مع عودة المطالبات الشعبية في لبنان للنزول إلى الشارع لمواجهة جشع الطبقة السياسية وفسادها.
وتزايد السخط مع بدء الحكومة الدخول في مقايضة رفع الدعم باللجوء إلى ما تبقى من أموال المودعين، والتوقعات إلى هروب السلطات مجددا إلى الودائع البنكية لتجنب الخيار المرّ، ورغم التطمينات بأن أموال المودعين محفوظة ولا داعي للهلع، إلا أن ذلك يهدد بتعميق الاحتقان الاجتماعي من الطبقة السياسية التي لا تشعر بحجم الأزمة التي يمر بها البلد، بعدما تلاعبت بأسس تكوين لبنان وبالوحدة الوطنية، وبعثرت علاقات لبنان الدولية مما يفقد الشعب اللبناني الأمل في التصالح الداخلي ونبذ الصراع الطائفي والسياسي من أجل وطن موحد، يعيش فيه المسيحي والمسلم تحت كنف الولاء للدولة بلا فرقة، وهو ما يجعل الشعب يرفض أن يتراجع هذه المرة نتيجة ما وصل إليه من غليان؛ ربما هدأ لوقت قليل، لكن الثورة يبدو لي أنها أقلعت من جديد، ومطالبات التغيير ستستمر لعلم الشعب بأنه يتعاطى مع منظومة لن تسقط من ضربة واحدة، لكنها تهتزّ مع كل ضربة.
منطقيًا لا يمكن الاستمرار في نفس النهج وتوقع نتائج مختلفة، لذا كان لابد من تغيير النهج للحفاظ على الدولة من الخطر الداهم ؛ لأن أزمة لبنان الاقتصادية والمالية والنقدية لها أسبابها المعروفة من سياسات الاقتصاد الريعي، ونهجه الافتراضي إلى الهندسات المالية المرعية إيرانيًا إلى الرفض الدولي والإقليمي، لتقديم الدعم المباشر منعاً لشفط " تمويل أنشطة إيران المزعزعة لأمن المنطقة، ونتيجة الشكوك المتزايدة حول جدية السلطة الفاسدة في إماطة اللثام عن لغز انفجار المرفأ " الذي كلف البلد حوالي 2،5 مليار دولار، وظن الكثير أن التحقيقات ستكشف الحقائق ولو جزئياً عمن خزن وتسبب و كان وراء هذا العمل الشنيع و المريع وغير المسبوق في تاريخ المنطقة، وحتى و إن وجهت التهم لشخصيات مغلوب على أمرها بتهمة الإهمال و التقصير في قنبلة قضائية تزيد من اللغط في ظل التراجع المتسارع في احتياطي النقد الأجنبي، مع تزايد حاجة البلاد للنقد الأجنبي وتراجع وفرته محليا وسط هبوط حاد في سعر صرف الليرة، مما يوحي عن عجز تام في تنفيذ خارطة الطريق المقترحة لمساعدة لبنان على حل أزمته السياسية والاقتصادية.
التحذير الأممي من الكارثة الاجتماعية والمخاوف القاتمة التي يدخلها لبنان مع اقتراب أزمة إلغاء الدعم، دون ضمانات لحماية الفئات الأكثر ضعفا، سيصل إلى حد كارثة اجتماعية حقيقية، وخطر أكثر إلحاحاً متعلق بالأمن الغذائي؛ لأن لبنان على شفير عدم تمكنه من (إطعام نفسه) وأنه يمر بتسونامي صامت وقاتل في ظل عدم وجود وسيلة ممكنة لتخفيف أثر هذه الضربة، وهو ما يرجح استمرار تفاقم الفقر، ليعصف بما يزيد على نصف السكان بحلول عام 2021، ويؤكد أن لبنان الذي يتهدده "الجوع " قد دخل نفقا مظلما لن يخرج منه في أي وقت قريب، ليعيش واقعا مؤلما لا يمكن تجاهله والتغافل عنه، وأن المستقبل القريب والبعيد سيبقى قاتما إلى حد أكثر من المتوقع؛ لأن قرار البلد بقبضة حزب الله الذي يعمل وفقا لتعليمات إيران التي لها مصلحة في إبقاء الوضع اللبناني على حاله حتى يغير المجتمع الدولي سياسته تجاهها، فهي التي دمرت لبنان ما بعد حقبة رفيق الحريري؛ لأن لبنان القادر والقوي يعني إسقاط مشروعها بالوصول إلى شرق المتوسط عبر حزب الله حارس طهران الإرهابي، الذي يضع حزاما ناسفا، وعلى استعداد لتفجير نفسه باللبنانيين في سبيل بقاء الشيطان الأكبر.
ليبقى السؤال : ماذا تبقى من لبنان ؟
" لبنان الوطن " الذي فقد الجمال، ومات شعبه نفسيا بالفقر والضيق، ومات بكورونا ، لعل ما يطلبه من ساسته أن يحبوه قليلاً، وينتظر ماذا سيقدم له أبناؤه في المستقبل ؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة