بتصريحاته خلال الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في أمريكا، أظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيواصل اتباع سياسة خارجية متعددة الأطراف.
ورغم تعميق العلاقات مع روسيا، قال أردوغان في كلمته خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة: "منذ اليوم الأول للصراع في أوكرانيا، تبنّينا فكرة أنْ لا مُنتصر في أي حرب، ولا خاسر في أي سلام عادل"، ثم أكد الدور الرئيسي للحوار والدبلوماسية في حل هذه الأزمة.
ومع ذلك زادت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضغوطهما على تركيا لعدم امتثالها للعقوبات المفروضة على روسيا، ما أثار تساؤلات حول استمرارية السياسة الخارجية المتبعة لتركيا.
ولا ننسى رسالة نائب وزير الخزانة الأمريكي "أديوالي أدييمو"، التي كتبها الشهر الماضي إلى معهد الإحصاء التركي ورجال الأعمال الأتراك، والتي حذّر فيها من "السماح لروسيا باستخدام تركيا للتهرب من العقوبات، وعدم التعامل مع الأصول الروسية الخاضعة للعقوبات"، ثم نبّه إلى أن العلاقات مع الأشخاص والمنظمات الخاضعة للعقوبات المفروضة على روسيا قد تنعكس أيضا كعقوبات على الشركات العاملة في تركيا.
وبعد هذه الرسالة التحذيرية من العقوبات الأمريكية بشهر تقريبًا اتخذ "إيش بنك"، أكبر بنك خاص في تركيا من حيث الأصول، قرارًا بتعليق نظام الدفع الروسي "مير"، مشيرًا إلى اطلاعه على بيان وزارة الخزانة الأمريكية بشأن هذه المسألة وتقييمه له، ثم اتخاذه هذا القرار.
وهنا لا بد من العودة إلى التقرير، الذي نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز" قبل بضعة أيام، وأسندته إلى مسؤولَين اثنين من الدول الغربية، وجاء فيه أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "يستعدان لزيادة الضغط على تركيا"، وأن الاتحاد الأوروبي سيرسل وفدًا إلى تركيا لنقل مخاوفه مباشرة.. كما لفتت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة ترصد تحركات البنوك التركية المتماشية ونظام الدفع المحلي الروسي "مير" وتراقبها عن كثب.
هذا من جانب، ومن جانب آخر بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد قراره بالتعبئة الجزئية، يطلب بصوت عالٍ من تركيا أن "تحسم أمرها وأن تختار طرفها".
ورغم كل ما يجري على أرض الواقع، أظهرت التصريحات في كل من شنغهاي والأمم المتحدة، أن السياسة "متعددة الأطراف" لا تزال مستمرة.. وأن انتقادات تركيا الأممَ المتحدة وقولها بأنها "ابتعدت عن هدفها الرئيسي مؤخرا" شاهد على ذلك.
ومما يجدر ذكره في هذا الصدد، أن تجميد عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أثّر في تطوير العلاقات مع الصين وروسيا عام 2012، وهذا مكّن تركيا من أن تصبح شريكَ حوار في منظمة شنغهاي.. وبالتالي فإن دعوة تركيا لحضور اجتماع شنغهاي للتعاون مؤشر على أن العَلاقة مع هذه الدول قد تحسّنت على مر السنين.. ومن ثم صارت شنغهاي بالفعل استمرارًا لسياسة تعددية الأطراف.
أما السيناريو المحتمل وقوعه عند زيادة جرعة الضغط على تركيا من الغرب وروسيا من أجل اختيارها أحد الجانبين فمُعقدة، لأن تركيا عضو في الناتو وهناك شروط معينة تفرضها هذه العضوية.. وحال اختيارها طرفًا من الأطراف قد تضطر إلى تطبيق هذه الشروط دون مناص.
ومن ناحية أخرى، فإن لحوار تركيا مع روسيا وأوكرانيا أهميةً كبيرة في حل أزمة الغذاء، كما أن الجانبين يحتاجان في الوقت الراهن إلى جهة فاعلة مثل تركيا قادرة على التحدث إلى الجانبين حول قضايا مهمة مثل أزمة الطاقة.
وقد يؤدي اختيار تركيا طرفًا من الأطراف إلى مشكلات وأزمات في العديد من المناطق في هذه الحال، كما قد تواجه تركيا مشكلات إذا انحازت إلى الغرب أو إلى روسيا.. ولكن المؤكد أن روسيا لا تريد أن تخسر تركيا بالكامل، وإنْ كانتا دولتين آراؤهما مختلفة حول العديد من القضايا، مثل القضية السورية، والحرب في أوكرانيا، وليس لهما طريق سوى السعي لإيجاد حل للعمل في مجالات مشتركة.
ويواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهج بلاده تجاه الصراع الروسي-الأوكراني الذي يصفه بأنه "نهج متوازن".. أما رفضه توقيع عقوبات على روسيا وتعهده الأخير بتعزيز التعاون الاقتصادي مع موسكو فما فتئ يثير قلق حلفاء تركيا الغربيين.
فإلى متى يا تُرى ستحافظ تركيا على هذه الحال؟ وهل تؤثر سياسة أردوغان متعددة الأطراف سلبا أم إيجابا في انتخابات الرئاسة المرتقبة السنة المقبلة؟ سننتظر وسنرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة