عندما تأسست «مدينة مصدر» عام 2006 كان واحد من الأسئلة التي تداولها البعض، وترددت في الإعلام الغربي
هو: لماذا تسعى دولة نفطية إلى بناء مدينة بيئية تعتمد أساليب الطاقة المتجددة؟ لدى الإمارات كل الوسائل لكي تستغني عن الطاقة المتجددة؛ بل إن مشاريع توليد الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الطاقة النووية كانت في الطريق.
الآن يبدو هذا السؤال في غير محله؛ بل بالعكس، تعد «مصدر» وكل مشاريع الطاقة المتجددة الأخرى، البحثية والمنفذة في الإمارات، مشاريع ريادية استبقت ما نشهده في العالم اليوم.
كان من الواضح أن رؤية القيادة كانت مبكراً تراعي التغيرات البيئة الكبرى التي تجتاح العالم، والتي نرى آثارها الآن بشكل واضح في ارتفاع درجات الحرارة وتغير معدلات الأمطار في عدد من مناطق العالم، أي تراجعها في أماكن فتصنع الجفاف وزيادتها في أخرى فتسبب الفيضانات. هذه ظواهر تجتاح قارات عدة وليست محصورة في منطقة معينة، ما يعني أن العالم مقبل على تغير كبير ينبغي الاستعداد له وأخذ الحذر منه، خصوصاً أن الخيارات أمام العالم تبقى محدودة، لأن ظاهرة الاحترار ترتبط بزيادة السكان وزيادة الاستهلاك.
إن ما يجعل «مدينة مصدر» مهمة، هي أنها تجمع أفضل ما قدمت التكنولوجيا البيئية من خيارات. هناك تجتمع الاستفادة من الموارد التي يوفرها النفط والغاز لتتم إعادة توجيهها لكي تخدم فكرة الطاقة المتجددة وحماية البيئة.
صار من الواضح أن الإمارات هي البلد النموذج؛ حيث إنها تجمع صناعة نفطية متقدمة وفي نفس الوقت لديها مشاريع البيئة السباقة والتي استقطبت اهتمام شركات التكنولوجيا في العالم والمؤسسات البحثية المتقدمة.
هذه المعطيات تجعل «كوب 28» فرصة للإمارات في أن تكون في قلب هذا التغير الكبير الذي يحدث في العالم وزيادة الاهتمام بالبيئة بعد أن صار واضحاً حجم الخطر الداهم الذي تواجهه البشرية.
إن ما يجعل الإمارات مختلفة هو سعيها لتغيير المنطق في التعامل مع المشاكل البيئة من كونها مشاكل تتصدى لها الحكومات أو تنبه منها المنظمات البيئية، سواء الحكومية أو الأهلية، إلى اهتمام كبير وأساسي لدى القطاع الخاص المتهم دائماً بانتهاك البيئة كلما سمحت له القوانين، أو حتى ضعف تطبيقها، بذلك.
ما تريده الإمارات في هذه المرحلة هو أن يتحول هذا الاجتماع المهم من منبر لتبادل الأفكار، وفي بعض الأحيان الاتهامات والمزايدات، إلى منبر لحث الأفراد والشركات والمؤسسات والدول على اتخاذ نهج واضح ومنطقي في مراعاة التوازن بين التنمية وحماية البيئة في نفس الوقت.
دولة الإمارات تطور قطاعاتها النفطية وتستثمر في صناعة الغاز، وهي واحدة من الدول القيادية في «منظمة أوبك» وتحالف «أوبك+»، لكنها خصصت وتخصص الكثير من الإمكانيات لتطوير بنية تحتية تراعي الاهتمام البيئي للدولة.
وحتى من قبل الاهتمام العالمي المتزايد بالبيئة، فإن دولة الإمارات وبحكم الطبيعة الصحراوية للمنطقة، كانت تضع نصب عينيها الحس البيئي وحس الاستدامة في كل ما له علاقة بالأنشطة الحياتية والصناعية للبلاد.
ولعل ما نراه من أشجار وخضرة وتدوير للمياه في كل مدينة من مدن الإمارات إلا دليلاً على الفكرة الاستباقية لحماية البيئة. وقد كان الشيخ زايد، رحمه الله، من أوائل المهتمين بالبيئة والحفاظ على الفطرة وربطها بالشخصية الإماراتية، وجعل الحس البيئي سياسة معتمدة في كل مشاريع الدولة وكل اهتماماتها.
العالم، من خلال «كوب 28»، على موعد معنا وما حققناه في بلادنا من توازن بين الحس البيئي والاستدامة من دون إهمال حقيقة مهمة هي أن العالم لا يزال يدار بالطاقات الأحفورية، وإن من السذاجة بمكان مطاردة الشعارات البيئية من دون الاستعداد والتأهيل لقطاعات الطاقة المختلفة.
في الإمارات اليوم صورة حية يقتدي بها العالم للإنجاز العملي والملموس لتعايش إنتاج الطاقة بالوسائل التقليدية من نفط وغاز، ومتقدمة من مفاعلات نووية ومستدامة من أشعة شمسية وهيدروجين أخضر.
نقلا عن صحيفة الخليج الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة