مواطنون أم متواطئون.. كيف ستتعامل أوكرانيا مع سكان الأراضي المحررة؟
مع تحرير القوات الأوكرانية مزيدا من الأراضي التي تسيطر روسيا عليها برزت معضلة جديدة، تتمثل في كيفية تعامل كييف مع سكان المناطق المحررة.
ورغم رمزية هذه الانتصارات، إلا أنها وفقا لمجلة فورين أفيرز الأمريكية تطرح إشكالية أكبر وأكثر تعقيدا، بشأن التعامل مع سكان المناطق المحررة، ليبقى السؤال الأبرز: هل سيتم التعامل معهم باعتبارهم مواطنين أم متعاونين مع روسيا؟
تقرير المجلة الأمريكية أشار إلى أنه عقب استعادة القوات الأوكرانية السيطرة على مدينة إيزيوم في أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الرئيس فلوديمير زيلينسكي أن سكان المناطق "المحتلة" الموالين لكييف ليس لديهم ما يخشونه، قائلا: "كان نهجنا دائما وما يزال واضحا وعادلا: إذا لم يخدم الشخص المحتلين ولم يخن أوكرانيا، فلا داعي لاعتبار هذا الشخص متعاونا".
لكن تعريف الشخص المتعاون قد يكون أكثر تعقيدا مما يراه زيلينسكي، فهناك قدر من المسؤولية يقع على عاتق سكان هذه المناطق، بدءا من الخيانة الصريحة إلى المشاركة السلبية.
وسيحتاج زيلينسكي إلى التفكير في نوع التوازن بين التدابير العقابية وإعادة الإدماج المناسبة في مناطق مثل دونباس، حيث لا تزال نسبة كبيرة من موظفي الدولة في وظائفهم "تحت الاحتلال الروسي".
وهذه هي المناطق نفسها التي عملت الحكومة الأوكرانية بجد لتحقيق اندماجها بشكل كامل منذ العملية العسكرية الروسية الأولى في عام 2014، مع بعض النجاح الملحوظ.
هوس بوتين
التقرير أوضح أنه خلال المراحل الأولى من الحرب، سيطرت روسيا على مناطق قريبة من كييف وأجزاء أخرى من شمال أوكرانيا، مثل تشيرنيهيف وسومي، لكن مقاومة السكان المحليين دفعت موسكو إلى التركيز على الجنوب الشرقي، المنطقة التي تمركزت فيها قوتها الناعمة عبر التاريخ، والتي يرى بوتين أنها مقاطعة روسية مفقودة.
في الأيام الأولى للعملية الروسية، كان السكان المحليون الموالون لموسكو في الأغلب من المتقاعدين الذين يحنون إلى عهد الاتحاد السوفياتي.
ولكن مع استمرار الوجود الروسي بدأت شرائح أخرى أكثر تنوعا في إعلان تأييدها لموسكو بالظهور في الشوارع وفي ساحات مدنهم، وهم يلوحون بأعلام مصغرة في احتفالات يوم روسيا ويلصقون رمز "Z" على سياراتهم.
وعقب الهجوم الأوكراني المضاد فر السكان المحليون الذين دعموا روسيا من مقاطعة خاركيف ودونباس، مما أدى إلى انسداد المعابر الحدودية إلى موسكو.
وتنوع الفارون ما بين النخبة البيروقراطية الذين يقودون سيارات مستوردة باهظة الثمن، وأشخاص في سيارات عتيقة من الطراز السوفياتي، مما يشير إلى أن المتعاطفين مع روسيا ذوي الإمكانيات المتواضعة كانوا يفرون أيضا.
أوضح البعض للصحفيين الغربيين أنهم يخشون الاضطهاد ويخافون على أقرانهم المتعاونين في منطقة خيرسون، والذين قد يجدون أنفسهم أيضا مبنوذين إذا تقدم الجيش الأوكراني.
الموت للجلادين
يطالب عدد كبير من الأوكرانيين بمعاقبة المتعاونين مع الروس. ويشيرون إلى أن أوكرانيا كانت متساهلة نسبيا تجاه منظمي أول استفتاء غير شرعي لروسيا، في عام 2014 ، لتبرير احتلالها نصف دونباس، وأنه في عام 2022 ظهر العديد من هذه الشخصيات كمتعاونين مرة أخرى.
ويجرم القانون، الذي أقره البرلمان الأوكراني في مارس/آذار الماضي، التعاون مع دولة معتدية. وكان المدنيون الوحيدون المعفيون من هذا القرا هم الأطباء وعمال خدمات الطوارئ وعمال المرافق، وأجاز مقاضاة الموظفين العموميين الآخرين الذين ظلوا في أماكنهم وهو ما يشمل المعلمين في المدارس والأخصائيين الاجتماعيين.
ويكمن التحدي في التأكد من نية ومكانة هؤلاء الأفراد، فقد اختار عدد قليل نسبيًا من المسؤولين المنتخبين التعاون مع الروس، ولكن بمرور الوقت عاد العديد من الموظفين في هذه المناطق إلى مناصبهم.
وقد فعل البعض ذلك بترحيب واضح وسب الدولة الأوكرانية، بينما فعل آخرون ذلك بشكل سلبي. وبغض النظر عن مستوى حماسهم، فقد عمدت وسائل الإعلام الروسية والانفصالية إلى نشر صور ومقاطع فيديو لهؤلاء الموظفين تحت العلم الروسي.
وفي غضون ساعات ستظهر مقاطع هؤلاء الأفراد على قنوات تليجرام الموالية لأوكرانيا التي تراقب المتعاونين والمتعاطفين وتمرر معلوماتهم الشخصية إلى وكالات الأمن الأوكرانية، وبهذه الطريقة أحرقت روسيا الجسور خلف أولئك الذين قبلوا الاحتلال على أنه واقعهم الجديد.
وبحسب التقرير نفسه، فقد يقع بعض الأفراد الذين لم تكن دوافعهم أيديولوجية للبقاء في الوظيفة في هذا الشرك، وتشير ألموت روشوانسكي، ناشطة دولية في مجال بناء السلام عملت منذ 2014 مع ناشطات في شرق أوكرانيا لدعم المدنيين في الأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية، إلى أن العديد من معارفها قالوا إن بعض المعلمين والأخصائيين الاجتماعيين ظلوا في العمل لأنهم يخشون ألا يتمكن أي شخص آخر من خدمة ضحايا العنف المنزلي والاغتصاب، وهما جريمتان منتشرتان في منطقة الحرب.
في الوقت نفسه، سيكون البحث عن متعاونين أكثر كثافة في المناطق التي تواجه انهيار البنية التحتية والإسكان والطاقة والهجرة الجماعية والصدمات النفسية نتيجة الحرب، ويجب أن يتم تحديد ومعاقبة المتعاونين من قبل الحكومة الأوكرانية بطريقة شفافة وخاضعة للمساءلة، خشية أن يصبح مصدرا آخر للصدمات التي يتعرض لها السكان المرهقون، بحسب المجلة.
وأخيرا، طالب تقرير فورين أفيرز أوكرانيا بتجنب العقوبات الشاملة السريعة لفئات كاملة من المتعاونين المزعومين، مع الحفاظ على حق الاستئناف والنظر في الظروف المخففة. ويمكن لمثل هذه العملية -إذا تمت إدارتها بشكل عادل- أن تعزز المساءلة والإنصاف وسيادة القانون في المناطق الخارجة من الاحتلال الروسي.
aXA6IDMuMTM4LjY5LjEwMSA= جزيرة ام اند امز