تململ وشكوك.. مقاعد المسيحيين في برلمان العراق تدخل لعبة التوازنات
تشهد الساحة المسيحية في العراق تململاً بشأن فاعلية مقاعدهم الخمسة قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة هذا الشهر.
وعبّر العديد من أبناء المكوّن المسيحي في العراق عن استيائهم مما قالوا إنه "تهميش مستمر وتراجع في الخدمات"، وشكوك حول ما إذا كانت مقاعد الكوتا المخصصة لهم في البرلمان ما تزال تعبّر فعلاً عن إرادتهم.
ومن أصل 329 مقعدًا في مجلس النواب العراقي، خُصّص خمسة مقاعد للمسيحيين موزّعة على بغداد، نينوى، كركوك، دهوك، وأربيل. لكن المفارقة هذا العام أن 19 مرشحًا يتنافسون على هذه المقاعد المحدودة، غالبيتهم من حركة بابليون التي يقودها رايان الكلداني، أحد قادة "كتائب بابليون" المنضوية ضمن الحشد الشعبي.
وبين محاولات الحفاظ على الهوية، واستمرار التدخلات السياسية في مقاعد الكوتا، يعيش مسيحيو العراق مرحلة دقيقة من تاريخهم السياسي. فبينما يسعى البعض إلى المشاركة للحفاظ على ما تبقى من التمثيل، يرى آخرون أن الانتخابات فقدت معناها الحقيقي بعد أن أصبحت مقاعدهم أداة في لعبة التحالفات الكبرى.
الرمزية السياسية
أثارت إحدى الحملات في كركوك جدلاً واسعًا، بعد أن ظهرت صورة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى جانب مرشحة مسيحية مستقلة، فيما اعتبره مراقبون دلالة على تسييس مقاعد الكوتا وربطها بسلطة الأحزاب الكبرى.
وتقول المرشحة هبة القس عن المكوّن المسيحي في حديث لـ"العين الإخبارية": "إن مقاعد الكوتا لم تعد بيد المسيحيين الحقيقيين. لقد تقاسمتها القوى الكردية والشيعية والسنية. هذه المقاعد لم تعد تدافع عن حقوق المسيحيين، بل أصبحت تخدم مصالح الأطراف الأخرى."
وحذّرت القس من أن نسبة المشاركة المسيحية في هذه الانتخابات ستكون أقل من الدورات السابقة، ما قد يؤدي إلى تراجع تأثير المكوّن داخل البرلمان المقبل.
الكوتا تُضعف تمثيلنا الوطني
في خطوة وُصفت بالجريئة، أعلن داوود إسحاق توما، المرشح عن المكوّن المسيحي ضمن تحالف الأساس العراقي بزعامة النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، خوضه الانتخابات المقبلة عن المقاعد العامة في بغداد بدلًا من مقاعد الكوتا الخاصة بالمسيحيين، في محاولة لتجاوز الانقسام الطائفي داخل البرلمان.
وأكد إسحاق في حديث لـ"العين الإخبارية" أن هدفه أن يُنظر إليه "كعراقي أولاً"، مشددًا على أن المسيحيين جزء أصيل من النسيج الوطني، لا يمكن فصلهم عن بقية مكونات البلاد.
وأوضح أن نظام الكوتا الحالي يقلل من شأن المسيحيين ويعزلهم عن المشاركة الوطنية الحقيقية، داعيًا إلى تمثيل قائم على الكفاءة لا الانتماء الديني.
وأشار إلى أن قاعدته الجماهيرية تتجاوز حدود المكوّن المسيحي، خصوصًا أنه يحظى بدعم من شرائح واسعة من غير المسيحيين نتيجة عمله الطويل في المجال الرياضي والإعلامي.
واختتم إسحاق بالقول إن برنامجه التشريعي يركّز على سنّ قوانين تخدم جميع العراقيين وتؤمّن لهم الحياة الكريمة والأمان، داعيًا إلى "هجرة عكسية" للمسيحيين العائدين إلى بغداد واستعادة دورهم في المجتمع.
توزيع المرشحين وحضور النساء
وبحسب بيانات "العين الإخبارية"، يتوزع المرشحون التسعة عشر على المحافظات التالية: 7 في كركوك، و4 في أربيل، و4 في دهوك، و2 في بغداد، و2 في نينوى، ومن بينهم ثماني نساء، ما يعكس محاولة لتعزيز حضور المرأة المسيحية في الحياة السياسية رغم ضعف المشاركة الشعبية.

شكاوى من الإهمال الخدمي
وفي بلدة القوش التاريخية شمال نينوى، يقول المواطن نزار حكيم (67 عامًا) لـ"العين الإخبارية": "بلدتنا من أقدم المناطق المسيحية، لكن لا توجد فيها جامعة أو معهد، مما يضطر طلابنا للسفر إلى دهوك أو نينوى. نفتقر أيضًا إلى مستشفيات وخدمات أساسية. ورغم ذلك، على المسيحيين أن يشاركوا في التصويت، لأن الانسحاب يعني فقدان الصوت نهائيًا".
وينصّ قانون الانتخابات العراقي لعام 2021 على أن العراق بأكمله يُعدّ دائرة واحدة بالنسبة لمقاعد الكوتا المسيحية، أي أن أي ناخب، بغضّ النظر عن ديانته أو قوميته، يمكنه التصويت لمرشح مسيحي.
هذا النظام، وفقًا للناشطين المسيحيين، جعل القوى السياسية الكبرى قادرة على توجيه أصوات ناخبيها لصالح مرشحين مرتبطين بها. ففي انتخابات 2021، حصل 34 مرشحًا مسيحيًا على أكثر من 118 ألف صوت، لكن 50 ألفًا فقط من هذه الأصوات كانت كافية لحسم المقاعد الخمسة لصالح مرشحين مدعومين من أحزاب نافذة.
حركة بابليون تهيمن مجددًا
وحركة بابليون، التي فازت بأربعة من المقاعد الخمسة في الدورة السابقة، دفعت مجددًا بخمسة مرشحين يمثلون جميع المحافظات المخصصة للكوتا. ويرى مراقبون أن الحركة تسعى لترسيخ سيطرتها السياسية على المكوّن المسيحي من خلال دعم مباشر من قوى داخل الحشد الشعبي.
وفي المقابل، يخوض بعض المرشحين حملاتهم بجهود ذاتية بعيدًا عن دعم الأحزاب، من بينهم سامي أوشانا، المدير السابق لإحدى نواحي دهوك، الذي قال: "أموّل حملتي بنفسي وأتنقّل بين البيوت لأطلب دعم العائلات المسيحية. كل صوت مسيحي مهم، وعلينا أن نقف معًا للدفاع عن حقوقنا."
تناقص الوجود المسيحي
وتشير المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق إلى أن عدد المسيحيين انخفض من نحو 1.5 مليون قبل عام 2003 إلى ما يقارب 250 ألفًا اليوم فقط.
ورغم أن الديانة المسيحية ما تزال ثاني أكبر ديانة معترف بها في العراق ولغتها الرسمية السريانية، إلا أن تراجع أعداد أتباعها جعل تمثيلهم السياسي والخدمي أكثر هشاشة.
ويعود هذا الانخفاض الحاد إلى اجتياح تنظيم داعش لمحافظة نينوى عام 2014، ما أجبر عشرات الآلاف من العائلات المسيحية على النزوح أو الهجرة القسرية بعد أن خُيّرت بين اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو الموت.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTYxIA== جزيرة ام اند امز