تمويل المناخ.. بالأرقام أدوات متنوعة وآفاق مستقبلية
يقول المبعوث الأمريكي رفيع المستوى للمناخ جون كيري إنه حثّ البنك الدولي على إجراء "إصلاح كبير".
واعتبر كيري أن مؤسسات التمويل الدولية يقع عليها عاتق كبير بشأن مواجهة تداعيات تغير المناخ والاحتباس الحراري وفقا لاتفاقية باريس للمناخ، وأن على المجتمع الدولي استخدام أدوات متنوعة للتمويل تجعل مستثمري القطاع الخاص أكثر ارتياحاً لمخاطر العالم النامي.
ويؤكد أنه "لا توجد حكومة في العالم لديها ما يكفي من المال لتكون قادرة على إحداث هذا التحول".
ويقول الدكتور محمود محيي الدين، المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي ورائد المناخ للرئاسة المصرية، إن رؤساء وقيادات المؤسسات المالية يدعمون قضية المناخ، لكن الأزمة في القدرة، وأن فجوة التمويل تصل لتريليون دولار مقابل كل ما تقدمه هذه المؤسسات التمويلية لا يتعدى 100-150 مليار دولار، معتبرا أن مشاركة القطاع الخاص لها أولوية كبيرة في هذا المجال، ولا بد من مشاركة البنوك في تمويل التحول للطاقة النظيفة والمتجددة ومواجهة آثار تغير المناخ خاصة بالدول الفقيرة والنامية.
وقال "لا بد أن يكون هناك حوافز من الدول للانتقال، لأن الفائدة هنا ستعم على المجتمع والدولة وليس الفرد فقط".
واقترح محيي الدين، في حوار سابق لـ"العين الإخبارية"، أن يتم حساب 1% تكلفة على القروض للدول النامية من المؤسسات المالية الدولية نظير الجانب الفني والتكاليف الإدارية، بفترة سماح لا تقل عن 10 سنوات، وفترة سداد لا تقل عن 20 عاما، بالتالي يكون فترة التمويل 30 عاما.
رؤية أقطاب العمل المناخي في العالم تحمل اعترافا بالحاجة لمزيد من تمويل العمل المناخي دوليا، والحاجة كذلك لدفع هذا العمل عبر تنويع أدواته ما بين القروض والمنح والمشروعات المشتركة وإشراك القطاع الخاص بشكل كبير ليس فقط الحكومات ومؤسسات التمويل الدولية.
نفس الرؤية تحمل أفقا للتعامل مع الأزمة وليس "العويل" وتصدير اتهامات التقصير والعجز والفشل.. فما واقع التمويل الدولي للعمل المناخي وآفاقه المستقبلية؟
التعهدات وأدوات التمويل
تعهد المانحون في مؤتمر برعاية الأمم المتحدة في نيويورك قبل أسبوعين، في الرابع والعشرين من مايوم/أيار المنصرم بتقديم 2,4 مليار دولار كمساعدات لإنقاذ الأرواح لملايين الأشخاص الذي يعانون من الجفاف في إثيوبيا وكينيا والصومال.
المبلغ أقل بكثير من سبعة مليارات دولار، تقول الأمم المتحدة إن منطقة القرن الأفريقي بحاجة ماسة لها، غير أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قال في بيان "تم تفادي مجاعة".
يعد هذا أحدث نموذج لمواجهة تداعيات التغير المناخي والذي يأخذ أشكالا كثيرة تمتد إلى المساعدات الفنية واللوجستية وتبادل الخبرات والمنح والمشاريع المشتركة وقروض المناخ، ومشاريع ومقترحات ومبادرات على الطريق ليس آخرها "صندوق مواجهة الكوارث" الذي تم اقتراحه في مؤتمر الأطراف COP27 العام الماضي في شرم الشيخ المصرية.
احتياجات المناخ وتنفيذ الأجندة الدولية بشأن الغازات الدفيئة والاحتباس الحراري وجهود خفض درجة حرارة الأرض، بالإضافة للاستراتيجيات الوطنية لعلاج تداعيات التغير المناخي وتحقيق الحياد الصفري للانبعاثات تظل هدفا للجميع وعلى رأسها الدول الغنية.
ويتطلب الجهد الدولي في هذا الشأن مزيدا من التمويل، وهي حقيقة يجب البدء بها قبل مناقشة حجم التمويل الحالي.
وضمن أدوات تمويل العمل المناخي من الدول الغنية لصالح الدول الفقيرة التعهدات بالمنح والقروض الميسرة والاستثمار الأخضر والاستثمارات في رأس المال بشكل مباشر أو عبر مؤسسات التمويل الدولية والبنوك متعددة الأطراف أو صناديق المناخ المخصصة مثل صندوق المناخ الأخضر.
وتساعد الدول المتقدمة في تمويل هذه المؤسسات وتقديم تقارير عن هذه المساهمات بشكل منفصل إلى الأمم المتحدة.
وقدمت ثلاث دول فقط من أغنى دول العالم وهي لوكسمبورغ والنرويج والسويد، تمويلًا "جديدًا وإضافيًا" للمناخ بالإضافة إلى ميزانيات مساعدات التنمية الحالية.
وتشكل هذه البلدان الثلاثة 2% من الدخل القومي الإجمالي للدول الغنية وقدمت 81% من إجمالي 14 مليار دولار أمريكي في 2020.
كما ضاعفت كندا (من الدول الغنية) تمويلها للعمل المناخ إلى 5.3 مليار دولار في عام 2021 ، وخصص 40% من الإنفاق على التكيف وخصص 315 مليون دولار لمبادرة "الشراكة من أجل المناخ" في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
علاوة على ذلك، قدمت كندا في عام 2012 مبلغ 250 مليون دولار لإنشاء صندوق المناخ الكندي للقطاع الخاص في الأمريكتين مع مجموعة بنك التنمية للبلدان الأمريكية.
وعقب COP27 العام الماضي بشرم الشيخ كرر وزراء مجموعة السبع التزامهم الحالي بدعم جهود التكيف والتخفيف في الجنوب العالمي وتحقيق هدف 100 مليار دولار أمريكي، والذي من المتوقع تحقيقه في عام 2023، كما استثمرت في عام 2021 بنوك التنمية العامة 224 مليار دولار في التمويل الأخضر.
وتدعو إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى آليات تمويل مبتكرة يمكن للقطاع الخاص دعمها، حيث يأتي 2 في المائة فقط من تمويل التكيف مع المناخ من القطاع الخاص، مؤكدة على أهمية تشجيع الشركات على توفير المزيد من التمويل عن طريق الحد من مخاطر الاستثمار الأخضر والتكيف المناخي.
المنح وتجنب الإعانات غير الضرورية
يغفل منتقدو حجم تمويل الدول الغنية دول الجنوب الفقيرة في مسألة الاستدامة والمناخ أزمات مر بها العالم الأغنياء قبل الفقراء ولا يزال متأثرا بها منذ نحو أربع سنوات وأبرزها جائحة كورونا، وزاد من تأثيرها ومضاعفاتها على اقتصادات حتى الدول الغنية الحرب الروسية الأوكرانية، مما خلق حالة ركود عالمية غير مسبوقة أثرت بطبيعة الحال على قدرات حتى الدول الغنية فيما يتعلق بالمنح والمساعدات لا سيما في مسألة المناخ.
وترى ليجيا نورونها، الأمين العام المساعد ورئيس مكتب نيويورك لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ؛ إن تعدد حالات انتشار فيروس كورونا، والمناخ، والصراعات قد أعاق بشكل أكبر تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وشددت على أن العمل المعجل للتكيف مع تغير المناخ ضروري لسد الفجوة بين التكيف الحالي وما هو مطلوب، مضيفًة أن الحلول تكمن في تطوير القدرة على التكيف مع المناخ والتنوع البيولوجي.
لكنها أعربت عن أسفها لأن التمويل لتحويل هذه الخطط إلى أفعال ليس وشيكًا وأن فجوة فرص التنمية آخذة في الاتساع.
تعاون دولي
خلال منتدى تمويل التنمية السنوي الذي عقده المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة شدد المشاركون من أكثر من 170 دولة على الحاجة إلى معالجة الحواجز الهيكلية والتمويلية التي تحكم على البلدان النامية بمواجهة الأزمات المتعددة لتغير المناخ، والتحول المستدام للبنية التحتية، والضرائب الدولية. التعاون في معالجة التدفقات المالية غير المشروعة.
وفي حلقة نقاشية بالمنتدى على زيادة معالجة الكيفية التي يمكن للقطاع الخاص من خلالها حشد الاستثمارات وتوسيع نطاقها بشكل كبير من أجل التكيف مع المناخ والدور الذي يمكن أن تلعبه بنوك التنمية المتعددة الأطراف لتحقيق هذه الغاية.
وأشار أحمد كمالي نائب وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية في مصر إن التمويل العام لا يمكن أن يكون المزود الوحيد لتمويل المناخ ، مشددًا على أهمية التعاون الثنائي وبنوك التنمية متعددة الأطراف والمؤسسات المالية والاستثمارات الدولية.
ودعا إلى الضغط من أجل إصلاح سياسات بنوك التنمية متعددة الأطراف لتمكين المزيد من التمويل بشروط ميسرة ؛ واستخدام الأدوات المبتكرة ، مثل الضمانات ، لتقليل تكلفة التمويل وتقديم ضمانات للاستثمارات الخاصة.
ومن المعوقات المتعلقة بالمنح والتمويلات ما أشار إليه إبراهيم الحسن ماياكي مبعوثا خاصا للاتحاد الأفريقي لنظم الغذاء تتعلق بالمساءلة والشفافية والشرعية والإنصاف لضمان أن جميع البلدان يمكنها الوصول إلى المعلومات لمعالجة التدفقات المالية غير المشروعة.
وقال ماياكي إن الأدوات والآليات الفعالة إلى جانب التقنيات الجديدة تلعب دوراً حاسماً في هذا الصدد ، مشيراً إلى الحاجة إلى أنظمة تتيح أقصى قيمة من الآليات المؤسسية المحلية.
صندوق مواجهة الكوارث
سارعت الدول الغنية ومنظمات الإغاثة في مناسبات متفرقة لإيصال إمدادات للمناطق المنكوبة من تداعيات تغير المناخ للتخفيف من آثار الجفاف والفيضانات والتصحر وشح المياه.
وشحنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أكثر من مليار دولار من المواد الغذائية العام الماضي، كما حشدت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، حوالي 138 مليون دولار من النقد والغذاء.
ويأمل الكثيرون في كسر مأزق التمويل عبر إنشاء صندوق يعالج ما يسميه المفاوضون "الخسائر والأضرار" من تغير المناخ الذي اتفقت عليه الدول خلال مؤتمر الأطراف بشرم الشيخ في مصر العام الماضي COP27.
ويعد الصندوق في الأساس بداية لبرنامج تعويضات المناخ، حيث من المفترض أن ترسل الدول المتقدمة التي أصدرت معظم انبعاثات الكربون التاريخية نوعًا من التمويل إلى البلدان الأكثر فقراً الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ.
وسوف تتطلب الاستجابة لتأثيرات تغير المناخ أيضًا أن تعيد البلدان المتقدمة التفكير في المساعدة التي تقدمها بالفعل.
مطالب التمويل وحجم التغير
ما يخلق الصعوبة في معادلة تمويل العمل المناخي هو أن حجم التغير والتداعيات يفوق قدرات الدول الغنية في متوالية عكسية، لكن يظل على الدول الغنية خاصة مجموعة الدول السبع والأطراف الأخرى المدرجة في المرفق الثاني لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى الوفاء بالتزاماتها والتزاماتها لتوفير 100 مليار دولار من التمويل المناخي الجديد والإضافي.
ويجب على البلدان التي لم تحقق هدف 0.7٪ بعد أن تضاعف جهودها للقيام بذلك في غضون السنوات القليلة المقبلة ، والتأكد من أن تمويل المناخ لديها يُضاف إلى ميزانية المعونة المتزايدة.
وستضيف الحقائق المادية لتغير المناخ تكاليف كبيرة إلى جداول أعمال التنمية في بلدان الجنوب.
وخلال اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لعام 2023، شدد ممثلون من الحكومة والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص على أهمية التفكير الإبداعي والعمل معًا وتوفير المزيد من الموارد لتحسين رأس المال البشري.
في مواجهة تغير المناخ، سيؤدي التقاعس عن العمل إلى تكاليف باهظة - خاصة بالنسبة لأشد الناس فقرا وضعفا.
ويؤدي الاستثمار في رأس المال البشري إلى خلق مجتمعات سكانية تتمتع بالصحة وتعليم جيداً - والتعليم هو أكبر مؤشر للسلوك الصديق للمناخ.
وغالبًا ما تنتقل ثروات رأس المال البشري القوية عبر الأجيال وتحد من عدم المساواة، كما توفر فوائد تمكّن المزيد من الناس - وخاصة النساء - للمساهمة بشكل كامل في الحلول المناخية.
يتطلب تسريع التقدم تمويلاً كافياً وعادلاً، وينطبق هذا بشكل خاص على أفقر البلدان النامية وأكثرها ضعفًا في البلدان النامية التي تساهم بأقل قدر في تغير المناخ ، ومع ذلك فهي الأكثر تضررًا منه.
4 تريليون دولار سنويًا
يتطلب التمويل المستدام والعادل التركيز والإبداع والتعاون بين الحكومات والعمل الخيري والقطاع الخاص والمنظمات متعددة الأطراف.
ماري هيلين لوسون ، نائبة الرئيس التنفيذي في الوكالة الفرنسية للتنمية، دعت خلال المنتدى السنوي للمجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع للأمم المتحدة (المنتدى السياسي الرفيع المستوى هو المنصة الرئيسة لمتابعة خطة 2030 للتنمية المستدامة وأهدافها ومراجعتها) إلى إعادة التفكير في كيف يمكن للمساعدة الإنمائية الرسمية (ODA) بحيث تخدم أجندة المناخ في عالم يتطلب حشد حوالي 4 تريليون دولار سنويًا لتحويل الطاقة و 1 تريليون دولار سنويًا للتكيف بحلول عام 2050.
ودعت المسؤولة الفرنسية إلى توجيه جميع التدفقات المالية العامة والخاصة نحو الأهداف العالمية ومشاريع التكيف مع المناخ.
بدورها ديل هويو باربولا، نائبة مدير التخطيط واتساق السياسات، بوزارة خارجية إسبانيا إلى أن تمويل التكيف آخذ في الازدياد، حيث يمثل 34 في المائة من إجماليالتمويل المتعلق بالمناخ - ولكن ليس بوتيرة تأثيرات المناخ والفجوة التمويلية المتزايدة ، والتي تقدر بنحو 5 إلى 10 أضعاف تمويل التكيف الحالي.
ودعت باربولا البنوك الإنمائية المتعددة الأطراف إلى لعب دور قيادي في تحقيق أهداف تمويل المناخ ، وضمان التوازن بين تمويل التكيف والتخفيف وزيادة الدعم للبلدان والسكان الأكثر ضعفاً من خلال المنح.
وأوضحت أنه يمكن للبنوك دمج أهداف المناخ بشكل أفضل في مهمتها دون إهمال التركيز المركزي الذي يجب أن يستمر في القضاء على الفقر والازدهار المشترك.
وأشارت إلى أن البنوك، وكذلك الحكومات والمانحين الثنائيين، يمكن أن يلعبوا دورًا رئيسيًا من خلال توفير الدعم المالي وأدوات تقاسم المخاطر، وبناء القدرات، وتيسير الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتطوير أدوات مالية مبتكرة.