الرئيس بايدن رجل على مشارف الثمانين من عمره، تشرب السياسة الأمريكية بتجاذباتها الديمقراطية والجمهورية منذ العام 1972م، عندما دخل إلى مجلس الشيوخ بعمر صغير ليصنف سادس أصغر عضو في مجلس الشيوخ في تاريخ أمريكا.
وقد أعيد انتخاب بايدن ليكون عضواً في مجلس الشيوخ ست مرات، وقد سعى للترشح لرئاسة أمريكا عامي 1988 و2008م وفشل في ذلك، ولكنه في العام 2020 حقق هدفه بالوصول إلى سدة الحكم وفق أرقام قياسية، حيث اقترب عدد ناخبيه من الثمانين مليونا وهي سابقة تاريخية.
بايدن يأتي بعد ترامب الذي حكم أمريكا لمدة أربع سنوات وفق منهجية مختلفة عن كل الرؤساء الذين سبقوه، وقد خلف ظاهرة سياسية سوف تبقى طويلا كمجال للتحليل والتفسير، فالظاهرة الترامبية مختلفة عن الكثير من المسارات السياسية التي اعتاد عليها رؤساء أمريكا على مر العقود، ترامب أتى من خلفية تجارية بحتة، ووضع بصمته على السياسة الأمريكية بين عامي 2016-2020م، وخلال هذه السنوات الأربع تمكن من فرض نظرياته الاقتصادية على الواقع الأمريكي، ومن المؤكد أنه تسبب بالكثير من الأزمات ذات الطبيعة السياسية كنتيجة متوقعه لعدم قدرته على التعامل الفعال والعميق مع القضايا السياسية.
حتى بعدما أعلنت نتائج الانتخابات رأينا أمريكا وهي في أزمة كبرى، فالرئيس ترامب لم يعترف بفوز بايدن فورا، وكان من الواضح أنه لن يعترف بفوز منافسه، وظهر ذلك جليا خلال المناظرة الوحيدة التي جرت بينهما، والتي كشفت الكثير من القضايا المستقبلية، وخاصة أن ترامب تعامل مع الديمقراطية الأمريكية بجفوة صارمة، ولم يسمح للتقاليد أن تسيره خلال فترة الانتخابات وما بعد ظهور النتائج بل حث على الاعتراض، وكادت أمركيا تنزلق إلى مسار خطير يمكنه كسر الكثير من القواعد والقيم في السياسة الأمريكية، ويبدو بوضوح أن التقاليد السياسية الأمريكية هي من حرمت ترامب من الترشح لولاية ثانية.
خلال شهر نوفمبر الماضي شعر العالم بالخطر من خلال صراع كبير ظهرت ملامحه بين اليسار واليمين في أمريكا، وقد تكون هذه الفترة هي التي ستؤسس للفترة الأمريكية القادمة، وسوف تكون الديمقراطية الأمريكية أمام اختبارات صعبة أمام الأقليات التي من المتوقع أن تكون هي المسطيرة على المشهد السياسي الأمريكي بحلول العام 2040م، ومن هنا يأتي السؤال المهم كيف سيقدم بايدن أمريكا إلى العالم..؟
بايدن سياسي تقليدي وهو يأتي من المدرسة الديمقراطية ذات التقاليد العريقة في التعامل السياسي، وهو كما تشير التوقعات ربما لن يختلف كثيرا عن أوباما، وستكون فترته الرئاسية صعبة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فهو يريد أن يعيد أمريكا إلى مسارها الذي يعتقد هو أن الرئيس ترامب قد حاد عنه كثيرا، يبدو أن التركة الترامبية ثقيلة، ومن المؤكد أنها سوف تستهلك الكثير من جهد بايدن وخاصة على المستوى الداخلي حيث تصحيح الكثير من السياسات التي تم فرضها، الثقل الأمريكي مع الرئيس بايدن سوف يكون مشغولا في الشأن الداخلي الأمريكي وقد تمضي السنوات الأربع القادمة دون أن نشعر بذلك التغيير الفارق في سياسات أمريكا الخارجية عدا بعض القضايا الحيوية مثل قضية المناخ والسلاح النووي الإيراني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة