الإنسان هو جوهر كل شيء، فالدولة في النهاية إنسان، والحضارة إنسان، والتنمية إنسان، وبالإنسان تكون البداية، وللإنسان تكون النتائج والنهاية، ومن دون الإنسان لا يحدث في الكون شيء، حتى الإنسان الآلي هو من اختراع وصنع الإنسان.
لذلك من أراد أن يحقق التنمية والنهضة والتقدم فعليه أن يبدأ بالإنسان، وأهم عنصر في تكوين الإنسان هو الدافعية التي تولد فيه الطاقة للعمل والإنتاج، والابتكار والتطوير، ولا توجد الدافعية المحفزة على العمل والكفاح وبذل كل الجهد وغاية الطاقة إلا إذا مُلئ قلب الإنسان بالأمل.
ومن هنا، فإن سر الحضارة الإنسانية هو الأمل، وصانع الحضارة الإنسانية هو الأمل، وكل الابتكارات والاختراعات التي غيّرت وجه البشرية، وأحدثت في التاريخ نقلات كبرى كان دافعها الأمل، الأمل في غد أفضل، في حياة أفضل، في عمر أطول، في صحة أكثر، في سعادة أكبر.. إلخ. الأمل هو مفتاح كل شيء، وانعدامه يغلق كل شيء.
ومنذ ألف سنة تقريباً كتب أحد كبار المفكرين السياسيين العرب كتاباً في السياسة اعتبر فيه صناعة الأمل من أهم أسس ووظائف الدولة.. كتب أبو الحسن الماوردي المتوفى 1058م كتاباً عنوانه "تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك وسياسة الملك"، وضع فيه للدولة مجموعة من الأسس التي تقوم عليها هي: "دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح"، والدين المتبع عنده يعني منظومة القيم والأخلاق، والسلطان القاهر يعني سيادة القانون على الجميع دون استثناء، أو خروج عنه، أو تسيب في تنفيذه، والعدل الشامل يعني كل أنواع العدالة القانونية والاقتصادية والاجتماعية، والأمن العام الذي يتمتع به جميع الشعب في جميع نواحي الحياة، أمن على النفس والعرض والمال، والخصب الدائم يعني استمرار معدل التنمية المرتفع وعدم حدوث انتكاسات اقتصادية، والأمل الفسيح هو البعد الجديد الذي لم يسبقه إليه أحد، وهنا ينبغي أن نتأمل في إضافة صفة الفسيح للأمل.. أي أمل ممتد بلا حدود، واسع البراح، على مدى الأفق.
الأمل الفسيح هو الذي يدفع كل إنسان إلى أن يستيقظ صباحاً مفعماً بالطاقة والحيوية للعمل والجد والاجتهاد، ومن دون الأمل تتثاقل خطى الإنسان نحو عمله، ولا يهتم أو يسعى إليه، لذلك نجد في الدول التي يقل فيها معدل الأمل؛ تقل فيها إنتاجية الموظفين والعاملين حتى تصل إلى دقائق معدودة في اليوم، لأنهم يذهبون إلى أعمالهم وهم كارهون، لا يرون فيها أملاً، ولا يتعشمون من ورائها بأمل، وليس في حياتهم ذاتها أمل.
وصناعة الأمل تتعلق بالوعي الجمعي للمجتمع، تحفزها حقائق واقعية، وتدفع لها طموحات منطقية قابلة للتحقق، وليست طموحات خيالية مستحيلة التحقق تقود للاكتئاب أو الانحراف، وأولى وسائل صناعة الأمل وجود رؤية سياسية للدولة تحشد الشعب نحو تحقيقها فيكون فيها الأمل، وتكون هي الأمل، وبعد ذلك يأتي المناخ الثقافي العام في المجتمع؛ فهو الذي يصنع الأمل أو يصنع انعدام الأمل، فإذا كان المشهد الثقافي في الإعلام والفنون بأنواعها يركز على قصص النجاح، وحكايات السعادة، وأغاني البهجة والبسمة الواسعة، هنا تكون صناعة حقيقية للأمل؛ وإذا كان المشهد الثقافي العام يركز على الأزمات والمشاكل، والحوادث والانحرافات، والقتل والتدمير والخراب، هنا يضيع الأمل، وتنتشر حالة اليأس والاكتئاب وفقدان الأمل.
تحتاج المجتمعات العربية إلى سياسة ثقافية تركز على صناعة الأمل تبدأ من تغيير خطبة الجمعة، ودروس المساجد التي تعد الإنسان للموت، وتتجاهل إعداده للحياة، تضع أمام عينيه نار جهنم 24 ساعة في اليوم، وتنسى أن الله غفور رحيم.. هذا الخطاب الديني البائس لا بد من تغييره جذرياً. كذلك يتم وضع سياسة إعلامية مختلفة، تجعل الإعلام ليس كله صفحة حوادث، تتناول الأزمات والمشاكل والجرائم والكوارث، وكل أنواع الحالات الشاذة في المجتمع، وإنما إعلام يعرض قصص النجاح حتى ولو من الشعوب الأخرى، وتحتاج إلى فنون متنوعة سواء أفلام سينمائية أو مسلسلات تركز على الأمل والنجاح وتبتعد عن الدراما التي أصبحت تميز الفنون العربية فتغرق المجتمعات في عنف وقهر وظلم حتى وإن كان هناك من يقاوم ذلك.. المجتمعات العربية تحتاج إلى الأمل بعد أكثر من 10 سنين كلها سلبيات وخراب وحروب ودمار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة