استعمار الحيوانات البرية للمدن.. وجه آخر لخطر التغير المناخي
عند التجول في شوارع هونج كونج، من المألوف العثور على جميع أنواع الحيوانات البرية التي تشترك في نفس المساحة الحضرية مع الناس.
في تلك المدينة، نجد قطيعا من الحمام يتمايل برؤوسه خارج محطات مترو الأنفاق ويحيي حشدا مزدحما من الناس في الصباح، وعصفورا صغيرا حول طاولة مطعم في الهواء الطلق يبحث عن قطع الطعام المتساقطة، وجرذا يركض بصمت عبر الزقاق المظلم منتصف الليل، أو حتى عائلة من الخنازير البرية تتجول في الشارع.
تلك المشاهد التي تكشف عن مشاركة الحيوانات البرية للمواطنين في المدن التي بنيت من أجلهم، ربما تصبح أكثر تواترا، وتتسع رقعتها لتشمل مناطق أخرى من العالم، بسبب التغيرات المناخية، والتي ساعدت على تكريس مفهوم بات يعرف باسم "الحياة البرية الحضرية".
و"الحياة البرية الحضرية" مصطلح يستخدم لوصف الحيوانات التي هيأت أسلوب حياتها للعيش في المدن وضواحيها.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلها البشر لتخليص المدينة من الحيوانات البرية، إلا أنها عادت في النهاية واندمجت في الحياة الحضرية بسلاسة، وأحد الأسباب الرئيسية لذلك، هو التغيرات المناخية.
وتسبب تغير المناخ في حرائق الغابات المدمرة، ما دفع الحيوانات إلى التخلي عن موائلها الطبيعية والتحول إلى المدينة، لتخضع إلى ضغط تطوري جعلها تتكيف مع حياة المدينة ونمط الغذاء المتاح بها، لتشارك سكانها طعامهم.
ويشرح أحمد مصطفى، أستاذ الطب البيطري بجامعة أسيوط جنوبي مصر، مفهوم "الضغط التطوري"، بأنه ظروف شديدة الصعوبة تجبر الحيوان على التطور سريعا مع الحياة الجديدة حفاظا على النوع، لأن عدم التكيف يعني الانقراض.
وإذا كانت نظرية التطور التي وضعها تشارلز داروين في القرن التاسع عشر، قد أخبرتنا أن التكيف، سواء أكان سلوكيا أو بيولوجيا، هو عملية بطيئة بشكل بشع تستغرق أجيالا حتى تتم ملاحظة التغييرات، فإن التغير المناخي ساعد على الإسراع بهذه العملية بشكل كبير.
ويقول مصطفى لـ"العين الإخبارية"، إن العلماء يطلقون على ذلك اسم (HIREC)، أي التغيير التطوري السريع الذي يسببه الإنسان ويضع الحيوان بين خيار التكيف مع الحياة الجديدة أو الموت للنوع بأكمله.
وإذا كان هذا التكيف الذي يسببه الضغط التطوري الذي ينقل الحيوانات إلى المدن، يظهر بشكل خاص في الحيوانات الصغيرة، لأنها تحتاج إلى مساحة صغيرة والقليل من الطعام للبقاء على قيد الحياة، بالإضافة إلى قصر عمرها الافتراضي وحدوث عدد أكبر من النسل لكل حمل، ما يسمح بطفرات جينية أسرع، فإن التغيرات المناخية أيضا قد تسبب أحداثا طارئة تجعل الحيوانات الكبيرة تظهر في المشهد أيضا.
وتوجد أمثلة مختلفة للتطور السريع في الحيوانات الصغيرة في جميع أنحاء العالم، فقد طور "أنول المتوج"، وهو نوع من السحالي موطنه بورتوريكو، منصات أصابع أكبر، تسمح لها بالتعامل بشكل أفضل مع الأسطح الملساء، مثل النوافذ الزجاجية والخرسانة المطلية.
ووجد العلماء أيضا أن الفئران بيضاء القدمين في نيويورك، تطورت وراثيا لتتمكن من هضم النظم الغذائية البشرية بشكل أفضل مثل البيتزا والوجبات السريعة، وقد يكون التغيير أيضا بسبب اختلاف في توافر بعض النباتات والحشرات في المدينة.
وبالنسبة للحيوانات الكبيرة وتأثرها بتغير المناخ، كان المثال الأقرب حرائق الغابات في ولاية كاليفورنيا عام 2021، والتي دفعت ذئاب القيوط إلى الضواحي لتقوم بافتراس الحيوانات الأليفة للسكان، وفي هونج كونج، هناك أيضا حالات لمهاجمة القرود للبشر من أجل الحصول على الطعام.
والأمر ليس قاصرا على هونج كونج، ففي مدغشقر والأمريكيتين، لاحظت دراسة دولية ضمت 118 باحثا من 124 مؤسسة ونُشرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول بدورية "بروسيدنجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينس"، أن تغير المناخ يدفع 47 نوعا من القرود والليمور التي تعيش على الأشجار إلى الأرض.
ووجدت الدراسة أن الرئيسيات التي تستهلك نظاما غذائيا أكثر عمومية وتعيش في مجموعات أكبر، تظهر تكيفا أسهل مع نمط الحياة الأرضية، ولكن الرئيسيات الأخرى، التي تعتمد نمط غذائي غير متنوع "يقتصر على الفواكه عادة" تواجه صعوبات، ولكن مع استمرار وتيرة التغيرات المناخية، توقع الباحثون أن يجبرها الضغط التطوري على التكيف أيضا.
aXA6IDMuMTM1LjIwOC4xODkg جزيرة ام اند امز