هل تفرض الصين نفوذها على عالم العملات المشفرة؟
أكدت دراسة نشرتها "فورين أفيريز" أن تعزيز الصين لاستخدام "اليوان الرقمي" سيمنحها فرصة لهيمنة أكبر على الأجندة العالمية لتقنيات الدفع.
وفي الدراسة التي كتبها "داريل دافي" في المجلة الأمريكية بتاريخ اليوم 22 أبريل 2022، جاء في نصها الذي ترجمته "العين الإخبارية"، أنه منذ الانتشار الواسع الذي حققته العملة الرقمية "بيتكوين" في الأسواق، سعت الحكومات حول العالم لاستكشاف إمكانية رقمنة عملاتها.
فنجد أن ما يصل لـ87 دولة حول العالم، يمثلون نحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يقومون الآن بالبحث أو التجربة في هذا المجال أو تفعيل عملات رقمية ببنوكهم المركزية، كنسخة رقمية لعملاتهم الورقية الرسمية.
وتتنوع أهداف هذه الدول، حيث يشمل البعض منها الحفاظ على أولوية عملاتها الرسمية على حساب العملات المشفرة التي تعتبرها غير مرغوب فيها (أحد أوجه العملات الرقمية والتي ظهرت في أسواق المال منذ قرابة 10 سنوات، وبرزت خلال السنوات الثلاثة الأخيرة بقوة، ومن أبرز نماذجها بيتكوين، وإيثريم، وبينانس كوين، وكاردانو، ودوج كوين، ولا تخضع للتنظيم من جهة رسمية فهي لا تصدر بواسطة البنوك المركزية مثل غيرها من العملات)، ودول أخرى تسعى لتحسين كفاءة عملية سداد المدفوعات لمواطنيها، وفي حين تهدف دول لتقليل عدد الأسر التي تعتمد فقط على النقود الورقية لتلبية احتياجاتهم.
في الوقت نفسه، ضعفت المنافسة بين البنوك في توفير خدمات مبتكرة للدفع، وفي غالبية الدول، نجد أن المدفوعات المصرفية تعاني من البطء وارتفاع التكلفة، وكونها غير متاحة على نطاق واسع للمستهلكين تحت خط الفقر.
ويأمل المنظمون أن تحفز العملات الرقمية هذه المنافسة الراكدة، وعمليات الابتكار بها. والعملات الرقمية يتم إصدارها من جانب البنوك المركزية وتخضع لتنظيم الدول وفقًا لسياستها النقدية والاتساق مع السياسات المالية، وتسمى العملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC).
الصين تظفر بالسبق بين الدول العظمى
ومن بين كافة الدول التي تتعامل رسميًا اليوم بالعملات الرقمية، دولة واحدة فقط من بين القوى الاقتصادية الكبرى عالميًا، توسعت في استخدام هذه العملات ضمن معاملات اقتصادها، وهي الصين.
وبدأ ذلك مع بداية عام 2020، حين سمحت بكين لمجموعات من السكان في عدة مدن بإجراء معاملات باستخدام اليوان الصيني المرقم الذي يرمز له الآن بـ e-CNY.
وعلى مدار العامين السابقين، توسعت الصين بشكل تدريجي، في عدد الأشخاص والشركات الذين يمكنهم الاستفادة من معاملات عملتها الرقمية.
واليوم، أنشأ أكثر من 120 مليون شخص في الصين محافظ خاصة بهم للعملة الرقمية الصينية e-CNY، مع تخطيط الدولة لإتاحة النظام لجميع السكان.
وقالت الحكومة الصينية، إن عملية التوسع في استخدام اليوان الصيني الرقمي، تأتي لنفس الهدف الاقتصادي الذي حفز معظم البنوك المركزية في العالم لاستكشاف العملات الرقمية.
غير أن توجه الصين لإنشاء ونشر هذه العملات الرقمية لم يخل من الأهداف السياسية.
حيث تنظر بكين إلى اليوان الصيني الإلكتروني باعتباره فرصة للتأثير على المعايير والقواعد العالمية التي تتعلق بكيانات حيوية تشمل شبكة الإنترنت وأمن البيانات والاقتصاد الرقمي الشامل.
أو كما وصفها الرئيس الصيني "شي جين بينج"، "مجتمع المصير المشترك في الفضاء الإلكتروني".
كما سبق أن وصف الأستاذان "سون ليجيان" و"يانج جيمنج" من جامعة "فودان" العملات الرقمية بأنها "ساحة معركة جديدة للمنافسة"، حيث يمكن للصين تأكيد هيمنتها التكنولوجية والاقتصادية.
وإذا ما توسعت بشكل أكبر في استخدامها، قد تمنح عملة اليوان الرقمية مزيدا من الرقابة والقوة للصين على مواطنيها.
خطر يهدد واشنطن
وبالنسبة للولايات المتحدة الامريكية، فمن الضروري أن تقلق مع تصاعد الاهتمام الصيني بالتوسع في استخدام العملات الرقمية، لأن ريادة الصين في مجال العملات الرقمية قد تؤدي في النهاية إلى تراجع تفوق الدولار الأمريكي في المدفوعات العابرة للحدود.
كما أن اليوان الرقمي، وعدد من أساليب الدفع الرقمية التي تطورها الصين، يمكن أيضًا أن تساعد بكين في تجنب أي عقوبات اقتصادية مستقبلية، وستجعل من الصعب تكرار حملة العقوبات الاقتصادية العنيفة التي شنها الغرب على روسيا، كرد فعل تجاه الحرب الروسية في أوكرانيا.
ومن الأسباب التي تدفع واشنطن للقلق أيضا، أن الصين يمكن أن تمرر تكنولوجيًا عملتها الرقمية، إلى الدول التي قد تستخدم هذه التقنية للتجسس على مواطنيها.
ولحسن الحظ، الولايات المتحدة مستعدة لمواجهة هذا التوسع. ففي مارس 2022 أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن أمرًا تنفيذيًا بشأن الأصول الرقمية، هذا الأمر تمت صياغته خصيصا لبدء مشروع حكومي كامل تتركز مجهوداته على مواجهة تحديات مستقبل الاقتصاد الرقمي.
النهج الذي تضمنه الأمر التنفيذي سيدعم الابتكار المسؤول والذي يمكن أن يؤدي إلى فوائد كبيرة للمستهلكين والشركات مع معالجة المخاطر المتعلقة بالتمويل غير المشروع وحماية المستثمرين ومنع التهديدات للنظام المالي والاقتصاد.
ستشترك وزارة الخزانة مع وكالات أخرى لإصدار تقرير حول مستقبل الأموال وأنظمة الدفع، مع دعوة مجلس مراقبة الاستقرار المالي للانعقاد من أجل تقييم المخاطر المحتملة للأصول الرقمية.
وبالفعل، عملت مجموعة عمل الرئيس المعنية بالأسواق المالية على دراسة نوع معين من الأصول الرقمية -العملات المستقرة- وتقديم توصيات في هذا الشأن.
ويعتبر هذا الأمر التنفيذي من بايدن، بداية قوية كونه يحتوي على العديد من الأحكام الهامة، بما في ذلك استكشاف إمكانية الدولار الرقمي.
ولكن إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تظل رائدة في التمويل والمدفوعات العالمية، مع حفاظها على استمرار هيمنة الدولار وحماية الخصوصية، فستحتاج إلى تنفيذ أمر بايدن بشكل صحيح، والمضي قدمًا لما هو أبعد من ذلك.
وعلى واشنطن أن تلعب دورا رائدًا، في وضع المعايير الدولية لكيفية استخدام العملات الرقمية عبر الحدود، سواء كان هذا الاستخدام عبر جهات خاصة أو رسمية. وللقيام بذلك يجب عليها تطوير تكنولوجيا العملات الرقمية الخاصة بها.
أهداف يحققها اليوان
ووفق بنك الشعب الصيني "البنك المركزي" فإن لدى بكين عددا من الأهداف الرئيسية لعملة اليوان الرقمية.
فهي تريد أن توفر للمواطنين بديلًا قويا للعملات الورقية، يكون قادرًا على توفير معاملات نقدية أكثر كفاءة.
وعلى سبيل المثال، ستتيح الصين عملة اليوان الرقمي للاستخدام بدون إنترنت، للمناطق التي تفتقر لخدمات الإنترنت والجوال في قراها ومناطقها النائية، التي تقتصر قدراتها التقنية على عمليات الاتصال قريبة المدى.
ويريد أيضا، البنك المركزي الصيني الحد من الفساد من خلال تسهيل تتبع المدفوعات، مع إمكانية استخدام اليوان الصيني الإلكتروني للاستجابة بسرعة أكبر للتغيرات في ظروف الاقتصاد المختلفة من خلال توفير أشكال أكثر مرونة وأكثر استهدافًا للسيولة.
ومن أهداف الصين أيضًا، رغبة البنك المركزي الصيني في تخفيض نفقاته الخاصة به.
فوفقًا لأحد التقديرات الاقتصادية، قد تسهم عملة اليوان الرقمية في توفير ما يصل إلى 24 مليار دولار من النفقات السنوية المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بإنتاج وتوزيع الأموال المادية في الصين.
مع الإشارة إلى أنه ليس بالضرورة أن تكون أهداف الصين من اليوان الرقمي، ذات فائدة للمواطن الصيني.
ففي السنوات الأخيرة، تحول العديد من المستهلكين الصينيين من البنوك التجارية التقليدية المملوكة للدولة إلى قطاع التكنولوجيا المالية الكبير والحيوي في الصين، ذلك القطاع الذي تهيمن عليه كل من "آنت جروب" التابعة لمجموعة علي بابا، وشركة "تينسنت" للمدفوعات وإدارة الثروات والقروض الصغيرة والتأمين والخدمات المالية الأخرى.
وخلال هذه العملية من الانتقال، اكتسبت هاتان الشركتان التكنولوجيتان العملاقتان كميات هائلة من البيانات الشخصية ، مما قلل من قوة الدولة الصينية.
وفي المقابل، ردت بكين على عمليات انتقال المستهلكين من مواطنيها خلال العام الماضي، بمجموعة من اللوائح الجديدة التي تحد من القوة السوقية لشركات التكنولوجيا في السوق الصينية.
وسبق أن أصدرت صحيفة "جلوبال تايمز" التي يتحكم بها الحزب الشيوعي الصيني، في عددها بشهر يوليو من عام 2021، مقال ذكر به "لا يسمح لأي من عمالقة الإنترنت، بأن يمتلك قاعدة عملاقة للبيانات الشخصية عن الشعب الصيني أكثر مما تمتلكه الدولة".
كما سبق أن صرح نائب محافظ البنك المركزي الصيني، "فان ييفي" بأن "البنك المركزي سيتحكم في كل المعلومات"، وتابع "يمكننا أن نستخدم قواعد البيانات العملاقة في تحليل بيانات التحويل وتدفق الأموال".
وللسبب نفسه، كانت قد حظرت الحكومة الصينية العملات المشفرة الخاصة، بما في ذلك البيتكوين.
اليوان لزيادة النفوذ
ومن الواضح أن الحكومة الصينية تعتقد أنه مع تبني المستخدمين لليوان الصيني الافتراضي، فإنهم سوف يبتعدون عن الشركات الخاصة ويعودون إلى الحكومة المركزية لتلبية احتياجاتهم المصرفية.
كما يمكن أن تستغل بكين اليوان الرقمي لزيادة نفوذها على سكان الصين.
ومن خلال نظام يطلق عليه اسم "تمكين إخفاء الهوية"، يمكن للبنك المركزي الصيني أن يتتبع أثر العمليات التجارية باليوان الرقمي، عبر الحسابات المصرفية، وبطاقات الهوية، وأرقام الهواتف.
ولن يتمتع المستخدمون بميزة الإخفاء الكامل للهوية، إلا إذا قاموا بإجراء عمليات دفع صغيرة عبر محافظهم الإلكترونية، التي تعمل كبطاقات ذكية للدفع المسبق.
وهذا يعني أن البنك المركزي الصيني سيكون قادرا على ملاحظة معظم المعاملات، وتجميد أي حساب مستهدف، وتعديل أرصدته.
بمعنى آخر، يمكن لليوان الرقمي أن يصبح أداة لمراقبة النشاط الاجتماعي والسياسي للمواطنين الصينيين، وبمعنى أوضح سيكون أداة لمعاقبة أولئك الذين يخالفون الدولة.
وبذلك، لن يمنح اليوان الرقمي القوة للحزب الشيوعي الصيني محليا فقط، بل إن العملية الرقمية ستكون قادرة على تدعيم مكانة بكين دوليا.
وفي السنوات القادمة، من المرجح أن تكون المعاملات عبر العملات الرقمية للبنك المركزي الصيني جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي.
ولدى الصين فرصة مبكرة لوضع المعايير وإنشاء البنية التحتية للعملات الرقمية للبنك المركزي، وهي فرصة سارعت الصين للاستفادة منها.
وسبق أن اقترح البنك المركزي الصيني تطبيق مبادئ دولية لمعاملات العملات الرقمية، ويعمل البنك المركزي الصيني مع بنك التسويات الدولية والسلطات النقدية في تايلاند والإمارات العربية المتحدة لإنشاء بنية تحتية عبر الحدود لتبادل العملات الرقمية من البنك المركزي الصيني لمختلف البلدان.
ويمكن لبكين استخدام قيادتها في هذا القطاع لتحدي القوة الاقتصادية الأمريكية بشكل أكبر، حيث يمكن أن تنخفض نسبة المدفوعات عبر الحدود بالدولار.
كما يمكن للحكومة الصينية أيضا أن تكتسب القدرة على التملص من العقوبات الغربية وتقويضها، وهو أحد أبرز أهدافها من تعزيز الاعتماد على العملة الرقمية.
الهدف الأبرز مواجهة عقوبات الغرب
وطالما، شعرت الصين بالغضب من قوة العقوبات للولايات المتحدة وأوروبا، ولكن نظرا لأن اقتصاد الصين لا يزال يعتمد بشكل كبير على البنوك الأمريكية ورسائل الدفع عبر نظام "سويفت" المالي العالمي، لم يكن أمام الصين خيار سوى السماح لبنوكها بالالتزام بمعظم العقوبات الغربية.
وعلى سبيل المثال، عندما فرضت واشنطن عقوبات على الرئيسة التنفيذية لهونج كونج "كاري لام" لمحاربتها حركة الديمقراطية في المدينة، اضطرت حكومة هونج كونج إلى دفع راتب "لام" يدًا بيد، لرفض البنوك توفير أي خدمات مصرفية لها.
ومنذ أن تم فرض عقوبات على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا كانت معظم البنوك في الصين مترددة في تقديم مساعدة تعويضية للشركات والبنوك الروسية، لخطر تعرضها لعقوبات أخرى ثانوية من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
ويمكن لبكين أن تقلل من تعرضها للعقوبات إذا وسعت بشكل كاف نظام رسائل الدفع عبر الحدود الخاص بها، أو إذا كان بإمكانها تطوير طريقة لإجراء مدفوعات عبر الحدود باستخدام اليوان الرقمي، دون الاعتماد على نظام "سويفت"
في هذه الحالة، يمكن للحكومة الصينية وشركاتها إجراء العديد من المعاملات البنكية الدولية دون الحاجة إلى المرور عبر المؤسسات المالية الغربية، مما يقلل من ضعف بكين أمام مطالب واشنطن وأوروبا.
تهديد لمكانة الدولار
على الجانب الآخر، تدرك الحكومة الأمريكية ما يمكن أن يعنيه اليوان الرقمي للدولار، وخصوصية البيانات، وقدرة واشنطن على فرض عقوبات بعيدة المدى.
وقد بدأت أمريكا في تحديد رؤيتها الخاصة لكيفية دمج العملات الرقمية في النظام الاقتصادي العالمي.
وفي أوائل عام 2022، وضع مجلس الاحتياطي الفيدرالي، مبادئ أساسية، من المحتمل أن يطبقها على الدولار الرقمي الأمريكي في حالة طرحه.
وعبر أمره التنفيذي، وجه بايدن حكومته لبدء العمل على خلق تصميم مقترح للدولار الرقمي.
وعلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي والبيت الأبيض التحقيق بعناية في معايير ومزايا الدولار الرقمي قبل الالتزام باستخدامه على نطاق واسع.
نظرا لأنه لن يكون من السهل، تطوير عملة رقمية تحافظ على خصوصية الأمريكيين، وتحقق الحماية من المعاملات غير القانونية، وتخلق نظام دفع تنافسي وشامل ومبتكر.
ولكن نظرا لأن الأمر سيستغرق بعض الوقت للوصول إلى هذه الأهداف، يجب على الولايات المتحدة الاستجابة لأمر بايدن من خلال بدء جهود بحث وتطوير ذات موارد جيدة، تشرك القوة الابتكارية للقطاع الخاص في الولايات المتحدة وأصحاب الفكر والإبداع في جامعاتها.
وكان قد كشف مشروع باسم "هاميلتون بروجيكت"، وهو مشروع بحثي عن الدولار الرقمي شهد شراكة بين بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عن أن الدولار الرقمي يمكن أن يلبي متطلبات السرعة والإنتاجية القوية والتغاضي عن الأخطاء التي قد تنتج عن نظام للدفع بالتجزئة.
ومع ذلك، هناك فجوات تكنولوجية كبيرة متبقية لطرح عملة رقمية من الدولار، وكما سبق وأن أشار بايدن، ستحتاج الولايات المتحدة إلى نظام طرح عملة رقمية تحمي الخصوصية، وتسمح للأسر التي ليس لديها حسابات مصرفية بالوصول إلى العملة الجديدة، وتكون قادرة على الصمود أمام الهجمات الإلكترونية.
ولسد هذه الفجوات بشكل فعَّال، يجب على الحكومة الفيدرالية إبرام سلسلة من العقود مع شركات وجامعات القطاع الخاص.
الطريق للدولار الرقمي
ودعا البيت الأبيض إلى إجراء الأبحاث اللازمة أولا، ومن ثم وضع لوائح لأنظمة الدفع الرقمية.
ويشار إلى أن الولايات المتحدة تفتقر حاليا إلى إطار تنظيمي واضح لأنظمة الدفع الخاصة والعامة، مما يعيق الابتكار ويساعد في حماية البنوك القديمة من قوى السوق، وبخلاف ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تضع اللوائح لصالح زيادة المنافسة.
وعلى سبيل المثال، يمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الاستفادة من القوة المستقبلية للبنية التحتية للدفع السريع، عبر منصة FedNow، وذلك من خلال تشجيع الأشخاص والشركات على استخدامها كمنصة دفع مشتركة، يمكن لجميع المستهلكين والتجار ومقدمي خدمات الدفع الوصول إليها على أساس التشغيل الكامل.
وذلك، سيؤدي إلى تبسيط مهام الدفع الأكثر شيوعا وتخفيض الرسوم عن طريق إجبار البنوك ومقدمي الخدمات الآخرين على التنافس بشكل مباشر مع بعضهم البعض.
وفي حال تحقيق ما أشار له بايدن، بوجوب عمل واشنطن على وضع معايير دولية للعملات الرقمية، فإن ذلك من الناحية العملية، سيعني الصياغة والسعي إلى اتفاقات بشأن معايير عملة رقمية واضحة لتوفير الخصوصية، وللتعامل مع الجرائم المالية وتوفير الاستقرار المالي وحماية السيادة النقدية لكل بلد من العملات الرقمية الأجنبية، سواء كان مصدرها البنوك المركزية أو القطاع الخاص.
أيضا، يجب على واشنطن وحلفائها مساعدة البلدان المهتمة بتطوير عملاتها الرقمية للبنوك المركزية لهذه الدول، أو مساعدتها في تطوير أنظمة الدفع الرقمية الأخرى.
وهذه المساعدة، يمكن أن توفرها واشنطن عن طريق توفير التكنولوجيا مباشرة أو من خلال المنح.
وعلى سبيل المثال، شراكة "إعادة بناء عالم أفضل Build Back Better World"، المعروفة بكونها مبادرة اقتصادية أطلقتها مجموعة الدول السبع، ستزود البلدان النامية بتمويل البنية التحتية التي يمكن استخدامها لهذه الأغراض.
ومن المؤسسات الأخرى القابلة لتقديم المساعدة الدولية في هذا الغرض، مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والبنك الدولي.
فيمكن للعملات الرقمية تبسيط الحياة اليومية للمستهلكين، وخفض تكاليفهم، وزيادة تعاملاتهم عبر الخدمات المصرفية.
هذه الأنظمة الجديدة للدفع الرقمي، يمكن لها أن تمنح مزيدا من الفرص للتقنيات الاستهلاكية الناشئة، مثل عمليات التعاقد الذكي و"إنترنت الأشياء"، التي ستربط الأموال بتطبيقات الإنترنت الناشئة التي تتطلب مدفوعات تلقائية آمنة.
وتمتلك حكومة الولايات المتحدة فرصة كبيرة لتحسين حياة الأمريكيين والناس في جميع أنحاء العالم من خلال تعزيز المنافسة وابتكار أنظمة الدفع.
ولكن للقيام بذلك، يجب على واشنطن أن تتولى زمام القيادة في تطورات العملات الرقمية وأن تقدم الدعم والتكنولوجيا للدول الأخرى. وإلا يمكن للصين أن تضطلع لدور أكثر هيمنة في وضع الأجندة العالمية لتقنيات الدفع، كما يمكنها أن تنشئ معايير تعرض الخصوصية للخطر وتفيد عملتها على حساب الدولار.
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjY0IA== جزيرة ام اند امز