مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.. صراعات جديدة تضرب "إخوان موريتانيا"
مراقبون يتوقعون أن يعلن أرفع قيادي في تنظيم الإخوان ولد منصور قريبا انشقاقه ودعمه لمرشح الأغلبية بخلاف موقف حزب "تواصل"
كلّما اقترب موعد انتخابات موريتانيا الرئاسية، تتكشف أكثر حدة الخلافات وعمق الصراع داخل تنظيم الإخوان الإرهابي، بسبب تضارب المصالح الذاتية داخل تنظيم لا يجمع قياداته سوى توظيف الدين لتحقيق المآرب الدنيوية.
- موريتانيا في أسبوع.. تحذيرات من مخطط قطري لاختطاف انتخابات الرئاسة
- "إخوان" موريتانيا بين مطرقة الانشقاقات وسندان إغلاق الجمعيات
سلسلة تدوينات جديدة لأكبر منظري التنظيم في موريتانيا محمد جميل ولد منصور، والرئيس السابق لحزبهم "تواصل" تضرب صميم وحدة التنظيم الداخلية في مقتل، وتوجه أكبر صفعة لحزبه منذ إنشائه عام 2007.
ولد منصور وجهة انتقاداته الضمنية إلى قيادات الإخوان على خلفية موقفهم من دعم المرشح الرئاسي الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر، مفندا دعايتهم السياسية التي تصف هذا المرشح بـ"المدني"، ومنتقدا خيار دعم هذا المرشح من طرف زملائه.
الزعيم التاريخي لإخوان موريتانيا وأكبر منظري التنظيم والرئيس السابق لحزبهم "تواصل" بدا من جهة أخرى في مواقفه الجديدة داعما أكثر من مرشح الأغلبية محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني دون أن يسميه.
بعض المراقبين والمتابعين لشؤون التنظيم توقعوا أن يعلن أرفع قيادي في التنظيم (ولد منصور) قريبا انشقاقه عن الإخوان ودعمه لهذا المرشح، أسوة بمن سبقوه من القيادات الإخوانية البارزة التي بدأت في الآونة الأخيرة القفز من سفينة التنظيم الغارقة في وحل الصراع والتناقضات وفق وصف بعض المراقبين.
تنظيم عنقودي يعمل في ظلام
الكاتب والوزير السابق محمد ولد أمين علق على موقف زعيم إخوان موريتانيا جميل منصور من التنظيم متسائلا عن أسباب تأخر إعلان ولد منصور انشقاقه، وينضم إلى مرشح الأغلبية ولد الغزواني أو مرشح المعارضة ولد مولود، على ضوء الانتقادات اللاذعة التي بدأت يكيلها ولد منصور لرفاقه الإخوان.
وعبّر ولد أمين في تدوينه بحسابه الشخصي حول الموضوع عن عدم "فهمه لترقيق الكلام وإرسال الساخن والبارد" في إشارة إلى تصريحات ولد منصور، معتبرا أن مغادرة ولد منصور لقواعد التنظيم باتت واضحة وجلية.
وبين ولد أميّن أن القراءة الثانية لمواقف ولد منصور ربما تكشف محاولته فتح قناة ما أو استعادة منشقين، معتبرا أن الفرضية تكشف أنه ليس حزبا سياسيا وإنما "تنظيم عنقودي يعمل في ظلام دامس".
الكاتب الحسن أعمر اعتبر في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" أن تنظيم الإخوان الإرهابي بهذه المواقف والتناقضات يكشف أنه في الحقيقة ليس حزبا بالمعني المعروف للكلمة بل هو منظمة أيديولوجية تستغل الدين وتدخله في السياسة، وتستغل النعرات القبلية في فترات التنافس الانتخابي".
ونبه ولد أعمر إلى أن الإخوان بهذه المواقف المتنافرة يكشفون أنهم يفتقدون لوجود فكر ونظرية، وإنما جماعة تلتقي وتتفرق حسب المصالح الذاتية".
ثلاث صفعات
الكاتب والمحلل السياسي والقيادي في المعارضة محمد الأمين ولد الفاضل اعتبر حزب "تواصل" الإخواني تلقى خلال الفترة الأخيرة ثلاث صفعات قوية.
وأوضح ولد الفاضل في مقال نشره على صفحته الشخصية على "الفيس بوك" أن أولى الصفعات جاءت من السلطة من خلال حملة الإغلاق التي تستهدف الجمعيات والمنظمات المحسوبة على الإخوان في "وقت متقارب"، في إشارة إلى الحملة التي بدأتها السلطات منذ سبتمبر/أيلول الماضي ضد المؤسسات الإخوانية باتهامات "تتعلق بالتمويل".
أما الصفعة الثانية، فهي ردود فعل قوية على موقف "الإخوان" الداعم لمرشح يحسب على الأنظمة السابقة، في إشارة إلى الصراع والانشقاقات التي يشهدها تنظيم الإخوان حاليا على خلفية الرفض الشعبي والسياسي لخياراته السياسية الأخيرة.
وكشف الكاتب والقيادي المعارض محمد الأمين ولد الفاضل أن أكبر وأقوى صفعة تلقاها الإخوان هي التي تتعلق بمنشورات وتغريدات رئيس حزبهم السابق، في إشارة إلى المواقف الأخيرة لولد منصور التي يتنقد فيها خيارات التنظيم السياسية المرتبطة بالرئاسيات.
واعتبر ولد الفاضل أن قوة الضربة التي تلقاها التنظيم تكمن في توقيتها حيث جاءت على أبواب "حملة انتخابية في غاية الأهمية" وتفند أهم شعار وهو ادعاءات "مدنية" مرشح الإخوان، مبينا أن الغموض بخصوص المواقف الأخيرة لأهم شخصية إخوانية موريتانية يتعلق باختياره لتوقيت الهجوم ضد زملائهم ووسائله وهو تفنيد الشعارات الانتخابية.
وبيّن ولد الفاضل أن المتتبع لمواقف الرئيس السابق لحزب إخوان موريتانيا والقائد المؤثر في التنظيم "سيلاحظ أن القاسم المشترك هو "زيادة شكوك" الإخوان ضد بعضهم البعض.
وأشار الكاتب ولد الفاضل إلى مواقف ولد منصور القيادي المؤثر في التنظيم ورئيسه حزبه السابق استهدفت إرباك وتشكيك الإخوان في سلامة موقف حزبهم من الانتخابات الرئاسية، متسائلا عن سبب انشغال ولد منصور في هذا الموسم الانتخابي الهام بتشكيك مناضلي الحزب في قرار حزبهم.
مطرقة الانشقاق وسندان الإغلاق
وخلال الأسابيع الماضية، زادت حدة الانشقاقات والانقسامات في صفوف تنظيم الإخوان بموريتانيا، بعدما أعلن حزب "تواصل" دعمه للمرشح ولد بوبكر، لتتواصل الانشقاقات والانسحابات من التنظيم للشهر الثالث على التوالي بوتيرة شبه أسبوعية تقريبا.
وتسارعت وتيرة الانشقاقات عقب قرارات الحزب الأخيرة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية المرتقبة شهر يونيو/حزيران المقبل.
وضمن أبرز هذه الاستقالات من التنظيم في الآونة الأخيرة كل من عضو المجلس الجهوي لولاية لبراكنة عن التنظيم عبدالقادر الكيحل على رأس كتلة سياسية محلية، وكذلك الأستاذ الجامعي الدكتور عبدالله ولد أحمد الهادي، بالإضافة إلى انشقاقات مجموعات شبابية كانت ناشطة سابقا في الحزب بولاية الحوض الشرقي الموريتانية، يقودها القيادي الكنتي ولد سيدي أعمر.
ومن بين المنشقين كذلك القيادي البارز في الحزب سالم ولد همد، مرشح الحزب سابقا في مقاطعة "المذرذرة"، بالإضافة محمد عبدالجليل، القيادي في التنظيم وعضو مجلس شورى حزب "تواصل".
ومن بينهم كذلك القيادي بالتنظيم عبدالرحمن باباه، النائب البرلماني السابق عن دائرة "واد الناقة" شرقي العاصمة، وقبله انشقت قياديتان وأستاذتان جامعيان كانتا قد أعلنتا قبل فترة وجيزة انضمامها لمرشح الأغلبية للرئاسيات محمد ولد الغزواني.
ودشن موجة الانشقاقات هذه، القيادي المؤسس لحزب إخوان موريتانيا "تواصل" المختار ولد محمد موسى الذي قرر في الـ13 فبراير الماضي، مغادرة التنظيم ودعم المرشح للرئاسيات عن الأغلبية محمد ولد الغزواني.
ولا يعد انشقاق القيادات وتمرد الكتل الشعبية عن سيطرة التنظيم، فحسب، المأزق الوحيد الذي يتردى فيه التنظيم الإرهابي على الساحة الموريتانية، بل تأتي هذه الانشقاقات متناغمة مع استمرار حملة الهدم والإغلاق ضد الجمعيات المحسوبة عليه التي بدأت هي الأخرى تسقط تباعا وبوتيرة متصاعدة في قبضة الأمن.
فبعد إغلاق جمعية "يدا بيد" الخميس الماضي، جاء الدور على جمعية "الإصلاح" وهما جمعيتان محسوبتان على "الإخوان" ويديرهما أشخاص ينشطون في حزب "تواصل" الذي يمثل الواجهة السياسية للتنظيم.
وتأتي حملات الإغلاق الجديدة للجمعيات المحسوبة على التنظيم في سياق حملة بدأت في 24 سبتمبر/أيلول الماضي، وكانت قد سبقتها تصريحات للرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز في 20 من الشهر نفسه اتهم فيها الإخوان بـ"تدمير البلدان العربية"، ليشير لاحقا -وبشكل ضمني- في خطاب بمناسبة عيد استقلال البلاد ألقاه في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، "إنهم يتاجرون بالدين لخدمة أجنداتهم ومصالحهم الضيقة".
وما بين مطرقة الانشقاقات وسندان إغلاق الجمعيات يترنح التنظيم ويتلقى الضربات التي تهدد كيانه، وفق ما يخلص إليه الكثير من المراقبين للوضع الموريتاني.