الصين تفتش عن «كيسنجر» جديد لترميم علاقتها بـ«البيت الأبيض»
مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، تبحث الصين عن "هنري كسينجر جديد" يكون قادرا على العمل كجسر موثوق به بين البلدين بغض النظر عن الفائز.
ويأمل المسؤولون الصينيون العثور على شخص يكون صديقا لبكين ويحظى باهتمام الرئيس الأمريكي القادم ويتمكن من اختراق جدار العداء تجاه الصين، وتشجيع واشنطن على التعاون مثلما فعل وزير الخارجية الأمريكي الراحل هنري كيسنجر على مدار 5 عقود.
وفي دوائر السياسة الخارجية الصينية، يبدو سباق البيت الأبيض يفضي لطريق مسدود، في ظل تأكيد كل من المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب ومنافسته الديمقراطية ونائبة الرئيس كامالا هاريس على تبني مواقف صارمة تجاه بكين، وذلك رغم الاختلاف الكبير بينهما حول القضايا الأخرى وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
ويخشى الخبراء الصينيون أن تؤدي عودة ترامب إلى حرب تجارية واسعة النطاق مع فرض تعريفات جمركية شاملة على السلع الصينية، أما هاريس فمن المرجح أنها ستواصل نهج الرئيس جو بايدن من الحفاظ على استقرار هش للعلاقات مع استمرار جهود مواجهة صعود الصين التكنولوجي والعسكري التي وصفها الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنها "احتواء".
لذا، تظهر الحاجة إلى "كيسنجر جديد" في ضوء دعوات شي للأمريكيين "من ذوي البصيرة" للتقدم وتحسين العلاقات ومع ذلك لا يوجد أي تلميح من حملة ترامب أو حملة هاريس بأن المرشحين يبحثان عن مبعوث على غرار الدبلوماسي الراحل.
ووفقا لـ"واشنطن بوست" فإن الأصوات المؤثرة في الصين تناقش علنًا من يمكنه أن يضاهي جاذبية كيسنجر كرجل دولة، ودعوته الثابتة للمشاركة، وقدرته على العمل كقناة خلفية في أوقات الأزمات وذلك بغض النظر عمن يفوز بالرئاسة.
ومؤخرا نشرت صحيفة "The Paper" الصينية التي تديرها الدولة، سلسلة من ثمانية أجزاء بعنوان "البحث عن كيسنجر"، حددت خلالها قادة الأعمال والأكاديميين والمسؤولين السابقين الأمريكيين الذين يمكنهم المساعدة في الحفاظ على استقرار العلاقات.
وشملت القائمة ستيفن أ. شوارزمان، الرئيس التنفيذي لشركة الأسهم الخاصة بلاكستون الذي أطلق برنامجًا للدراسات العليا النخبوية في جامعة تسينغهوا في بكين؛ وجون كيري وزير الخارجية الأسبق والمبعوث الخاص السابق للمناخ الأمريكي الذي دعا إلى التعاون الوثيق مع بكين لوقف الانحباس الحراري العالمي.
كما ضمت القائمة الدبلوماسية الأمريكية المتقاعدة سوزان ثورنتون، التي انتقدت علنًا سياسة المواجهة التي تبناها ترامب تجاه الصين، وحاكم كاليفورنيا الديمقراطي جافين نيوسوم الذي غذت زيارته لبكين العام الماضي الجهود الصينية لمغازلة السياسيين الأمريكيين المحليين.
وقال وانج هوياو، المفكر البارز في السياسة الخارجية الصينية، إن جراهام أليسون، مساعد وزير الدفاع في إدارة بيل كلينتون وعالم السياسة الموقر في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، سيكون جسرًا جيدًا على غرار كيسنجر.
وفي وقت سابق من العام الجاري، قال وانج لأليسون "نأمل أن تستمر روح كيسنجر وأن تكون داعمًا ومروجًا كبيرًا، وبالطبع مساهمًا كبيرًا في العلاقات الأمريكية الصينية".
وكان الرئيس الصيني قد تبنى تحذيرات أليسون بشأن "فخ ثوسيديدس" وهي نظرية مفادها أن القوى الصاعدة تنخرط دائمًا في حرب مع القوى العظمى القائمة وهي النظرية التي استخدمها شي لحث القوى الغربية على قبول صعود الصين.
بعد لقائه مع شي في بكين في مارس/آذار الماضي، قال أليسون إن الرئيس الصيني حريص على مواصلة المناقشات التي أجراها مع كيسنجر حول الدروس المستفادة من الحرب الباردة.
ويؤيد أليسون بشدة فكرة المشاركة التي يقول إنها في مصلحة أمريكا وهي ضرورية لتجنب الصراع ويرى أن "هستيريا الصين تصيب الكثير من الأمريكيين".
لكن الناس على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، اقترحوا اسم مرشح آخر هو الملياردير إيلون ماسك وذلك في ضوء العلاقات التجارية الوثيقة للرئيس التنفيذي لشركة تسلا مع الصين والمسؤولين الصينيين، فضلاً عن تحالفه المتنامي مع ترامب.
وغالبًا ما يقدم ماسك حججًا تفضلها بكين فمثلا وصف قطب التكنولوجيا في العام الماضي تايوان بأنها "جزء لا يتجزأ من الصين".
ويتفق الجميع في الولايات المتحدة والصين، على أن دور كيسنجر في العلاقة بين البلدين كان فريداً من نوعه لكن كثيرين في بكين يدافعون عن الحفاظ على إرثه، وتكراره إلى أقصى حد ممكن، لتجنب تحول المنافسة إلى صراع.
وقال تشو فنغ، عميد الدراسات الدولية في جامعة نانجينغ "إن البحث عن كيسنجر جديد لا يتعلق فقط بتحديد كيسنجر الثاني بل يتعلق أيضاً بالشغف والحماس الصينيين للبحث عن وجهات نظر معقولة واستشرافية للعلاقات".
وهناك حنين كبير في بكين لسنوات كيسنجر حيث يكتب كبار الخبراء مقالات رأي يرثون فيها الصعوبات التي تعترض إعادة تأسيس "المشاركة على غرار كيسنجر" ويلومون الساسة الأمريكيين على "إفساد الأجواء" بمهاجمة الصين لتحقيق مكاسب سياسية ولا يزال هؤلاء يستشهدون بكيسنجر كمثال لأفضل الممارسات الدبلوماسية.
وبدأت سمعة كيسنجر كدبلوماسي صاحب رؤية برحلته السرية إلى بكين في عام 1971 كمستشار للأمن القومي للرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، وهي الرحلة التي مهدت الطريق لإقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1979.
وواصل كيسنجر السفر إلى بكين حتى يوليو/تموز من العام الماضي، بعد وقت قصير من عيد ميلاده المائة وقبل أشهر من وفاته في نوفمبر/تشرين الثاني عندما اختتم إرثه كمدافع لا يعرف الكلل عن تحسين العلاقات.
وخلال الزيارة الأخيرة وفي نفس المبنى الذي التقى فيه برئيس الوزراء تشو إن لاي قبل 52 عامًا، قال شي لكسينجر "نحن لا ننسى أبدًا أصدقاءنا القدامى".
وأشادت وسائل الإعلام الرسمية الصينية بتلك الزيارة باعتبارها نقطة تحول مهدت للقاء شي وبايدن في سان فرانسيسكو في نوفمبر/تشرين الثاني وذلك رغم تأكيد الخارجية الأمريكية على أن كيسنجر كان يسافر كمواطن خاص ولم يتصرف نيابة عن الولايات المتحدة.
وبعد وفاة كيسنجر في الشهر نفسه تدفقت التعازي من المسؤولين الصينيين بالإضافة إلى موجة من الخطب والمقالات التي تتحسر على ثغرة بحجم كيسنجر في الدبلوماسية الثنائية.
وتفضل بكين التعامل مباشرة مع السلطة التنفيذية، لكن التوترات جعلت هذه القناة أكثر صعوبة، مما خلق الحاجة إلى شخص مثل كيسنجر يمكنه العمل كـ"قناة مباشرة لقبطان السفينة"، كما قال دا وي، مدير مركز الأمن والاستراتيجية الدولية في جامعة تسينغهوا.
وأضاف "أحيانًا لا يستطيع القادة التحدث مع بعضهم البعض بثقة، لذا فأنت بحاجة إلى العثور على شخص ما بين الطرفين يمكن للطرفين الثقة به" وأقر بأنه لا يمكن أن يحل شخص واحد محل كيسنجر لكن يمكن أن يكون هناك "كيسنجر أصغر" أو مجموعة من الأشخاص الذين يمكنهم المساعدة.
وقال ستيفن أورلينز، رئيس اللجنة الوطنية للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وهي منظمة غير ربحية مقرها نيويورك "سواء كان هاريس أو ترامب، فإنهم سيحتاجون إلى قنوات غير حكومية للتواصل بالطريقة التي فعلها كيسنجر لعقود".
aXA6IDMuMTQ2LjE1Mi4xNDcg جزيرة ام اند امز