شارل بودلير.. الشاعر الذي حملته "أزهار الشر" إلى المحكمة
بودلير واجه حملة شرسة وهجوما كبيرا من المثقفين الفرنسيين أودت به إلى المحاكم فور صدور ديوانه الشهير "أزهار الشر" في 25 يونيو 1857.
تحل الاثنين، 9 أبريل، ذكرى ميلاد الشاعر الفرنسي الشهير شارل بودلير، رائد المذهب الرمزي في الشعر الفرنسي.
ولد بودلير في باريس يوم 9 إبريل عام 1821، وعُمّد بعد شهرين في كنيسة سان سولبيس الكاثوليكية الرومانية. والده فرانسوا بودلير، كان أحد كبار موظفي الخدمة المدنية وكان يكبر والدة بودلير"كارولين" بما يزيد على 30 عاما، وحينما توفي والده وهو بعمر 6 سنوات، تزوجت والدته؛ ما أدى إلى شعوره بالمعاناة وإحساسه بأن والدته تخلت عنه، وكان لذلك الألم النفسي الكبير الذي عايشه أثر واضح في أشعاره التي حاول بها أن يعبر عن المشاعر الإنسانية المريرة، وهو الأمر الذي وضع به أسس مذهبه الشعري الجديد.
حرك بودلير المياه الراكدة في بحور الشعر الأوروبي عامة، والفرنسي خاصة، وقال مقولته الشهيرة: "سوف أحاول استخراج الجمال من الشر". وكحال العديد من المبدعين المجددين، فقد واجه بودلير حملة شرسة وهجوما كبيرا من المثقفين الفرنسين أودت به إلى المحاكم فور صدور ديوانه الشهير "أزهار الشر" في 25 يونيو 1857، الذي طبع منه 1100 نسخة، بسعر 3 فرنكات للنسخة، وترجم للعديد من اللغات الأوروبية، لكن المحاكم الفرنسية طالبت بحذف 10 قصائد منه، متهمة بودلير بإهانة الدين المسيحي والانحلال الأخلاقي.
يُعَد بودلير من أبرز شعراء القرن التاسع عشر ومن رموز الحداثة في العالم. وكان شعر بودلير متقدما عن شعر زمنه فلم يقدر إلا بعد وفاته. ومن المثير أن ديوانه المهم "سأم باريس" لم ينشر إلا عقب وفاته محققا له شهرة عارمة ومكانة أدبية مرموقة.
استطاع بودلير أن يقتحم الفضاء الشعري الفرنسي بقصيدة النثر بجرأة كبيرة وبفضل موهبته الشعرية الفريدة، في حقبة تاريخية كانت حافلة بأسماء العديد من المبدعين في فن الشعر ونظمه ومنهم: رامبو، وفيرلين، ومالارميه، وغيرهم.
وأيضا كما هو حال عدد من المبدعين وكبار الفنانين التشكيليين رحل شارل بودلير عن عالمنا مجهولا وفقيرا حيث نال الشهرة بعد وفاته واستطاعت كلماته أن تشق طريقها لتتوج اسمه على قمة الشعر والأدب الفرنسي وانتزاع مكانة فيكتور هيجو الأدبية.
في العام الماضي احتفلت فرنسا بمرور 150 عاما على رحيله، حيث توفي بودلير 31 أغسطس 1867 عن عمر يناهز 46 عاما، وهو يعاني من عدة أمراض إلى جانب معاقرته الخمور وإدمانه الأفيون؛ ما أدى لإصابته بجلطة دماغية وشلله إلى جانب معاناته مع مرض الاضطراب الثنائي القطب ومات وحيدا منبوذا من المجتمع لكنه أصبح الآن أحد رموز الأدب العالمي وأيقونة الشعر الفرنسي.
**قالوا عنه:
قال عنه فيكتور هيجو مستشرفا موهبته الشعرية الكبيرة: "إنك تخلق رعشة جديدة في الشعر الفرنسي"، بينما قال عنه الشاعر الفرنسي آرثر رامبو: "إن بودلير لهو أمير الشعراء.. إنه رائد حقيقي للشعر"، بينما قال عنه الشاعر الكبير بول فاليري: "يعود الفضل في ديمومة شعر بودلير وتأثيره القوي على النفوس إلى امتلاء لهجته، وحدّة فرادتها التي تميزها عن كل ما سواها. لقد عابوا عليه عقمه الشعري؛ أي قلة إنتاجه. ولكنهم لم يفهموا أن أهمية الشعر لا تقاس بالكمية، وإنما بالنوعية وبالتأثير المديد على الأجيال..".
وقال عنه الشاعر الأمريكي الكبير ت. إس. إليوت: «أعتقد أنني قد تعلمتُ من بودلير (...) المظاهر الشائنة للمدينة الحديثة بالذات، وإمكان انصهار الواقعية الأكثر قذارة فيها والرؤى الخارقة، إمكان تجاور المبتذل والخيالي. منه، كما من لافورغ، تعلمت أن المادة التي توفرتُ عليها، والتجربة التي توفرتُ عليها، كمراهق، في مدينة صناعية بالولايات المتحدة، كان يمكن أن تكون مادة شعرية، وأن منبع الشعر الجديد كان يمكن أن يكون اكتشافا فيما يمكن اعتباره حتى الآن كواقع عصي، عقيم، لا شعري بصورة لاَ تُرَد».
ويقول عنه الكاتب الفرنسي بول بورجيه: «هذا الإنسان الأعلى كان ينطوي في شخصيته على شيء مقلق وسري مخيف حتى بالنسبة لأصدقائه الحميمين. وهذا الشيء كان يرعبهم فيه أو يسحرهم...».
مقتطفات من قصيدة "الحسناء" من ديوان (أزهار الشر)
يا أيها الناس الفانون.. أنا جميلةٌ جمال حلمٍ من حجر
إني أجلس على عرش السماء.. كأبي هولٍ غامضٍ
وأجمع إلى جانب بياض الإوزة قلبا كالجليد
ولا أعرف مطلقا الضحك ولا البكاء
مقتطفات من قصيدة "الموسيقى"
غالبا ما تحملني الموسيقى كما يحملني موج البحر.. نحو نجمي الشاحب
وتحت سقفٍ من الضباب أو في أثيرٍ واسعٍ.. أبحر
فأتسلق متن الأمواج المتراكمة التي يحجبها عني الليل
إني لأشعر في داخلي بانفعالات كل مركبٍ مشرفٍ على الغرق
وأشعر بالريح المواتية وبالعاصفة واختلاجاتها.. تهدهدني فوق اللجة المترامية
aXA6IDE4LjExNy4xNDUuNjcg جزيرة ام اند امز