ثنائية تغير المناخ وشدة حرائق الغابات.. من الجاني؟ (حوار)
في الشهور الأخيرة، شهدت كندا عددا من حرائق الغابات الشديدة التي خلّفت وراءها مخاطر صحية وبيئية جسيمة، وزاد تغير المناخ من شدتها.
وتوقع تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في شهر فبراير/شباط العام الماضي، ارتفاع عدد حرائق الغابات بنسبة 50% بحلول نهاية القرن.
وحذّر من أن هناك علاقة تبادلية بين تغير المناخ وحرائق الغابات، إذ تزداد الحرائق سوءا بسبب تغير المناخ الذي يؤدي إلى زيادة الجفاف، وارتفاع سخونة الهواء وانخفاض الرطوبة النسبية، كما يسبب الرياح القوية، وكل ذلك يؤدي إلى مواسم حرائق أطول وأكثر سخونة وجفافا.
في الوقت نفسه، يزداد تغير المناخ سوءا بسبب حرائق الغابات، والتي تقوم بتدمير النظم البيئية الحساسة التي تمتص الكربون مثل "أراضي الخث"، و"الأراضي المطيرة"، وهذا يجعل من الصعب وقف ارتفاع درجات الحرارة.
"العين الإخبارية" أجرت حواراً مع الدكتورة كورتني هوارد، طبيبة الطوارئ في كندا ونائبة رئيس التحالف العالمي للمناخ والصحة، والتي أجرت العديد من الأبحاث العلمية حول حرائق الغابات وتأثيراتها على الصحة، وارتباطها بتغير المناخ.
مبدئياً.. كيف يزيد تغير المناخ من شدّة حرائق الغابات؟
تم ربط تغير المناخ بزيادة "نقص ضغط البخار"، وهو ما يعني أن الغلاف الجوي أصبح أكثر جفافاً ممّا كان عليه من قبل، وزاد عدد الأيام التي يزيد فيها عجز ضغط البخار سنوياً بنسبة 94٪ في الفترة من 2001-2018، إذا تم مقارنتها بالفترة من 1979-2010
تغير المناخ أيضا يؤدي إلى الذوبان المبكر للثلوج، وقلة هطول الأمطار في الصيف، وزيادة أنماط الرياح التي تعزز من اشتعال النيران، كما وجدت دراسة حديثة أن انبعاثات الكربون الصادرة عن 88 منتجًا رئيسيًا للوقود الأحفوري ومصانع الأسمنت ساهمت بنسبة 48٪ في زيادة عجز ضغط البخار على المدى الطويل، كما كانت السبب في حرق 37% من المساحات التي دمرتها حرائق الغابات بين عامي 1986 و2021 في غرب الولايات المتحدة وجنوب غرب كندا.
كيف تؤثر حرائق الغابات على صحة الناس؟
رجال الإطفاء والمقيمون على مقربة من الحرائق معرضون لخطر الحروق والإصابات وحوادث السيارات وتأثيرات الصحة العقلية والوفاة، كما أن التعرض لدخان حرائق الغابات له آثار صحية سلبية قصيرة وطويلة المدى، وتشمل هذه الآثار أمراض الجهاز التنفسي والقلب، والصداع وتفاقم الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن، ومن المحتمل أن يتسبب في زيادة النوبات القلبية والوفيات الإجمالية.
في رأيك؛ ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لتقليل مخاطر حرائق الغابات؟
على المستوى المحلي، من الضروري تقييم أنظمة التهوية داخل المستشفيات قبل موسم حرائق الغابات حتى لا تمتص دخان حرائق الغابات مباشرة من الخارج، كما تحتاج الأنظمة الصحية إلى خطط إخلاء واضحة لإنقاذ الناس وقت الحرائق.
وعالميا، هناك حاجة لدعم النظم الصحية لأنها غير جاهزة لمواجهة هذه الكوارث بالشكل الكافي حتى الآن، وغالبية الدول ليس لديها قدرة كبيرة على مواجهة الطوارئ الصحية، كما تتضخّم هذه الأزمة في البلدان منخفضة الدخل.
أيضاً، مهنة الطب نفسها غير مستعدة، إذ تُظهر استطلاعات المناهج الدراسية أن تأثيرات تغير المناخ وتلوث الهواء على الصحّة مغطاة في عدد قليل من المناهج الدراسية في جميع أنحاء العالم، لذا نحن نحتاج إلى خطط تكيف واضحة مع تأثيرات تغير المناخ على الصحة، وإلى تدريب العاملين الصحيين.
وبعد شهور سيبدأ COP28 وسيكون حدثا مهما ومؤثرا، لذا ينبغي أن تتضمن مناقشاته تأثير تغير المناخ على الصحة، ودعم تمويل معالجة هذه الأضرار الصحية، وتحسين خطط التكيف الصحية، والبحث عن حلول.
كيف ينتشر تأثير حرائق الغابات ويتجاوز البلدان التي يحدث فيها إلى دول مجاورة؟
يمكن أن ينتقل دخان حرائق الغابات لمسافات طويلة مع اتجاه الرياح، ويؤثر على المجتمعات والمستشفيات على بعد آلاف الأميال في مناطق بعيدة عن المصدر الأصلي، كما تؤدي انبعاثات الكربون من الحرائق نفسها إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
أجريتي عدّة أبحاث حول تأثير حرائق الغابات على الصحة.. ما هي أهم نتائجها؟
أجريت دراسة بعنوان "صيف من الأدخنة"، وكانت تتحدث عمّا حدث في عام 2014، حين أدى 385 حريقًا هائلًا في كندا إلى التعرض إلى الدخان لمدة شهرين ونصف، وهذا ارتبط بمضاعفة زيارات المرضى إلى أقسام الطوارئ في المستشفيات، بسبب الربو والالتهاب الرئوي والسعال، مقارنة بفصول الصيف السابقة، كما كانت هناك زيادة بنسبة 48٪ في صرف دواء "سالبتامول"، وهو دواء يمنح للمرضى لتسهيل التنفس.
هذا العام كان يمثل أحد أطول حالات التعرض للدخان وأكثرها خطورة في قاعدة الأدبيات الطبية العالمية.
أيضاً، أظهرت بيانات المقابلات داخل الدراسة، وجود مشاعر متكررة بالعزلة والخوف والتوتر والقلق لدى الناس أثناء موسم الحرائق، وهذا لأنهم كانوا مجبرين على قضاء وقت طويل في الداخل، وتعطلت الأنشطة الترفيهية، كما تضررت صحتهم العقلية والبدنية وصحة أطفالهم، وفي المقابل كان الناس الذين يتوقعون تأثير حرائق الغابات وتغير المناخ عليهم هم أكثر قدرة على الاستعداد، وأكثر قدرة على التعبير عن مشاعرهم.
لذا نحن في حاجة ماسة إلى تحسين استجابة السكّان للتعامل مع آثار حرائق الغابات، وإدارة المخاطر في هذه الحالة، لأن هذا سيساعد على حمايتهم.
هل هناك أسباب محدّدة تؤدي إلى حرائق الغابات، وهل تغير المناخ هو السبب الأكبر؟
غالبًا ما تحدث حرائق الغابات بسبب نشاط بشري أو حدث طبيعي مثل البرق، ولا نستطيع تحديد سبب حوالي 50% من حرائق الغابات، لكن تغير المناخ يؤدي إلى تضخيم احتمالات حرائق الغابات وشدتها.
ويمكن أن يساعد النظام البيئي المرن والمتنوع والذي يحافظ على الأراضي الرطبة والغابات أن يقلّل من مخاطر حرائق الغابات الكارثية.
هل يمكن أن تحدث حرائق الغابات في مناطق غير متوقعة بسبب تغير المناخ؟
نعم، لأن تغير المناخ يتسبب في تغير النظم البيئية وبالتالي يمكن رؤية حرائق الغابات في مناطق لم تكن تمسسها من قبل.
ما أبرز التوصيات التي تطالبين بتطبيقها؟
هناك عدّة توصيات لمقدمي الرعاية الصحية الأولية، وهي إعادة توفير أدوية التنفس بشكل كافي قبل موسم حرائق الغابات، ومساعدة المرضى للحصول على فلتر للهواء في منازلهم، وتوعية الناس بمؤشر صحة جودة الهواء، ومساعدتهم على الوصول إلى الملاجئ التي يتوفر فيها الهواء النظيف، بالإضافة إلى تنظيم خطط الإخلاء المجتمعي.
وعلى العاملين الصحيين أن يعرفوا أيضاً أن مشاعر القلق والحزن البيئي هي ردود فعل طبيعية للتغيرات المتزايدة التي يسببها تغير المناخ، وأن يقوموا بتطوير علاج لها.
أيضاً هناك توصيات لقيادات قطاع الصحة العامة، أهمها تحسين الخطط لإدارة حرائق الغابات، وخطط الإخلاء لمنع الصدمات الشديدة مثل الحروق الخطيرة، وكذلك التخفيف من الآثار الصحية المرتبطة بالدخان من خلال توفير ملاجئ الهواء النظيف، مع مراعاة الاعتبارات المتعلقة بـفيروس كورونا للوقاية من العدوى.
ونظرًا لأن مواسم حرائق الغابات تصبح أطول وأكثر حدة، فيجب تضمين الرسائل التوعوية حول حماية الصحة العقلية بجانب الحماية من أمراض تلوث الهواء التي تؤثر على صحة القلب والجهاز التنفسي.
كما يجب على القيادات تقييم استعداد النظام المحلي للصحة لهذه الكوارث، وتقويتها لتصبح قادرة على التعامل مع المزيد من الاحترار، والمزيد من الاضطرابات المرتبطة بتغير المناخ.
وبالنسبة لمتخذي القرار، يجب عليهم التأكّد من إبلاغ السكّان بخطط الإخلاء أو المأوى الذي سيتوجهون إليه قبل بدء نشاط حرائق الغابات، وهذا يساعد في إعداد المجتمعات على المستوى العملي، وتقليل القلق، ودعم التمويل، والتأكد من توفر ملاجئ الهواء النظيف، وإمكانية الوصول إليها بشكل منصف.
aXA6IDE4LjE5MS45Ny4xMzMg
جزيرة ام اند امز