لعب الكاردينال توران دورا رئيسيا في تعزيز الحوار بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية من جهة والعالم العربي والإسلامي من جهة ثانية
لا ينفك البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية يتحدث عن السلام كعطية إلهية معطاة للبشرية، ولا يزال يسعى في طريق نشر هذه الهبة التي لا تقدر بثمن، عبر لقاءاته وكلماته، ومن خلال الإرشادات الفكرية التي يصدرها، تلك التي تصل إلى نحو مليار وثلاثمائة كاثوليكي منتشرين حول العالم في ست قارات الأرض من مشرقها إلى مغربها ومن شمالها إلى جنوبها.
كانت هناك مناسبة توضح ما نذهب إليه جرت بها الأحداث في الأيام القليلة الماضية في 31 أكتوبر الماضي، حين توجه البابا فرنسيس إلى حرم جامعة اللاتيران الحبرية بروما ليختتم مؤتمرا حول موضوع "التربية، حقوق الإنسان والسلام: أدوات العمل ما بين الثقافات ودور الأديان"، وليفتتح معرضا مخصصا للكاردينال الراحل "جان لويس توران" الذي وصفه البابا بـ"رجل الحوار وباني السلام".
لعب الكاردينال توران دورا رئيسيا في تعزيز الحوار بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية من جهة والعالم العربي والإسلامي من جهة ثانية، وقد كان للرجل جولات مع الأزهر الشريف، ومع رابطة العالم الإسلامي، وكأني به أراد أن يختتم حياته بتلك الزيارة التاريخية إلى المملكة العربية السعوديةعرف العالم شرقا وتحديدا في عالمنا العربي رجل الدين الفرنسي الجنسية، ذاك الذي لم يمنعه المرض من أن يسعى حثيثا شرقا وغربا باحثا عن أفق جديد لتلاقي البشر من كافة الأجناس والأعراق، الأديان والمذاهب، الملل والنحل، ولم تقعده صعوبات الحاضر والحواجز التي اصطنعها البشر فيما بينهم.
لعب الكاردينال توران دورا رئيسيا في تعزيز الحوار بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية من جهة والعالم العربي والإسلامي من جهة ثانية، وقد كان للرجل جولات مع الأزهر الشريف، ومع رابطة العالم الإسلامي، وكأني به أراد أن يختتم حياته بتلك الزيارة التاريخية إلى المملكة العربية السعودية، والتي تعيش ربيع التسامح والانفتاح على العالم، وبنوع خاص في ضوء رؤية السعودية2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
كانت رؤية توران تتمركز حول وحدانية الإنسانية، وأن الأديان المختلفة جسور يجب أن تكون بين المؤمنين تسهل الاتصال بينهم، وليس جدرانا عازلة تمنع البشر من التماس سويا والتنافح والتلاقح الخلاق.
في كلمته تطرق الحبر الأعظم إلى مسؤولية تربية الأجيال الناشئة على السلام، كي تتمكن من مواجهة التحديات المطروحة في زماننا الحاضر، ورأى أنه من الأهمية بمكان أن تقدم اقتراحات خلّاقة للمستقبل، فضلا عن مساعدة كل شخص على النمو ليصير رائدا.
يذهب فرنسيس إلى أهمية ألا تقتصر تنشئة الأجيال الفتية على المضامين التقنية؛ إذ إنها تحتاج إلى حكمة إنسانية وروحية، ترتكز إلى العدالة والاستقامة والتصرفات النزيهة وتكون قابلة للتطبيق، وهكذا يصبح الشبان قادرين على النظر إلى مسببات خبرات الماضي السلبية وتوفير الأدوات الملائمة لتخطي الصراعات والمواجهات.
ما مضي الكاردينال توران في طريقه هو عينه الذي أكده البابا فرنسيس، فالحوار يعزز السلام والسلام يطرد العنف والكراهية خارجا، والبابا لا يخفي قلقه من تنامي مشاعر العنف والأخذ بالثأر وسط بيئات تعتبر نفسها دينية لكنها في الواقع بيئات أيديولوجية، لافتا إلى أنه إزاء انعدام السلام ليس كافيا أن يطالب الإنسان بالتحرر من الحرب، وضمان الحقوق؛ لأنه يتعين علينا أن نستعيد القدرة على المكوث مع الآخرين والحوار معهم وتفهم متطلباتهم، على الرغم من ضعفنا؛ لأن هذه هي الطريقة الأفضل لنحظى بالقبول عندما نتحدث عن السلام.
على هامش المؤتمر كان هناك معرض للفنان السعودي "عثمان الخزيم"، عنوانه "فن الخط لأجل الحوار: تعزيز ثقافة السلام عبر الثقافة والفن".
في هذا المعرض اقترح الفنان السعودي حوارا ما بعد الحوار بحد ذاته، عبر أحرف مكتوبة بالعربية على خلفيات ملونة، فيما الأحرف لا تشكل كلمات محددة.
افتتح البابا المعرض الجديد في فكرته وعلى أبوابه صرح بالقول لا يكفي انتقاد الماضي أو ما هو موجود حاليا، بل يجب إظهار الإبداع والاقتراحات للمستقبل، مع مساعدة كل شخص على النمو.. وكي يكون الشباب فاعلين فإنهم يحتاجون إلى طريقة قادرة لإبراز اختباراهم، مع تفادي الرسائل غير المسموعة، بل نقل أخبار القيم والفضائل".
هذه الثقافة بحسب الحبر الأعظم تتوجه إلى كل من يحفزهم الخير، سواء كانوا مؤمنين أم لا، وهم يعرفون كم أن الحوار ضروري تحت كل أشكاله، ليس فقط لحل الصراعات بل لإبراز القيم والفضائل التي كتبها الله تعالى في قلب كل إنسان.
وأشار إلى أنه "لا يمكننا البقاء لا مبالين، مكتفين بالمطالبة بالسلام، بل على الجميع العمل على بناء السلام كل يوم وحمايته، مع رفع الصلوات لله كي يمنحنا إياه".
وفي الختام دعا البابا إلى "البحث عن جميع إمكانيات الحوار واكتشافها، على أنها طريقة للعيش أو للتعايش، بل أكثر، على أنها معيار تثقيفي، وطلب من سامعيه الصلاة بلا انقطاع وبذل جميع الجهود لكي، عبر ميثاق شامل، يمكننا تدشين حقبة من السلام لأجل العائلة الإنسانية الكاملة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة