حرب أهلية في الولايات المتحدة.. بين المحتمل والمستحيل

حاول مارك فيشر المحرر البارز بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الإجابة على التساؤل.. هل تتجه الولايات المتحدة إلى حرب أهلية؟
يرى فيشر أن من السهل والمنطقي أن نستنتج أن الولايات المتحدة باتت اليوم تقف على شفير هوة الحرب الأهلية تماما كما كانت قبل عام 1861، إلا أنها لم تصل إلى تلك المرحلة بعد.
ويشير إلى أن مجموعة واسعة من المفكرين من الجمهوريين والديمقراطيين والأكاديميين، على حد سواء، يتابعون العنف والتطرف؛ يقبلون الآن فكرة أن الحرب الأهلية إما وشيكة وإما ضرورية".
ويسوق هؤلاء، حسب الكاتب، أدلة قد تبدو مقنعة مثل عاصفة التهديدات ضد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي وضد القضاة والمسؤولين المنتخبين وأعضاء مجالس إدارات المدارس ومشرفي الانتخابات، وكذا معسكرات التدريب، حيث يتدرب متطرفون أمريكيون مدججون بالسلاح لمواجهة حكومتهم، واستطلاعات الرأي التي تظهر توقع الكثير من الأمريكيين حدوث صراع عنيف.
ويعتقد فيشر أنه من السهل والمنطقي أيضا استنتاج أن انتشار خطاب المتطرفين اليمينيين، والتحذيرات المثيرة للقلق في وسائل الإعلام الرئيسية، ووابل التهديدات والهجمات الفردية التي وجهت هذا الشهر (أغسطس/آب) لمكتب التحقيقات الفيدرالي بعد تفتيشه منزل دونالد ترامب، لا تصل كلها حد توقع الاحتمال المخيف للحرب الأهلية.
ونقل عن الأشخاص الذين يراقبون مثل هذه التهديدات أن أعمال العنف التي وقعت هذا الصيف ضد المسؤولين الفيدراليين والمؤسسات الحكومية ترقى إلى مستوى آخر من الغضب يثير القلق والذي استمر طوال الجائحة، وعقب مقتل جورج فلويد قبل عامين.
يعتقد الكاتب أن الانقسام حول مدى جدية التعامل مع تهديدات الحرب الأهلية ليس مجرد مثال آخر على الانقسامات العميقة في أمريكا: بل إنه يحمل ميزة كبيرة تتمثل في الاتفاق على أسس مشتركة.
كلتا المجموعتين من المحللين، أولئك الذين يقولون إن البلاد تتجه نحو حرب أهلية ومن يقولون إن التهديد القائم يقتصر إلى حد كبير على الأفراد والمجموعات الصغيرة غير المنظمة التي لا تشكل أعمالها الخطيرة والمشتتة أساسا لحرب أهلية، يتفقون على التقليل من احتمال تنفيذ هجوم منظم وعنيف على الحكومة أو السلطات المحلية أو تلك التابعة للولايات.
بيد أنه لا يزال هناك انقسام حاد حول ما إذا كانت سلسلة الهجمات الفردية وهجمات الجماعات الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى صراع شبيه بالحرب يزعزع استقرار البلاد.
وما يتفق عليه كلا الجانبين في نقاشهما لمسألة الحرب الأهلية هو أن الاتجاه الأكثر إثارة للقلق -في هذه المرحلة الأكثر خطورة من اندفاعات العنف المتفرقة في السنوات الأخيرة- هو فقدان الثقة والأمل والشعور بالانتماء إلى مجتمع تضرر بشدة.
ويتفق الجانبان على أننا مررنا بهذه المرحلة من قبل، بحسب فيشر.
وروى الكاتب عن لقائه قبل ربع قرن من الآن ويليام بيرس، أستاذ فيزياء تحول إلى ناشط في النازية الجديدة ومؤلف كتاب "يوميات تيرنر" الذي استقى منه منفذ تفجيرات أوكلاهوما أفكاره، والذي أعرب عن أمله في قيام من يقرؤوا كتابه "بالإطاحة بالحكومة وتخليص البلاد من اليهود والسود"، على حد تعبيره.
وأضاف بيرس "أود أن تتحول أمريكا الشمالية إلى قارة بيضاء.. علينا أن ندمر النظام قبل أن يدمرنا، إذا لم نزل هذا السرطان من أجسامنا؛ فسوف يفنى جنسنا تماما".
وتوقع بيرس الذي توفي عام 2002، أن تصبح أعمال العنف الفردية المستوحاة من كتابه أكثر تكرارا، قائلا "يوما ما سيكون هناك إرهاب حقيقي ومنظم يتم وفقا لخطة تهدف إلى إسقاط الحكومة".
ويختم الكاتب بالقول إنه من الصعب رؤية حرب أهلية تنبثق من الفوضى الحالية، ولكن كما يقول أحد المحللين "أنا أكثر قلقا بشأن ما هو غائب عنا ولا يمكننا رؤيته".
aXA6IDMuMTM3LjE1OS42NyA= جزيرة ام اند امز