث التي أجرتها Rising Ballers أن 72% من مشجعي كرة القدم من الجيل Z يهتمون بالبيئة، مع اعتقاد 61% منهم أن كرة القدم يجب أن تكون أكثر صداقة للبيئة، و40.2% يشكون في أن إنتاج النفايات يسهم في البصمة الكربونية العالية لكرة القدم (32.5% النقل، 18.1% الملاعب، 9.2% الطعام والشراب)، على الرغم من أن إنتاج النفايات يعد عاملا مساهما هاما، إلا أنه لا يفوق النقل.
يعد المزيد من الوعي والتعليم، بما في ذلك وسائل النقل الخضراء عند السفر وسيلة لتعزيز الجهود الجماعية للحد من البصمة الكربونية لكرة القدم.
كما أظهر البحث أيضًا أن هناك فرصة رعاية جديدة للعلامات التجارية في المشهد البيئي المتطور، 54% من المشجعين الشباب قد يفكرون في الشراء من علامة تجارية أكثر استدامة بيئيا.
رعاية مثيرة للجدل
الجهات الراعية للكربون العالي، من شركات صناعة السيارات إلى شركات الطيران، شائعة في الرياضة، ولكنها أصبحت أكثر إثارة للجدل، حيث تتهم المجموعات البيئية الشركات بـ"غسل الصور المشوهة من خلال الرياضة".
وقال الكاتب والباحث الرياضي البريطاني ديفيد جولدبلات إن كرة القدم تحتاج أيضا إلى "وضع حد" لرعاية شركات الوقود الأحفوري.
واقترح باتريك جاسر، الرئيس السابق للمسؤولية الاجتماعية في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، أن يتوقف الاتحاد الأوروبي عن إصدار تذاكر للجماهير الخارجية لمباريات للمساعدة في تقليل انبعاثات الكربون.
ليست كرة القدم وحدها من حيث الانبعاثات
في حين أن السفر الجوي يزيد من إنتاج الكربون في كرة القدم، فإن القفز بالمظلات لديه أعلى بصمة كربونية فردية في الرياضة، يليه لاعبو الجولف، خاصة ما يتعلق بتصنيع واستخدام المبيدات الحشرية والأسمدة للحفاظ على الدورات التدريبية وكذلك السفر.
وتشير تقديرات الفورمولا 1 إلى أن موسم السباق يصدر نحو 256 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون (ما يعادل ثاني أكسيد الكربون)، وهو ما يعادل تقريبا الانبعاثات السنوية لـ55 ألف سيارة عادية، وفقا لآلة حاسبة تابعة لوكالة حماية البيئة الأمريكية.