ركز خطاب الرئيس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل أساسي على حرب روسيا وأوكرانيا.
ولكن إعلان القيصر الروسي أنه "سيصعِّد" الحرب من خلال تعبئة جديدة للقوات ودعم استفتاءات ستقود إلى ضم الأراضي الأوكرانية -وكلها صدرت إلى جانب تهديد نووي علني- دفع ببعض التعديلات في اللحظة الأخيرة على خطاب بايدن، وفقًا لما ذكره مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن.
ولم تقتصر تصريحات بايدن جميعها على روسيا، فمثل أسلافه، استخدم الرئيس الأمريكي منصته في الأمم المتحدة لمعالجة مجموعة من الموضوعات، من أول أهمية وقف تغير المناخ إلى شجاعة النساء الإيرانيات.
أول الموضوعات، التي يواصل القادة الأوكرانيون مناقشتها هذا الأسبوع، هو الحاجة إلى انحياز الدول التي تبدو محايدة إلى جانب كييف في الحرب مع روسيا.. إذ أطلق بايدن نداءً مماثلا، ولكن بطريقة مستترة، حيث ناشد "الدول الأخرى" التمسك بمُثُل الأمم المتحدة، تلك التي تقول إن دولة ما لا تستطيع الاستيلاء على أراضي دولة أخرى بالقوة.
غير أن الولايات المتحدة نفسها ليس لديها سجل إنجازات مذهل فيما يتعلق بدعم معايير الأمم المتحدة، حيث إنها تتباطأ في الاعتراف بالاتفاقيات، التي تفاوضت عليها الأمم المتحدة، وغزت دولة دون أي سبب قبل أقل من 20 عامًا، وعذّبت العديد من المشتبه بهم، ولا يزال بعضهم محتجزًا دون محاكمة.. فلماذا يجب على "الدول الأخرى" الإنصات إلى واشنطن عندما يتعلق الأمر بـ"المُثُل العليا للأمم المتحدة"؟!
وثانيًا، لم يكرر بايدن يوم الأربعاء دعوته في مارس الماضي إلى "الإطاحة" ببوتين، ويرجع هذا إلى أن المخاطر تبدو أكبر الآن مما كانت عليه قبل بضعة أشهر.. إذ يوحي إعلانه هذا الأسبوع -ولا سيما خطاب بوتين بأنه لا يمزح بشأن استخدام الأسلحة النووية- بتفضيله القتال على التراجع.. وربما يكون بايدن قد خلُص إلى أن إغضاب بوتين بدعوة لـ"تغيير النظام" لن يكون مفيدًا حاليًّا.
وثالثا، لم يُسهب الرئيس الأمريكي كثيرًا في الحديث عن الصين وزعيمها القوي بشكل متزايد.. ففي الواقع، مقارنة بالأقسام المتعلقة بروسيا أو تغير المناخ، كانت الإشارات المباشرة إلى بكين ضئيلة.
ومع ذلك، كانت كلمات بايدن موجهة فقط بما يكفي لتوضيح أنه يعلم أن الصين هي "التهديد الأكبر" على المدى البعيد بالنسبة للهيمنة الأمريكية على العالم.. وكانت الحيلة هي التحدث عن الأمر بطريقة لا تنفّر العديد من البلدان الأقل قوة، التي تشعر بأنها محاصَرة بين القوتين، ولهذا صاغ بايدن الأمر على أنه "منافسة" -وليس قتالا- تقدّم فيها واشنطن "شراكات عادلة".
ورابعا، الافتقار إلى رؤية للنزاعات التي تبدو ميؤوسًا منها.. فأحيانا يكون الأمر كما لو أن هناك معادلة رياضية لِما يرد في خطاب الرئيس الأمريكي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمدة التي يستغرقها في حديثه.. فكلما بدا الخلاف طويل الأمد وأقرب إلى اليأس من الحل، قلّ الاهتمام به في خطاب الرئيس.. ولهذا السبب، في غضون ثوانٍ معدودة، تنقّل بايدن بسرعة بين الحرب في إثيوبيا بقوله "ندعم عملية سلام يقودها الاتحاد الأفريقي"، والأزمة في فنزويلا بقوله "نحث على الحوار بقيادة فنزويلا والعودة إلى انتخابات حرة ونزيهة"، والكوارث في هاييتي بـ"ما زلنا نقف مع جارتنا.. ما زال أمامنا المزيد لنفعله"، والحرب في اليمن بـ"سنواصل دعم الهدنة بوساطة الأمم المتحدة"، وبالطبع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بقوله "سنواصل الدعوة إلى سلام دائم عن طريق التفاوض"، ثم انتقل إلى موضوعات أخرى.
وخامسا، لم يكد بايدن يذكر النظام في كوريا الشمالية، حيث تحدث عنه بإمعان في سياق تعزيز منع الانتشار النووي، ولكن بعبارات معتدلة.. وربما تكون المشكلة هي السعة في الوقت، فمن الواضح أن لدى بايدن الكثير من الأزمات الأخرى التي يجب معالجتها، بما في ذلك حرب جارية تشمل قوة نووية.
هكذا كان خطاب الرئيس الأمريكي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تنعقد دورتها رقم 77 في نيويورك، في مضامينه الظاهرة، تأكيدًا أنّ الولايات المتحدة ستواصل "نضالها" من أجل الديمقراطية والسلام والازدهار في العالم، ومدّ يد التعاون للشركاء والمجتمع الدولي، ولكن في كيفية تحقيق ذلك تبقى كل الاحتمالات لاستمرار الصراع مفتوحة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة