كونفوشيوس.. حكيم الصين الذي خُلدت فلسفته
أول فيلسوف صيني أسس مذهبا شاملا لكل التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعي والأخلاقي وفن الحكم.
في التاسعة عشرة من عمره كان الشاب كونفوشيوس يعاني الأمرّين إثر أزمة مادية حادة ضربت عائلته الصغيرة، تنقل خلالها بين عدد من الوظائف من بينها كاهن وراعٍ للبقر ومحاسب، غير أنّ العمل في البناء كان أكثر الأعمال قرباً إليه ومناسبة لاحتياجه للأموال.
في هذا السن كان المعروف في اللغة الصينية بـ"كونغ فو تزو" يستعد أيضاً للارتباط بفاتنته تشي جوان، التي أحبها بشدة وأصر على الارتباط بها على الرغم من حالته المادية المتدهورة، وأنجب منها "كونغ لي".
كونفوشيوس الذي توفي والده الضابط العسكري "كونغ هي" وهو في الثالثة من عمره، ولم يترك له أي أموال تعينه على تقلبات الحياة وتلقي التعليم الجيد، غير أنّ كل هذا لم يمنع والدته من العمل طوال فترة تلقيه للتعليم لكي تمنحه تعليماً مميزاً.
ولد "فوتزو" في شرق الصين وتحديداً في ولاية لو عام ٥٥١ قبل الميلاد، وعاش في كنف والدته التي توفيت وهو في الثالثة والعشرين من عمره، ليقرر بعد وفاتها بعام واحد امتهان التدريس، حتى وصل إلى الخمسين، الذي تغير معه عمله لـ"القضاء وعُيّن مسؤولاً عن القانون والنظام في الولاية التي شهدت مولده".
خمس سنوات قضاها في القضاء، قبل أن يتمكن منافسه الغيور من فصله بعد تدبير أكثر من حيلة ضده، ليعود مرة أخرى إلى مهنته السابقة وهي التدريس، والتي حصد من خلالها على إعجاب وتقدير الجميع، بجانب أنها أعطته سمعة واسعة في سائر الولايات. قبيل وفاته بسنوات قليلة، مات تلميذه المفضل "ين هوي" في نفس الوقت الذي عاد فيه إلى" لو"، وحزن عليه بشدة لدرجة التزام الفراش وعدم التدريس لفترة. بعد أن تقاعد في سن السابعة والستين بخمس سنوات، توفي كونفوشيوس في الحادي والعشرين من نوفمبر عام ٤٧٩ قبل الميلاد، وأقام له تلامذته جنازة مهيبة بجانب إعلان الحداد لأيام على فقدانه.
الكونفوشيوسية
أسّس أتباعه بعد وفاته واحدة من أكبر وأقدم الديانات في الصين وفي العالم أجمع وهي الديانة الكونفوشيوسية، التي تم تعظيمها بعد وفاته بقرون بحيث أصبح موضوع العبادة في المدارس خلال الفترة من ٢٠٦ قبل الميلاد وحتى ٢٢٠ ميلادياً عنه وعن الديانة التي تحمل اسمه.
يشير مذهبه إلى ضرورة الانسجام الأخلاقي للفرد، والذي يرتبط لديه ارتباطاً مباشراً بالانسجام الكوني، حيث إن أفعال الإنسان تؤثر على الآخرين وعليه، رقي الفرد عنده أساس للرقي الاجتماعي والكوني عامة، بجانب الضبط الذاتي للنفس، منوهاً أنه على الحاكم أن يدرب نفسه على هذا المبدأ حتى يبقى متواضعاً ويعامل أفراده بلطف.
سافر الحكيم الصيني إلى عدد كبير من دول العالم، حاول خلال سفرياته أن يطور أفكاره حول فن الحكم، لذلك أعجب به الرؤساء والملوك وقدروه بشدة، وحظي على احترامهم الشديد، بجانب تتلمذ عدد من الحكماء على يديه.
من بين مقولاته الشهيرة، "كيف لنا أن نعرف عن الموت، وما زلنا لا نعرف عن الحياة الكثير"، و"التعلّم من دون تفكير جهد ضائع، والتفكير من دون تعلّم أمر خطير"، و"اعتق ما أحببت، فإذا عاد إليك فهو ملك لك إلى الأبد"، و"أفضل للعالم أن يوقد شمعة من أن يلعن الظلام"، و"على الإنسان أن يفعل ما يعظ الناس به، كما أن عليه أيضاً أن يعظ الناس بما يفعله".
يقول عدد من أتباعه من الصينين إن ما يعرف في الفلسفة الصينية بالمراجع الستة، والتي تشمل "التغيرات والأناشيد والسجلات التاريخية والطقوس وحوليات الربيع والخريف والموسيقى" من تأليفه، غير أن عدداً من الدراسات العلمية تشير إلى أنه لم يؤلفها ولكنه استخدمها في تثقيف تلامذته.
أعاد الفيلسوف الصيني كتابة وإعادة صياغة العديد من الأعمال الكلاسيكية التقليدية الصينية، فقام بتجميع وإعادة صياغة "كتاب الأغاني" الذي يعد من أقدم كتب الشعر الصينية، ليقوم من بعده العديد من العلماء الصينيين بتدريسه وشرحه للطلاب.