صناعة الأزياء هي ثاني أكبر ملوث في العالم بعد صناعة النفط، ويتزايد الضرر البيئي مع نموها.
الموضة السريعة: الوحش في خزائننا
أصبحت الموضة السريعة اتجاهًا في كل مكان في صناعة الأزياء. هذا هو السبب في أن الملابس رخيصة للغاية هذه الأيام، حيث يتم إنتاج 100 مليار قطعة من المنسوجات بشكل سنوي، أي أن هناك زيادة في إنتاج الملابس بنحو 200% مقارنة بما كانت عليه صناعة الملابس منذ 20 عامًا.
علاوة على ذلك، لقد أصبح من الصعب ارتداء الثوب أكثر من 5 مرات.. لماذا؟
1- جودة الملابس آخذة في الانخفاض كل عام. نتيجة لذلك، تبدو الملابس على الفور باهتة أو عديمة الشكل أو بالية.
2- الاتجاهات تتغير بسرعة بحيث لا يمكن مواكبة ذلك، وبالتالي يتم الشراء بشكل متواصل لمجرد البقاء على اطلاع الموضة، وبالتالي تُصبح النتيجة، أن كل فرد يمتلك نحو 50% من الملابس المخزنة زيادة عن حاجته والتي لا يتم ارتداؤها.
- المياه الجوفية.. "آلية تأمين" لغذاء العالم وسط المناخ المتطرف
- "تعهد الشركات المسؤولة مناخيا".. مبادرة إماراتية مبتكرة تعزز طموحات COP28
الأثر البيئي للموضة السريعة
صناعة الأزياء السريعة مسؤولة عن قدر كبير من الأضرار البيئية. فيما يلي بعض الطرق التي تؤدي بها الموضة السريعة إلى الإضرار بالبيئة:
1- تلوث المياه: تسهم معالجة المنسوجات والأصباغ بنحو 20% من تلوث المياه؛ حيث يتضمن الإنتاج السريع للأزياء استخدام المواد الكيميائية والأصباغ بنحو 200 ألف طن من الأصباغ سنويًّا، والتي تحتوي على مواد سامة مثل الرصاص والزئبق وغيرها من المواد الضارة للغاية بالحياة المائية وصحة الملايين من الأفراد الذين يعيشون على ضفاف الأنهار. لن يقف التلوث عند هذا الحد فحسب؛ بل أنه يصل أيضًا إلى البحر وينتشر في النهاية حول العالم. وعلى سبيل المثال، يتم صرف نحو 22 ألف لتر من المخلفات السامة إلى الأنهار بشكل سنوي بواسطة المدابغ في بنغلاديش.
2- الإفراط في استخدام المياه: يتم استخدام نحو 5 تريليون لتر من المياه في صناعة الأزياء، فضلًا عن استخدام 2,6% من المياه العذبة العالمية لزراعة القطن، و200 طن من المياه العذبة لكل طن من القماش المصبوغ. ونجد على سبيل المثال، القطن -العنصر الرئيس في صناعة المنسوجات- يستهلك في زراعته نحو 9700 لتر من الماء لإنتاج 1 كيلوغرام فقط من القطن.
3- الإضرار بصحة الكوكب؛ حيث تبين أنه في كل مرة يتم فيها غسل الملابس الصناعية (بوليستر، نايلون، ...)، يتم إطلاق حوالي 700 ألف من الألياف البلاستيكية الدقيقة في الماء، والتي تشق طريقها إلى مياه المحيطات، ومن ثمَّ اكتشف العلماء في هذا الصدّد، أن الكائنات المائية الصغيرة تبتلع تلك الألياف الدقيقة. ثم يتم تناولها عن طريق الأسماك الصغيرة التي يتم تناولها لاحقًا بواسطة الأسماك الكبيرة، مما ينتهي بها المطاف على طاولات طعامنا ومن ثمَّ يؤدي إلى إدخال البلاستيك في سلسلتنا الغذائية.
4- استخدام مواد غير قابلة للتحلل؛ حيث تحتوي نحو 69% من ملابسنا على الألياف الاصطناعية -مثل البوليستر- هي ألياف بلاستيكية، وبالتالي فهي غير قابلة للتحلل الحيوي، ويمكن أن تستغرق ما يصل إلى 200 عام حتى تتحلل.
5- انبعاثات غازات الاحتباس الحراري: يساهم إنتاج ونقل ملابس الموضة السريعة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ حيث تمثل صناعة الأزياء ما بين 5% و10% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. كما أن الألياف الاصطناعية (بوليستر، أكريليك، نايلون، ...)، المستخدمة في معظم الملابس، مصنوعة من الوقود الأحفوري -بما يُعادل نحو 70 مليون برميل من النفط سنويًّا لإنتاج البوليستر- مما يجعل الإنتاج أكثر كثافة للطاقة من الألياف الطبيعية. ووفقًا لجيمس كونكا من مجلة فوربس: "تنبعث من الألياف الاصطناعية الرخيصة أيضًا غازات مثل أكسيد النيتروز، وهو أكثر ضررًا بـ 300 مرة من ثاني أكسيد الكربون".
6- زيادة النفايات: غالبًا ما تُصنع ملابس الموضة السريعة من مواد منخفضة الجودة لا تدوم طويلاً، مما يؤدي إلى زيادة النفايات في مدافن النفايات. على سبيل المثال، يبلغ حجم متوسط نفايات المنسوجات نحو 11 كجم سنويًّا لكل شخص في الاتحاد الأوروبي.
7- تدهور التربة: تلعب صناعة الأزياء دورًا رئيسيًا في تدهور التربة بطرق مختلفة: الرعي الجائر للمراعي من خلال الماعز والأغنام التي تربى من أجل صوفها؛ فضلًا عن المكثف للمواد الكيميائية لزراعة القطن؛ وإزالة الغابات؛ حيث يتم قطع آلاف الهكتارات من الغابات القديمة والمهددة بالانقراض واستبدالها بمزارع الأشجار المستخدمة في صناعة الأقمشة الخشبية مثل الحرير الصناعي والفيسكوز. ومن ثمًّ يؤدي فقدان الغابات إلى خلل النظام البيئي.
الاتجاهات المستدامة في صناعة الأزياء
بصرف النظر عن بريقها، يُنظر إلى صناعة الأزياء بشكل متزايد على أنها مستخدم كبير للمواد الكيميائية الضارة ومبيدات الآفات ومولد كبير لانبعاثات الكربون والنفايات والتلوث البيئي. هذا، وتُشير الاتجاهات الجديدة إلى أن التزام العلامات التجارية للأزياء بالاستدامة يتعزز من الحاجة إلى حماية قيم العلامة التجارية.
ومع ذلك، تهتم صناعة الأزياء بالاتجاهات المستدامة، حيث تلتزم بعض الشركات بما يلي:
- استخدم فقط قطنًا أكثر استدامة أو عضويًا، واختيار الألياف العضوية والألياف الطبيعية التي لا تتطلب في إنتاجها مواد كيميائية.
- الانتقال إلى الطاقة المتجددة والمواد والموارد الصديقة للبيئة.
- زيادة مستوى إعادة التدوير وإعادة الاستخدام، وإدخال برامج إعادة التدوير واعتماد عقلية الاقتصاد الدائري في عملياتها.
- اختيار الملابس المصنوعة في البلدان ذات اللوائح البيئية الأكثر صرامة للمصانع (الاتحاد الأوروبي، كندا، الولايات المتحدة)
- اختيار الألياف ذات الاستهلاك المنخفض للمياه مثل الكتان والألياف المعاد تدويرها وما إلى ذلك.
- أخيرًا، يدعو بعض الخبراء وشركات الأزياء إلى التحول إلى الموضة البطيئة، مما يشجع المستهلكين على شراء منتجات أزياء تدوم لفترة أطول.
ميثاق الموضة
- جدير بالذكر أن أصحاب المصلحة في صناعة الأزياء، بدعم من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن أزمة تغير المناخ (UNFCCC)، أنشأوا ميثاق صناعة الأزياء للعمل المناخي في عام 2018.
- يهدف الميثاق إلى معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري وأزمة تغير المناخ بالقضاء على انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2050، واستعادة التنوع البيولوجي مع التركيز بشكل خاص على استدامة المواد المستخدمة وعلى حماية الحيوانات والنباتات والحفاظ على محيطاتنا من خلال الحد من الاستخدام الكبير للمواد البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد.
وفي هذا الصدّد، شدّد "مايكل ستانلي جونز"، الأمين المشارك لتحالف الأمم المتحدة للأزياء المستدامة، برنامج الأمم المتحدة للبيئة، على أن العلامات التجارية التي تدعي أن لديها خططًا ذات مصداقية لتحقيق عدم وجود انبعاثات صافية للغازات الدفيئة تعتمد بشكل أساسي على تعويضات الكربون، لكن "فوائد التحرك نحو حيادية الكربون على المدى الطويل ستتطلب تحسينات في عمليات الإنتاج وسلاسل التوريد". كما أكد أنه 'لا توجد علامة تجارية عالمية حتى الآن تقدم مجموعة خالية من انبعاثات الكربون تُلبي احتياجات المستهلكين على مدار العام، مما يمنحهم خيار شراء الملابس التي تلبي احتياجاتهم اليومية دون المساهمة في استنفاد كوكب الأرض، ومن ثمَّ من المرجح أن تستمر هذه العلامات التجارية في خسارة حصتها في السوق لخيارات السوق البديلة، بما في ذلك السلع المستعملة و'مقايضات الخزانة' الخاصة (ينظر الأصدقاء إلى خزائن بعضهم البعض ويتشاركون أغراضهم).