يؤثر تغير المناخ على صحّة العمال وقدرتهم على العمل في وظائف مختلفة، وهو ما ينعكس بشكل كبير على نقص الإنتاج والتسبب في خسائر فادحة.
ويعدّ الإجهاد الحراري من أهم تأثيرات تغير المناخ على العمال، وتعرفه منظمة العمل الدولية بأنه وصول درجة الحرارة إلى مستوى يتجاوز قدرة الجسم على التحمّل، وهذا يحدث عادة عند درجات حرارة تتخطى 35 درجة مئوية، في مناخ عالي الرطوبة.
ووجدت دراسة نشرتها مجلة "ذا لانسيت الطبية" أن التعرض للحرارة أدى إلى ضياع 470 مليار ساعة عمل محتملة على مستوى العالم في عام 2021، ممّا أثر على البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وزاد من ارتفاع تكاليف العيش.
"العين الإخبارية" أجرت مقابلة مع نيكولاس مايتري، اقتصادي بقسم البحوث في منظمة العمل الدولية، والمؤلف الرئيسي لدراسة المنظمة حول "تأثير الإجهاد الحراري على العمال"، كما شارك في تأليف دراسة أخرى عن دور الشركات في التحول الأخضر في عام 2022.
وإلى نص الحوار:
كيف يؤثر تغير المناخ والإجهاد الحراري على الإنتاجية والعمل اللائق؟
يؤثر تغير المناخ سلبًا على العمل من خلال طرق مختلفة، من خلال ارتفاع درجات الحرارة ، ومخاطر الإجهاد الحراري الذي يهدد سلامة وصحة العمال من خلال زيادة مخاطر الإصابات والأمراض المرتبطة بالحرارة، ممّا يؤدي بالضرورة إلى إبطاء العمل ، والاضطرار إلى الحصول على المزيد من فترات الراحة، وتقليل عدد ساعات العمل ، وكل ذلك يقلل من الإنتاجية.
ويعمل قسم الأبحاث في منظمة العمل الدولية باستمرار على القضايا المتعلقة بموضوع الانتقال العادل نحو اقتصادات مستدامة بيئيًا، وتشكل قضية الإجهاد الحراري أحد مجالات البحث الرئيسية لدينا.
ما هي الخسائر الاقتصادية المقدرة نتيجة الإجهاد الحراري؟
من خلال دراسة وضع القوى العاملة، وفي حالة ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، تشير التوقعات إلى أنه في عام 2030 ، ستضيع 2.2 % من إجمالي ساعات العمل في جميع أنحاء العالم بسبب الإجهاد الحراري، وهو ما يعادل خسارة إنتاجية تعادل 80 مليون وظيفة بدوام كامل.
وقُدرت الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الإجهاد الحراري في العمل بمبلغ 280 مليار دولار أمريكي في عام 1995 ؛ ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 2400 مليار دولار أمريكي في عام 2030 ، مع ظهور تأثير الإجهاد الحراري بشكل أكثر وضوحًا في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
ما هي البلدان الأكثر تضررا من آثار الإجهاد الحراري وتغير المناخ؟
تتعرّض الدول بشكل غير متساوي لآثار الإجهاد الحراري، وتعد المناطق الأكثر تضرراً هي جنوب آسيا وغرب إفريقيا وجنوب شرق آسيا، وهناك انخفاض متوقع في ساعات العمل في عام 2030 يصل إلى حوالي 5 في المائة في كل من جنوب آسيا وغرب إفريقيا.
وبشكل عام، البلدان الأكثر تأثراً بالإجهاد الحراري لديها معدلات أعلى من فقر العمال والعمالة غير الرسمية وزراعة الكفاف، بالإضافة إلى ذلك ، فإن مجموعات السكان الفقراء، ومن بينهم الشعوب الأصلية والقبلية التي تعتمد على سبل العيش الزراعية أو الساحلية، معرضة بشكل أكبر للمعاناة من الآثار السلبية لارتفاع درجات الحرارة، فعلى سبيل المثال، هناك عشرة بلدان هي الأكثر تضرراً بالإجهاد الحراري، ثمانية منها من البلدان منخفضة الدخل، وهذه البلدان هي كمبوديا، وتوغو، وتشاد ، وبوركينا فاسو، والنيجر، وسيراليون، وتايلند، وبنن ، وكوت ديفوار ، والسودان .
ذكرت دراسة المنظمة أن أكثر من 2 % من إجمالي ساعات العمل ستضيع في عام 2030 بفعل تغير المناح. ما النتائج المتوقعة لذلك؟
تهدد مستويات الحرارة المرتفعة الناجمة عن تغير المناخ تحقيق ظروف العمل اللائق، وذلك من خلال التسبب في تدهور ظروف العمل وتقويض أمن وصحة ورفاهية العمال ، فضلاً عن تقليل إنتاجيتهم ، وهذا ينعكس بشكل مباشر على مستويات المعيشة.
من المرجح أن تأثير الإجهاد الحراري على إنتاجية العمل من أخطر العواقب الاقتصادية لتغير المناخ، لأنه يؤثر على مستويات مختلفة على العمال الأفراد وأسرهم والشركات والمجتمعات بأكملها، وفي حالة الاقتصادات الضعيفة، يمكن أن تكون التأثيرات قوية لدرجة تقويض الناتج الاقتصادي الوطني، وسيكون من الصعب معالجة الفقر وتعزيز التنمية، وبالتالي إعاقة تحقيق معظم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs)، المتعلقة بالفقر والأمن الغذائي ، والصحة والعمل اللائق والنمو الاقتصادي والحد من عدم المساواة .
إذا لم يتم بذل الجهود لتحسين قدرة أماكن العمل على التكيف مع آثار تغيرات المناخ في جميع البلدان ، فمن المرجح أن يعوق ارتفاع درجات الحرارة أهداف الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية .
كيف يؤثر تغير المناخ على بيئة العمل اللائقة؟
يرتبط عالم العمل ارتباطًا وثيقًا بالبيئة الطبيعية، وبالتالي يتأثر كثيراً بتغير المناخ.
تعتمد الوظائف في العديد من القطاعات على الموارد الطبيعية النادرة والمحدودة وهي مهددة بتغير المناخ، وعلى المستوى العالمي ، قدرت منظمة العمل الدولية أن 1.2 مليار وظيفة تعتمد على خدمات النظام الإيكولوجي مثل هطول الأمطار للري ، وقدرة التربة على الحفاظ على مغذياتها وتجديدها أو التنوع البيولوجي للمحيطات ، وهكذا تهدد آثار تغير المناخ خدمات النظام الإيكولوجي وبالتالي هذه الوظائف. إضافة إلى ذلك، يحتاج العمال والمؤسسات إلى بيئة مستقرة وصحية للعمل، لكن تغير المناخ يزيد من تواتر وشدة الكوارث الطبيعية، والأحداث المتطرفة التي لها تأثيرات كبيرة على الإنتاجية وظروف العمل.
ما هي المهن وقطاعات العمل الأكثر تأثراً بالتغير المناخي؟
يتم الشعور بالحرارة المتزايدة بشكل مختلف حسب نوع العمل، وبشكل خاص، يتأثر أكثر العاملون في الوظائف التي تتطلب جهداً بدنياً وعملاً طويلاً في الخارج مثل عمال الزراعة والبناء .
وفقًا لتقديرات منظمة العمل الدولية ، فإن قطاع الزراعة سيمثل نحو 60 في المائة و قطاع البناء 19 في المائة من ساعات العمل المفقودة بسبب الإجهاد الحراري في عام 2030 ، كما ستؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى جعل الزراعة غير منتجة في بعض المناطق، مما يؤدي إلى تشريد العديد من العمال.
ومن المتوقع أن تتسبب قطاعات التوظيف الأخرى في زيادة عدد ساعات العمل بسبب الإجهاد الحراري ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه من المتوقع أن ترتفع حصة هذه الصناعات في إجمالي العمالة في بعض البلدان.
وفي عام 1995، كان قطاع البناء يمثل فقط 6 في المائة من إجمالي الساعات الضائعة .
هل تتأثر العمالة غير المنتظمة بشكل أكبر بتغير المناخ؟
الاقتصاد غير الرسمي يميل إلى أن يتسم بمستويات عالية من الفقر وعدم المساواة والعجز في العمل اللائق، ويفتقر العمال في ترتيبات العمل غير الرسمي عمومًا إلى الوصول إلى الحماية الاجتماعية والتأمين ضد الحوادث والإصابات ، مما يجعلهم معرضين بشكل خاص للآثار السلبية للإجهاد الحراري على سبل العيش، وبالتالي، غالبية هؤلاء العمال الذين يعانون من الإجهاد الحراري غير قادرين على التمتع بالرعاية الطبية المطلوبة خلال فترة العجز عن العمل ، أو الحصول على معاش العجز إذا انخفضت قدرتهم على العمل، كما لا تتمكّن أسرهم من المطالبة بمعاش الورثة في حالة وفاة العائل.
هذه القضية تثير تساؤلات حول العدالة الاجتماعية، لأن العمال الأكثر ضعفاً في البلدان النامية هم الأكثر تضرراً من الإجهاد الحراري ، وهناك احتمال مهم بأن الإجهاد الحراري سيسهم في زيادة عدم المساواة.
ما القضايا التي ترى ضرورة مناقشتها في COP28؟
نحن ندرك أن التقدم نحو اقتصاد مستدام بيئيًا أمر ملح، ومع ذلك من المهم أن نضمن أن يتم ذلك بانتقال عادل، وبخلق عمل ووظائف آمنة وألاّ يتخلّف أحد عن الركب.
و يجب أن تكون الجهود المبذولة لتعزيز الاقتصاد الأخضر مصحوبة بسياسات تسهل إعادة توزيع العمال ، وتعزيز العمل اللائق ، وتقديم الحلول المحلية ودعم العمال المشردين.
في رأيي ، ينبغي أن تكون مثل هذه السياسات ، بما في ذلك الحماية الاجتماعية ، وتنمية المهارات ، والسلامة والصحة المهنية وتدابير التكيف مجالات رئيسية للمناقشة في كوب 28 القادم، و تقدم إرشادات منظمة العمل الدولية الخاصة بالانتقال العادل إطارًا للسياسة وتوجيهًا عمليًا للحكومات ومنظمات العمال وأصحاب العمل حول كيفية صياغة وتنفيذ ورصد إطار هذه السياسة.
أيضاً، بالنظر إلى الزيادة الأخيرة في الأبحاث والأدلة التي تسلط الضوء على الآثار السلبية للإجهاد الحراري على إنتاجية العمل وظروف العمل ، ينبغي تكريس اهتمام دقيق لهذه القضية في إطار مناقشات كبو 28 باعتبارها واحدة من أكثر التحديات إلحاحًا في المستقبل.
ما هي الحلول التي تعتقد أنها تساهم في حماية العمال من آثار التغير المناخي؟
يمكن للحكومات وأصحاب العمل والعمال تقليل التعرض للإجهاد الحراري من خلال التنظيم وإنشاء البنى التحتية المناسبة والتكنولوجيا، واعتماد تدابير لمنع ارتفاع درجة حرارة الجسم.
و يلعب أصحاب العمل دورًا حاسمًا في تنفيذ تدابير التكيف الفعالة، من خلال مراعاة المخاطر المرتبطة بالحرارة في نظام إدارة السلامة والصحة الذي ينفذه صاحب العمل بمشاركة العمال.
كما تعتبر إجراءات تحسين أنظمة الإنذار المبكر ورصد أحوال الطقس في الموقع مهم لمعايير السلامة والصحةـ بالإضافة إلى زيادة الوعي بتأثيرات الحرارة الشديدة ، بما في ذلك الأمراض المرتبطة بالحرارة والتدريب على التعرف على الإجهاد الحراري وإدارته كجزء من التدابير الوقائية.
ومثلا في الزراعة ، تشمل الخيارات تعزيز الميكنة وتنمية المهارات، أمّا بالنسبة للعاملين في الهواء الطلق ، يعد ضمان وصولهم المنتظم إلى مياه الشرب والظل وتزويدهم بمعدات الحماية الشخصية والملابس المناسبة أمرًا ضروريًا ، ويجب تضمينهم في خطط التكيف الخاصة بالشركات.