الذكاء الاصطناعي.. رهان الصين الكبير على قيادة الاقتصاد العالمي
يزداد السباق العالمي نحو الهيمنة على الذكاء الاصطناعي سخونة بين الولايات المتحدة والصين، في مشهد يعيد بالفعل تشكيل موازين القوة التقنية والاقتصادية في القرن الحادي والعشرين.
وبينما لا تزال واشنطن تتصدر في مجالات البحث المتقدم والبنية التحتية، تمتلك بكين، وفقًا لخبراء، الوسائل والدوافع والفرص لتجاوز منافستها الأمريكية خلال السنوات المقبلة.
ووفقا لتحليل نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، تُظهر البيانات أن الصين تتصدر العالم في عدد الأبحاث العلمية وبراءات الاختراع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، إذ تمثل أكثر من 22% من الاستشهادات الأكاديمية، ونحو 70% من إجمالي البراءات المسجلة عالميًا.
ورغم أن الولايات المتحدة ما تزال تحتفظ بتفوق نوعي في أكثر الأبحاث تأثيرا وفي استقطاب الكفاءات، فإن الفجوة تتقلص بسرعة. فبين عامي 2019 و2022، انخفضت نسبة كبار الباحثين العاملين في الولايات المتحدة من 59% إلى 42%، في حين ارتفعت النسبة في الصين من 11% إلى 28%، مدفوعة بسياسات الهجرة الأمريكية المقيدة ورغبة الباحثين الصينيين في العودة إلى بلادهم.
وعلى مستوى النماذج الذكية، أنتجت المؤسسات الأمريكية أربعين نموذجًا رئيسيًا عام 2024، مقابل خمسة عشر نموذجًا صينيًا. غير أن الكفاءة الحسابية للنماذج الصينية، مثل DeepSeek-V3 وQwen 2.5-Max، جعلتها تتفوق من حيث الأداء مع استهلاك أقل للموارد، وهو ما يعكس قدرة الصين على "الإنجاز بأقل الإمكانات". كما تجاوزت الصين الولايات المتحدة في معدل تحميل النماذج مفتوحة المصدر، مما يعزز تفوقها في تطبيقات الذكاء الاصطناعي العملية مثل التكنولوجيا المالية، والتجارة الإلكترونية، واللوجستيات.
ويبرز تفوق الصين في سرعة تحويل البحث إلى تطبيق عملي بفضل سياساتها الصناعية، إذ تدعم الحكومات المحلية والمؤسسات الكبرى استخدام النماذج الذكية في الإدارة والتعليم والتمويل. كما تُدرج الجامعات برامج لمحو الأمية التقنية وتعزيز مهارات الذكاء الاصطناعي منذ المراحل الدراسية المبكرة، في خطوة تهدف إلى إعداد جيل مؤهل للتعامل مع الثورة التقنية الجديدة.
يشكّل التعليم مؤشراً آخر على هذا التوجه الصيني الواضح؛ فقد بدأت الجامعات الكبرى في الصين تطبيق برامج لمحو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي ضمن مناهجها الدراسية، بهدف ترسيخ المهارات التقنية لدى الطلاب بشكل استباقي قبل أن يفرضها سوق العمل. كما أعلنت وزارة التعليم عن خطط لإدماج تدريب متكامل على الذكاء الاصطناعي للأطفال في جميع المراحل الدراسية.
ورغم أن وصف الصين بـ«الدولة الهندسية» لا يعبّر تماماً عن علاقتها بالتقنيات الحديثة، فإن عقودًا من بناء البنية التحتية والتنسيق المركزي جعلت النظام الصيني فعالًا على نحو استثنائي في دفع تبنّي الابتكارات على نطاق واسع، وغالبًا مع مقاومة اجتماعية أقل بكثير مما يحدث في بلدان أخرى. ويسمح هذا الانتشار الواسع، بطبيعة الحال، بتحسينات أسرع ومتكرّرة في التطبيقات.
ويبدو أن الرأي العام الصيني يشارك هذه الثقة؛ فقد أظهر مؤشر الذكاء الاصطناعي 2025 الصادر عن جامعة ستانفورد أن المشاركين الصينيين هم الأكثر تفاؤلاً في العالم بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي — وبفارق كبير عن نظرائهم في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ويُعد هذا التفاؤل لافتًا، خصوصًا في ظل تباطؤ الاقتصاد الصيني للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين بعد جائحة كوفيد-19. ويرى كثيرون في الحكومة والقطاع الصناعي أن الذكاء الاصطناعي يمثل الشرارة المنشودة لإنعاش الاقتصاد. غير أن التساؤل يبقى مطروحًا حول ما إذا كان هذا التفاؤل وحده كفيلاً بالاستمرار في ظل نمو أبطأ وتحديات اقتصادية متزايدة.
ورغم استمرار القيود الأمريكية على تصدير الرقائق الإلكترونية — التي تشكّل عنق زجاجة أمام التوسع الصيني — فإن بكين ترد بابتكار حلول بديلة تعتمد على تحسين الكفاءة وتبادل الموارد عبر منظومات وطنية متكاملة. ويؤكد محللون أن طموح الصين لم يعد يقتصر على تطوير أدوات ذكية، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة هندسة علاقتها بالتكنولوجيا بوصفها قوة اقتصادية واجتماعية شاملة.
وفي حين تحتفظ الولايات المتحدة بسبقٍ واضح في الابتكار السريع، تبدو الصين أكثر استعدادًا لتطويع الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، مما يجعل سؤال "من يفوز بالسباق؟" أقل أهمية من سؤال "من سيُشكّل ملامح المستقبل؟"