رغم الطابع المحافظ والتقليدي الذي ميّز مراسم حفل تتويج تشارلز الثالث ملكاً على بريطانيا يوم السبت الماضي فإنها حظيت أيضاً بملامح جديدة تؤكد الهوية الجديدة لبريطانيا وتتناسب مع شخصية الملك الجديد القائمة على الانفتاح والتفاعل مع العالم ومستجداته.
ومن تلك الملامح الجديدة توسيع نطاق الحضور والمشاركة من داخل ومن خارج بريطانيا. وفي هذا السياق جاءت الدعوات للعديد من الدول الصديقة منها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تتشارك مع الملك الجديد في العديد من الاهتمامات الدولية، للمشاركة في تلك المراسم.
واستجابت دولة الإمارات لتلك الدعوة بوفد رفيع المستوى بقيادة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات نائب رئيس مجلس الوزراء وزير ديوان الرئاسة، الذي استقبله الملك تشارلز الثالث في قصر باكنغهام حيث أبلغه تهنئة دولة الإمارات بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة والحرص على استمرار العلاقة الوثيقة بين البلدين.
ومن تلك الملامح أيضاً، أن مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث كانت حدثاً فريداً من نوعه، حيث شاهده مئات الملايين في مختلف أنحاء العالم. وأصر مئات الآلاف من البريطانيين على البقاء في شوارع العاصمة لندن لساعات تحت المطر لمتابعة تلك المراسم وإلقاء نظرة على الموكب الملكي وعملية تتويج الملك الجديد.
وهو حدث لم يشهده من قبل أغلب البريطانيين بل وكثير من شعوب العالم، إذ كان آخر تتويج في بريطانيا منذ 70 عاماً عندما وضعت إليزابيث الثانية (والدة تشارلز) تاج العرش عام 1953.
لكن أهمية وخصوصية مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث أنها جددت جدلاً ونقاشات تجري في بريطانيا منذ سنوات، حول مدى تمسك البريطانيين بالملكية كنظام للدولة وكرمز للهوية البريطانية أو ما تبقى من إمبراطورية "بريطانيا العظمى" التي أثبتت قدرتها على تجديد نفسها ومواكبة التطور بدلاً من الثبات والبقاء في مكانها حتى أصبحت هي صمام أمان للبريطانيين في مواجهة الصدمات التي مرت على العالم.
هذا الجدل القائم منذ سنوات يتصاعد ويتراجع بين البريطانيين مع كل مناسبة أو حدث يتعلق بالواقع وحدود اتصاله بالتاريخ الإنجليزي. ويشير آخر استطلاع رأي أُجري بين البريطانيين قبل مراسم التتويج بأيام قليلة، إلى أن 53% ممن تتراوح أعمارهم بين 25 و49 عاماً يؤيدون استمرار الملكية، وذلك أقل بنسبة 5% عن نتائج استطلاع سابق أُجري عام 2019 ما يؤكد على الحاجة نحو التكيف مع "المزاج السياسي" البريطاني الجديد.
لذلك، لوحظ وجود مظاهر جديدة تضمنتها للمرة الأولى مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث، حيث تشير تلك المستجدات إلى إدراك العقلية الحاكمة في بريطانيا أن هناك تغيرات في المجتمع البريطاني وكذلك في العالم كله يجب على الملكية البريطانية مواكبتها والاستجابة لها.
وأهم ما حملته مراسم التتويج جديداً عن المعتاد في بريطانيا، تعديل قسم العرش الملكي ليتضمن الدفاع عن الكنائس المسيحية وليس الكنيسة الأنغليكانية البريطانية فقط. في تطور واضح لرؤية الملكية البريطانية بضرورة التخفيف من التشدد المذهبي، بل إن الحفل عكس مجهوداً ضخماً في عرض التنوع العقائدي والإثني بما يتوافق والتغيرات الحديثة في بريطانيا حالياً بما فيها الدين الإسلامي.
يتواكب مع ذلك أيضاً إعلان الملك تشارلز أنه وبصفته الملكية، سيدافع عن حرية الاعتقاد ويحمي أصحابها. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التطور المهم يمثل استجابة عملية للتطورات الجارية في المجتمع البريطاني، الذي اختير رئيساً لوزرائه سياسي من أصل هندي، بالإضافة إلى تغير المزاج العام البريطاني خصوصاً مع تصاعد التوجهات الليبرالية بزيادة عدد الشباب ذوي الأفكار المتحررة والآراء غير التقليدية.
ولعل هذا التطور يتماشى مع طبيعة الملك تشارلز الذي يؤمن بالتسامح والتعايش وتقبل الآخر. وله نشاط واسع النطاق في هذا التوجه الإنساني. وكان له دور نشط في الاستجابة لتحركات ومبادرات دولة الإمارات للتعايش الإنساني والانفتاح والتواصل بين البشر بصفتهم الإنسانية وبغض النظر عن انتماءاتهم وهوياتهم الضيقة الدينية أو العرقية.
الفكرة أن ظهور بوادر تحديث وتطوير في مراسم التتويج الملكية البريطانية، مؤشر إيجابي بالنسبة لمستقبل نظام الملكية وشعبيتها لدى المواطنين الإنجليز.
فمعنى ذلك التطوير أن الملكية تسعى إلى تجديد نفسها ومواكبة العصر. وأن هناك إدراكاً في دوائر القرار البريطاني للتغيرات المجتمعية الداخلية، وكذلك للتوجه العالمي الذي تشارك فيه دولة الإمارات نحو التعايش والتواصل بين البشر ليس فقط داخل المجتمع الواحد وإنما أيضاً بين الإنسانية كلها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة