نقاط المراقبة لم تكن بحاجة إلى آلاف الجنود والآليات العسكرية لحمايتها في ظل وجود الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة
لم يعد أحد يصدق أن إرسال مئات الدبابات والآليات العسكرية وآلاف الجنود الأتراك إلى شمال غربي سوريا هو لحماية وتعزيز نقاط المراقبة التركية فيما يسمى مناطق خفض التصعيد التي انبثقت عن اتفاقات "سوتشي"، خصوصاً أن معظم نقاط المراقبة هذه أصبحت محاصرة خلف خطوط الجيش السوري، ويتم إمدادها بموافقة الجيش السوري وبضمانة روسية.
نقاط المراقبة هذه التي سمح لأنقرة بإقامتها بناء على اتفاق "سوتشي" كانت مشروطة بتنفيذ تركيا الاتفاق الذي يقضي بإقامة منطقة عازلة ينسحب إرهابيو "جبهة النصرة" وحلفاؤهم منها إلى مسافة بين 10 و15 كيلومتراً لفتح وتأمين طريق حلب - دمشق الدولي، وتسليم أسلحتهم الثقيلة، إلى جانب فصل "المعارضة المعتدلة" عن الإرهابية، مع تعهد أنقرة بإيجاد حل للفصائل الإرهابية والمقاتلين الأجانب كخطوة تمهد لإيجاد تسوية شاملة للصراع، لكن أنقرة لم تنفذ أياً من هذه الالتزامات.
دفعت أنقرة بآلاف الجنود والآليات العسكرية إلى ريفي إدلب وحلب وراحت تقيم نقاط مراقبة جديدة، وتزود الإرهابيين بأحدث الأسلحة من راجمات صواريخ وأنظمة صاروخية مضادة للطائرات
كما أن نقاط المراقبة لم تكن بحاجة إلى آلاف الجنود والآليات العسكرية لحمايتها في ظل وجود منظومات متطورة للمراقبة عن طريق الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة لكشف الجهة التي تخرق اتفاق وقف إطلاق النار آنذاك.
وبدلًا من ذلك، استغلت أنقرة اتفاقات التهدئة ووقف إطلاق النار لإمداد الفصائل الإرهابية بالسلاح والعتاد ودفعها لشن مزيد من الهجمات على القوات الحكومية، الأمر الذي أدى إلى نفاد صبر دمشق وموسكو، ودفع الجيش السوري إلى اتخاذ قرار بالحسم العسكري والتخلص من جماعات الإرهاب مرة واحدة، وهو الأمر الذي فاجأ أنقرة، حيث جاء التقدم السريع للجيش السوري واستعادته السيطرة على أهم معاقل الإرهاب في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب، ثم تأمين طريق دمشق - حلب الدولي، ثم تأمين حلب ومحيطها بالكامل ليضع أنقرة أمام خيارين؛ هما إما الرضوخ والتنفيذ الصارم للاتفاقات ما يعني إخراج الإرهابيين من المنطقة، أو غض النظر عن تقدم الجيش السوري وتركه يقوم بهذه المهمة، وهما أمران يعنيان هزيمة تركيا ومشروعها العدواني التوسعي في ضم الشمال السوري وجعله نقطة انطلاق لفصائل الإرهاب لشن الهجمات في جميع أنحاء البلاد.
وتدرك أنقرة أنه إذا استتب الأمر لسيطرة الجيش السوري على شمال غربي البلاد، فإن الخطوة التالية لدمشق هي التوجه لتحرير شمال شرقي البلاد بالتعاون مع المقاتلين الأكراد و"قوات سوريا الديمقراطية". لذلك دفعت أنقرة بآلاف الجنود والآليات العسكرية إلى ريفي إدلب وحلب وراحت تقيم نقاط مراقبة جديدة، وتزود الإرهابيين بأحدث الأسلحة من راجمات صواريخ وأنظمة صاروخية مضادة للطائرات.
ولم تكتفِ بذلك، بل لجأت إلى إطلاق التهديدات ضد دمشق لسحب جيشها إلى ما قبل انطلاق عملياته الأخيرة، أي إلى ما وراء نقاط المراقبة المحاصرة، وهي تدرك أن دمشق لن تقبل بذلك ما ينذر بمواجهة مفتوحة مع الجيش السوري.
ولهذه الغاية طلبت أنقرة دعماً ملموساً من واشنطن وحلف "الناتو"، وهي تدرك أيضاً أنها تمارس التضليل، فلا واشنطن ولا "الناتو" سيأتيان لمساعدتها، ولن يقدما لها سوى الدعم الكلامي والمعنوي.
نقلاً عن "الخليج" الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة