شتاء معتدل وصيف أكثر دفئا.. تغير المناخ يعيد تشكيل خريطة الأمراض
بينما كانت الأمراض المنقولة عن طريق البعوض والقراد والمياه والاتصال بالحيوانات، مقصورة على دول معينة أو مناطق محددة داخل الدولة الواحدة، تغيرت خريطة انتشار تلك الأمراض بسبب تغيرات المناخ.
وتجعل فصول الشتاء الأكثر اعتدالا، والصيف الأكثر دفئا، هناك فرصة مواتية لانتشار هذه الأمراض المعدية وغيرها في مناطق جغرافية جديدة.
وتقول مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأمريكا في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، إن الشتاء المعتدل ودرجات الحرارة الأكثر دفئا، تمنح البعوض والقراد مزيدا من الوقت للتكاثر ونشر الأمراض وتوسيع موائلها في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وبين عامي 2004 و2018 ، تضاعف عدد الأمراض المبلغ عنها من لدغات البعوض والقراد والبراغيث، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 760 ألف حالة في الولايات المتحدة، وتم اكتشاف تسع جراثيم جديدة تنتشر عن طريق البعوض والقراد أو تم إدخالها إلى الولايات المتحدة خلال هذه الفترة، كما اتسعت النطاقات الجغرافية التي ينشر فيها القراد مرض لايم، وداء الأنابلازما، وداء إيرليخ ، وحمى الريكتسيات المبقعة.
الأمراض المنقولة بالقراد والبعوض
ويتوقع خبراء مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، أن الأمراض المنقولة بالقراد ستستمر في الزيادة وربما تزداد سوءا، وأشاروا إلى أن فصول الصيف الأطول والأكثر دفئا أتاحت للبعوض مزيدا من الوقت للتكاثر وانتشار الأمراض، مستشهدين بما حدث في عام 2012 ، حيث مهد شتاء معتدل وأوائل ربيع وصيف حار، الطريق لتفشي مرض فيروس غرب النيل في الولايات المتحدة، مما أدى إلى أكثر من 5600 مريض و286 حالة وفاة.
والوضع ليس مقصورا على أمريكا، فأوروبا أيضا، التي كانت بعيدة، عن الأمراض المنقولة بالبعوض، أصبحت تعاني هي الأخرى من تلك الأمراض، ودفعت إصابة تم الإعلان عنها في شهر إبريل / نيسان الجاري، لامرأة بريطانية بمرض حمى الضنك خلال قضاء إجازتها في جنوب فرنسا، الباحثين إلى التحذير من أن المرض أصبح أكثر انتشاراً في أجزاء من أوروبا بسبب تغير المناخ.
وتقول سهام أبو النجا، الباحثة المتخصصة في الأمراض المدارية بجامعة المنوفية (دلتا النيل بمصر) لـ"العين الإخبارية"، إن حمى الضنك تنتشر عادة عن طريق بعوضة (الزاعجة المصرية)، والتي تجد البيئة المناسبة للتكاثر مع درجات الحرارة المرتفعة والأمطار الشديدة، وهي الحالة المناخية التي أصبحت سمة مميزة لتغيرات المناخ.
وتضيف أن "تفشي مرض (حمى الضنك)، يبدأ عندما تقوم بعوضة (الزاعجة) الحاملة للفيروس، بنقله إلى شخص سليم، وعندما يتعرض هذا الشخص للدغة بعوضة أخرى غير حاملة للفيروس، تصاب تلك البعوضة بالفيروس، فتنقله إلى آخرين، وهكذا".
الفيروسات حيوانية المصدر
ولا يقتصر خطر الأمراض التي يتسبب فيها تغير المناخ، على تلك المنقولة بواسطة البعوض والقراد، بل إن هناك خطرا آخر، يشير إليه خالد الخولي، استشاري الأمراض المدارية بوزارة الصحة المصرية، وهو التواصل مع الحيوانات، ودوره في انتقال فيروسات حيوانية المصدر إلى الإنسان.
ويقول الخولي لـ"العين الإخبارية": "أجبر تغير المناخ بعض أنواع الحيوانات على العيش في موائل جديدة مع اختفاء موائلها الطبيعية، كما أدى إلى توسيع موائل الحيوانات الأخرى، وأدى انتقال الحيوانات إلى مناطق جديدة، إلى زيادة فرص الاتصال بين الإنسان والحيوان واحتمال انتشار الأمراض الحيوانية المصدر".
ويوضح أنه من الأمثلة على ذلك، انتشار فيروس داء الكلب إلى مناطق جغرافبة جديدة، وزيادة أعداد الفئران بسبب ارتفاع درجات الحرارة، والتي تنقل أمراضا مثل ألاسكابوكس إلى البشر، كما ستزداد الأمراض الفتاكة، التي كانت مقصورة على أفريقيا، لتشكل تهديدا في بلدان أخرى، مثل الإيبولا، ولاسا، وجدي القرود، وكلها أمراض حيوانية المصدر.
خطر الفطريات
ومن تداعيات تغير المناخ أيضا، ما أشار إليه تقرير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أمريكا، من أن ارتفاع درجات الحرارة سمح لبعض الفطريات المسببة للأمراض بالانتشار في مناطق جديدة كانت في السابق شديدة البرودة، ولم يكن بإمكان الفطريات العيش بها.
ويوضح التقرير، أنه "على سبيل المثال، انتشرت حمى الوادي، التي تسببها الفطريات التي تعيش في التربة في المناطق الحارة والجافة، إلى عده مناطق بالعالم، ويمكن أن تسبب هذه الفطريات التهابات شديدة والموت وغالبا ما يتم تشخيصها ومعالجتها بشكل غير لائق".
ويضيف التقرير أنه "مع تضييق الفرق بين درجات حرارة البيئة ودرجات حرارة جسم الإنسان، قد تظهر أمراض فطرية جديدة عندما تصبح الفطريات أكثر تكيفا مع البشر، كما يزيد تغير المناخ من مخاطر الكوارث الطبيعية والفيضانات، مما قد يزيد من خطر نمو العفن في المنازل، ويمكن أن تسبب بعض أنواع العفن التهابات مميتة في الرئتين والدماغ".
البكتيريا الزرقاء
ويتوقع العلماء أن يكون لتغير المناخ آثار مدمرة على المياه العذبة والبيئات البحرية، فعلى سبيل المثال ، يمكننا أن نرى حالات أكثر تواترا وشدة لتكاثر الطحالب الضارة، والتي تتمثل في النمو السريع للطحالب أو البكتيريا الزرقاء في البحيرات والأنهار والمحيطات والخلجان.
ويقول تقرير مراكز السيطرة على الأمراض الوقاية منها بأمريكا، إن ارتفاع درجات الحرارة في بحيرة (إيري) ساهم في انتشار الطحالب الزرقاء السامة التي تستمر حتى أشهر الشتاء الأولى، والتي تعرض صحة البشر للخطر، وكذلك تضر الحيوانات الأليفة والماشية والحياة البرية والبيئة.
ويضيف التقرير، أنه "في حين لم يتم الإبلاغ عن أي وفيات بشرية بسبب البكتيريا الزرقاء في الولايات المتحدة، فإن بعض هذه السموم يمكن أن تجعل الكلاب والحيوانات الأخرى مريضة، وربما تسبب الموت في غضون ساعات إلى أيام، وتم الإبلاغ عن نفوق الكلاب بعد أن سبحت أو شربت المياه العذبة التي تحتوي على سموم البكتيريا الزرقاء".