السجال حول الناتو في الواقع يكشف عن "شيزوفرينيا" أردوغان، أكثر مما تعبر عنه ملاحظات ماكرون النقدية
سجال الرئيسين الفرنسي ماكرون والتركي أردوغان حول الموت الدماغي لحلف "الناتو" بما له من علاقة بين السياسة والطب، يدفعنا للبحث عن معنى المصطلحات الطبية، وتوظيفها في عالم السياسة، وما إذا كان لذلك علاقة بإعلان شهادة وفاة لـ"الناتو" بكل التداعيات المترتبة على ذلك من عدمه.
إن قمة "الناتو" في لندن، في الـ3 والـ4 من ديسمبر، ستحاول إثبات أن الحلف لم يدخل بعد مرحلة الموت الدماغي، لكن الحوار الحامي بين الرئيسين الفرنسي والتركي بلغ مرحلة تثير الشكوك حول الحالة الصحية للحلف
فالفرق بين الموت الدماغي أو السريري أو الإكلينيكي، والذي يعني تلف المراكز الحيوية للمخ مع بقاء المركز الخاص بالتنفس غالباً ما يقود إلى الوفاة الكاملة، بينما يختلف الأمر في حالة دخول الدماغ في حالة غيبوبة أو ما يعرف باسم "الكوما"، والتي لها درجات مختلفة، لكن يمكن للمريض أن يعود للوعي والشفاء منها.
هذا التوضيح يبدو ضرورياً لمعرفة السجال الدائر بين أردوغان وماكرون، والذي جاء على خلفية الغزو التركي لشمال سوريا، وإن كان هناك عوامل أخرى كثيرة تدفع للحديث عن موت حلف الناتو. فعندما تحدث ماكرون عن الموت الدماغي للحلف، كان يشير إلى أن تركيا التي اتهمها بالتعامل مع داعش أيضاً، وهي عضو أساسي فيه، تقوض سياسات الحلف عندما استهدفت الأكراد السوريين أحد أهم حلفائه في الحرب على داعش، وهو ما يعني أنها لن تحظى بدعم جميع أعضاء الحلف، وأنها تغامر بجر الحلف إلى حروب على جدول أعماله، فماذا لو هاجمت سوريا تركيا كما يقول ماكرون.
ويكشف الرد التركي بالمقابل عمق الخلافات داخل "الناتو"، ليس فقط لجهة دعوة أردوغان للرئيس الفرنسي "بفحص حالة الموت الدماغي لديه"، وإنما لتشديده على أن فرنسا لا حق لها بنشر قوات عسكرية في سوريا، قبل أن يضيف "حتى نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد لم يدعُ العسكريين الفرنسيين إلى سوريا"، وكأن دمشق هي التي وجهت دعوة لـ"استضافة" القوات التركية على أراضيها. ويتابع مخاطباً ماكرون "الحديث عن إخراج تركيا من الناتو أو إبقائها.. هل هذا من شأنك؟ هل لديك صلاحية اتخاذ مثل هذه القرارات؟".
هذا السجال في الواقع يكشف عن "شيزوفرينيا" أردوغان أكثر مما تعبر عنه ملاحظات ماكرون النقدية، لكن السجال حول موت "الناتو" لا يقتصر على أردوغان وماكرون، وإنما ينسحب على أعضاء آخرين في الحلف، ويكشف عن خلافات عميقة فيما بينهم، وخصوصاً ألمانيا القريبة من فرنسا في رؤيتها لمستقبل الحلف، وضرورة اعتماد أوروبا على نفسها وبناء قوة أوروبية مستقلة، في وقت لا تزال واشنطن تطالب فيه الدول الأوروبية برفع مساهماتها في ميزانية الحلف إلى 2% من الناتج القومي، بينما تعمل هي على تخفيض هذه المساهمة.
وبالعودة إلى السجال التركي الفرنسي فإن قمة "الناتو" في لندن في الـ3 والـ4 من ديسمبر، ستحاول إثبات أن الحلف لم يدخل بعد مرحلة الموت الدماغي، لكن الحوار الحامي بين الرئيسين الفرنسي والتركي بلغ مرحلة تثير الشكوك حول الحالة الصحية للحلف.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة