على الرغم من أنّ الأزمة السورية مازالت تراوح مكانها بكلّ ما فيها من تعقيداتٍ وملفاتٍ متشابكةٍ سياسيّاً وعسكريّاً.
إلّا أنّ اللجنة الدستورية التي باشرت أعمالها منذ أكثر من عامٍ تعدّ البوابة الوحيدة التي تتميز باجتماع الفرقاء السوريين على طاولة مفاوضاتٍ وجهاً لوجهٍ، خطوةٌ على الرغم من ضآلتها إلا أنها قد تكونُ الفرصة الحقيقية لوضع سوريا على سكة "الحلحلة".
لا يخفى على أحد بأنّ اللجنة الدستورية جاءت كمحاولة لكسب الوقت، وتمرير بعض الصفقات السياسية بين الأطراف الفاعلة على الأرض، إذ اتخذت صفة الحركة الدبلوماسية لإشغال الأطراف السورية من جهة، وتوجيه الرسائل الدبلوماسية للأطراف الدولية بقوالب سورية سورية.
ولكن بإمكان السوريين في حال توفرت النية الصادقة والجدية في التعاطي مع الملف السوري، انطلاقاً من ثوابت وطنية تركّز على أن المتضرر الوحيد من إطالة الأزمة إنما هو سوريا والمواطن السوري الذي بلغت معاناته حد المأساة، وأنّ الحلّ ليس إلا مطلباً سورياً لإنقاذ سوريا التي باتت على شفا حفرةٍ من التقسيم والاحتلال؛ جعلها فرصة حقيقية تقلب الطاولة على الأطماع الدولية لصالح المصلحة الوطنية العليا.
لا شكّ بأنّ اللجنة الدستورية لن تسفر عن حلّ جذريّ كون الأزمة السورية في حقيقتها ليست أزمة دستورية، ولكن يمكن استثمارها بجعلها خطوة حقيقية للتقارب والحوار السوري السوري، لا سيما وأنها في الاجتماع الذي عقد تحت مظلتها في جنيف في الرابع من كانون الأول/ديسمبر الجاري شهدت خطوة إيجابية في هذا المسار من خلال الأجواء الهادئة بين الوفود المشاركة وتأكيدها على الثوابت الحقيقية في الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها ومحاربة الإرهاب بالإضافة إلى الاتفاق على الموعد المقبل لانعقادها في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2021 وهي المرة الأولى التي تشهد فيها اجتماعات الأطراف السورية هذه الأجواء الهادئة والإيجابية على حد وصف المبعوث الأممي إلى سوريا "غير بيدرسون".
من الواضح أنّ التحركات العربية الساعية للحفاظ على سوريا موحدة والعمل على حل أزمتها بالطرق السلمية والسياسية وفق مبادئ القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ولا سيما القرار 2254 بالإضافة إلى التغيرات على الخارطة السياسية العالمية ألقت بظلالها على مسار عمل اللجنة الدستورية من خلال تعاطي الوفود المشاركة مع الملف بالتحرك قدماً وإنهاء حالة المراوحة والمراوغة، لا سيما وأن الواقع السوري على الأرض يعد صعباً وفي محنة حقيقية وبخاصة على الصعيد الاقتصادي الذي بات اليوم في الحضيض نتيجة العقوبات والحصار وتوزع مناطق النفوذ والسيطرة على الأرض بين اللاعبين الدوليين من أقصى الشمال الشرقي حتى أقصى الجنوب الغربي للبلاد، الأمر الذي أفقد جميع الأطراف السورية الكثير من الأوراق السياسية والعسكرية التي تراهن عليها سواء في المفاوضات السورية السورية أو المفاوضات السورية الدولية، مما جعل المرونة التي كانت مطلباً واقعاً مفروضاً عليها لتهيئة الظروف للخروج من المأزق الفئوي للأطراف وبالتالي الخروج من المأزق الوطني الذي لا يمكن الخروج منه ما لم تخرج كل الأطراف من مآزقها وتجاوزها لصالح سوريا والسوريين.
قد لا تكون هذه الظروف من صنع السوريين كما أن هذه الأجواء ربما تكون مفروضة بحكم الواقع السياسي والنفوذ الدولي، ولكن لا بد للسوريين من استثمار هذه الظروف والأجواء على مبدأ: إن هبت رياحك فاغتنمها، من أجل وضع القضية السورية على سكة الحل والمشروع السوري السوري، والعربي السوري، لا سيما وأنّ التحركات العربية اليوم تسير باتجاه احتواء القضايا العربية وبخاصة القضية السورية، مما يفرض على السوريين الانطلاق من الثوابت الوطنية لا الحزبية ولا الفئوية، كي لا تخرج سوريا من هذه المحنة مقسمة وبلا هوية كلقمة سائغة تُلاك بأنياب الاحتلال والنفوذ الإخواني أو العثماني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة