«تدابير الاستجابة».. إنجاز COP28 الذي لم يتحدث عنه أحد
شهد مؤتمر COP28 مفاوضات ساخنة بشأن تدابير الاستجابة لتغير المناخ، انتهت بإنجاز لم يشر إليه على نطاق واسع، رغم أنه ينتصر للدول النامية.
تعد تدابير الاستجابة مكونا مهما في اتفاقية باريس وبروتوكول كيوتو، وهما أبرز اتفاقيتين عالميتين لمعالجة تغير المناخ، كما أنها تتداخل مع ملفات أخرى مثل الانتقال العادل والتنويع الاقتصادي وإزالة الكربون.
وعلى الرغم من أن التوقعات التي سبقت مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28)، أشارت إلى أن المعارك بشأن تدابير الاستجابة قد تطول خلال المفاوضات، إلا أن الأطراف نجحت، بعد تدخل من الرئاسة الإماراتية للمؤتمر، في التوصل لنص واضح واتفاق عادل بشأنها.
- من سيحصل على التمويل من صندوق الخسائر والأضرار؟.. 12 دولة عربية مؤهلة
- تعهدات COP28 بشأن الطاقة.. الكوكب ينتظر النتائج في 2030
ما هي تدابير الاستجابة؟
تسعى الأطراف المصدقة على اتفاق باريس لاتخاذ إجراءات قوية بشأن تخفيف الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، وذلك لتحقيق هدف الاتفاقية الرئيس المتعلق بالحد من ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، والذي يجنب السيناريوهات الكارثية المتوقعة لتغير المناخ في المستقبل.
في هذا السياق، تعرف "تدابير الاستجابة" بأنها التدابير المتخذة استجابة لتغير المناخ، مثل سياسات وإجراءات التخفيف التي تتخذها الأطراف لكبح الاحتباس الحراري.
منذ بداية مفاوضات المناخ، فسرت "تدابير الاستجابة" حصريًا على أنها تدابير تخفيف، ولا سيما التدابير التي تحد من إنتاج الوقود الأحفوري وتقلل الانبعاثات.
أثناء تنفيذ هذه التدابير، بمختلف أنواعها، لمكافحة تغير المناخ، ينتج عنها ما يعرف بآثار تنفيذ تدابير الاستجابة، وهي آثار إيجابية وسلبية، قد تنشأ داخل النطاق المحلي، أو تتحول إلى تأثيرات عابرة للحدود وتؤثر على دول أخرى.
اهتمت الاتفاقيات المناخية، كيوتو وباريس، بهذه القضية لأبعد حد، ودعت إلى تقييم الآثار المحلية والعابرة للحدود الناجمة عن تنفيذ سياسات وإجراءات التخفيف، سواء البيئية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وتحليلها ومعالجتها والإبلاغ عنها، سعيًا إلى تقليل السلبي منها إلى الحد الأدنى، وتعظيم الإيجابي منها لحده الأقصى.
يُلزم بروتوكول كيوتو الأطراف بالسعي لتقليل الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الضارة على الأطراف الأخرى، وخاصة البلدان النامية الأطراف.
كما ينص اتفاق باريس على أنه يجب على الأطراف أن تأخذ في الاعتبار عند تنفيذ بنود الاتفاق الاحتياجات والاهتمامات المحددة للبلدان النامية الأطراف ذات الاقتصادات الأكثر تأثراً بآثار تدابير الاستجابة، عند معالجة المخاوف المتعلقة بتغير المناخ.
كمثال على آثار تدابير الاستجابة السلبية، عندما تتخذ دولة إجراءات للتخلص من محطة كهرباء تعمل بالفحم واستبدالها بمحطة طاقة شمسية، يتسبب ذلك في فقدان عمال تعدين الفحم والمحطة المغلقة لوظائفهم، ما يهدد سبل عيشهم واستقرارهم.
لذلك، كان "الانتقال العادل" في النظام المناخي المتعدد الأطراف مرتبطًا منذ البداية بـ "آثار تدابير الاستجابة"، بمعنى أنه يجب ألا تتسبب هذه التدابير في أي ضرر لأي طرف من الأطراف أو فئة من فئات المجتمعات المحلية.
مسارات تدابير الاستجابة في دبي
في دبي، نظرت الأطراف إلى "تدابير الاستجابة" عبر مسارين: الأول يتعلق ببرنامج عمل تدابير الاستجابة (RMWP) الذي تأسس في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP17).
يشتمل البرنامج على حوارات حول التحولات العادلة للقوى العاملة، والتقييمات الاجتماعية والاقتصادية، وتنويع الاقتصادات، وخلق ظروف عمل لائقة ووظائف جيدة.
انتهت الحوارات بشأنه في COP28 إلى نص نهائي يحمل عددا من التوصيات للأطراف.
أما المسار الثاني كان في إطار المناقشات المتعلقة بالتقييم العالمي الأول لاتفاق باريس.
وفي هذا المسار، سيطرت تأثيرات التدابير التجارية المتعلقة بالمناخ، لحد كبير، على المفاوضات، التي جاءت على خلفية التوتر الذي سببته تأثيرات التدابير التجارية الأحادية المتعلقة بالمناخ التي اتخذتها بعض الدول الكبرى قبل انعقاد المؤتمر، كضريبة تعديل عدالة الكربون على الحدود الخاصة بالاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في أكتوبر/ تشرين الأول، وكذلك قانون إزالة الغابات الذي دخل حيز التنفيذ في أوروبا أيضًا في يوليو/ تموز.
على سبيل المثال، يحظر التشريع الذى أقره البرلمان الأوروبي بشأن الغابات، الواردات إلى دول الاتحاد من بعض المواد الخام والمنتجات المشتقة مثل زيت النخيل ولحم البقر وفول الصويا والقهوة والمطاط والخشب والشوكولاتة، على اعتبار أن تلك المواد تتسبب في إزالة الغابات لاستخراجها، ما يضر بالبيئة والمناخ.
تؤثر تلك الإجراءات على الدول المنتجة لهذه المواد، خاصة القهوة والشوكولاتة، والتي تتركز في دول أمريكا الجنوبية وجنوب آسيا وبعض دول أفريقيا، مما دفع هذه الدول للتعبير عن قلقها من القانون ومطالبة الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر فيه.
كما طلبت الدول المنتجة أيضًا من الاتحاد الاوروبي تعزيز مشاركتها في صياغة الإجراءات التنفيذية لهذا القانون، الذي اعتبرته بمثابة تدابير أحادية الجانب، كي لا يضر في النهاية صغار المزارعين والمنتجين داخلها.
بشكل عام، تسببت هذه التدابير الأحادية في مشاحنات تجارية وبيئية، في النصف الثاني من عام 2023، بين دول الشمال وبلدان الجنوب داخل منظمة التجارة العالمية.
تدابير الاستجابة التجارية في COP28
قبل 4 أيام من بدء مؤتمر COP28، قدمت مجموعة دول BASIC، الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، مقترحًا إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ورئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة لإضافة بند حول "التدابير التجارية الأحادية الجانب المتعلقة بتغير المناخ" إلى جدول أعمال COP28.
أدرجت الرئاسة هذا البند الإضافي في جدول الأعمال المؤقت لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، لكنه لم يدخل في الجدول النهائي.
مع ذلك، استمرت المناقشات بشأن تدابير الاستجابة في إطار الهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية والتقييم العالمي.
تبنت تكتلات البلدان النامية، مثل مجموعة الـ77 والصين والبلدان النامية متقاربة التفكير وBASIC، موقفًا يسعى لتجنب التدابير الأحادية التي تتخذها بعض البلدان لمواجهة تغير المناخ دون وضع تأثيرها على البلدان الأخرى في الاعتبار، في إشارة واضحة للسياسات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مؤخرًا، واعتبرت هذا الموقف أولوية قصوى بالنسبة لها في التقييم العالمي.
كما أشارت الدول النامية إلى أن "الحمائية التجارية"، وهي السياسات الاقتصادية التي تتخذ لتقييد الواردات من البلدان الأخرى لمساعدة الصناعات المحلية، كالتعريفات الجمركية على السلع المستوردة، يمكن أن تزيد من تكاليف تنفيذ اتفاق باريس.
ضرب البعض مثالًا بارتفاع تكاليف بناء المحطات الشمسية في بعض الدول، بسبب الضرائب الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على الألواح الشمسية الصينية، بحجة أن صناعة أجهزة الطاقة الشمسية في الصين، تعتمد بشكل كامل على الطاقة الناجمة عن حرق الفحم، مما يثير المخاوف بشأن البيئة والمناخ.
بشكل منفصل، اقترحت روسيا أن يأخذ التقييم بعين الاعتبار "المخاطر الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على التخلص التدريجي المتسارع من الوقود الأحفوري"، وتحديداً ما يؤثر على أسعار الكهرباء والبطالة.
وشددت على أنه لا يمكن قبول أي قيود على الوصول إلى التكنولوجيات التي تسهل التخفيف من تغير المناخ.
في المقابل، دافعت بعض البلدان المتقدمة، كالولايات المتحدة، عن هذه التدابير، مؤكدة رغبتها في الحصول على التأثيرات الإيجابية المترتبة على تدابير الاستجابة.
قالت الولايات المتحدة إن عدم تنفيذ تدابير الاستجابة، وخاصة من قبل كبار المسؤولين عن الانبعاثات، مع بناء بنية تحتية جديدة للوقود الأحفوري، لا يسهم في انبعاثات غازات الدفيئة العالمية فحسب، بل يهدد أيضا بخسارة الأصول وفقدان الوظائف الاقتصادية.
وأكدت أنه يمكن للانتقال العادل للقوى العاملة والتنويع والتحول الاقتصادي، بدعم من السياسات والاستثمارات المحلية القوية، أن يساعد في تسهيل الانتقال إلى اقتصاد خالٍ من غازات الدفيئة.
تصاعدت حدة المفاوضات بين الدول النامية والمتقدمة في هذا الصدد، وفشلا في الوصول إلى اتفاق، لدرجة أنه في 6 ديسمبر/كانون الأول، خلص رؤساء الهيئات الفرعية إلى أنهم غير قادرين على إنهاء العمل بشأن تدابير الاستجابة، وأحالوا النص إلى رئاسة مؤتمر الأطراف.
في 8 ديسمبر/كانون الأول، عينت رئاسة مؤتمر الأطراف، أندريه ماركو من هندوراس وجورج بورستينج من النرويج لإجراء مشاورات غير رسمية بشأن تدابير الاستجابة، وكانت تلك هي نقطة التحول في مسار المفاوضات.
إنجاز في النص النهائي
في النهاية، نجحت تدخلات رئاسة مؤتمر الأطراف في إنقاذ المفاوضات بشأن تدابير الاستجابة، ودفعت الأطراف للتوصل إلى اتفاق بشأن البنود العالقة وتجاوز الخلافات.
ظهرت تدابير الاستجابة في النسخة النهائية من التقييم العالمي، كقسم مستقل، من 17 بندًا.
يسلم النص النهائي بأهمية تحقيق أقصى قدر من الآثار الإيجابية والاقتصادية والاجتماعية لتنفيذ تدابير الاستجابة، والتقليل لأدنى حد من السلبية.
يشير النص إلى أنه يجب على الأطراف أن تأخذ في الاعتبار عند تنفيذ اتفاق باريس شواغل الأطراف ذات الاقتصادات الأكثر تأثراً بآثار تدابير الاستجابة، ولا سيما الأطراف من البلدان النامية.
ويقول إن الانتقال العادل للقوى العاملة وخلق فرص عمل لائقة ووظائف جيدة، والتنويع الاقتصادي، أمران أساسيان لتحقيق أقصى قدر من الإيجابية والتقليل من الآثار السلبية لتدابير الاستجابة، وأن الاستراتيجيات المتعلقة بالانتقال العادل والتنويع الاقتصادي ينبغي تنفيذها مع مراعاة الظروف والسياقات الوطنية المختلفة.
كما يشدد على الفرص والتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تنشأ عن الجهود المبذولة لتحقيق هدف درجة الحرارة المنصوص عليه في اتفاق باريس.
يشجع الأطراف على وضع منهجيات وأدوات لتقييم وتحليل آثار تنفيذ تدابير الاستجابة، بهدف التقليل إلى أدنى حد من الآثار السلبية، وتعظيم الآثار الإيجابية.
يدعو الأطراف، في جهودها الرامية إلى تنويع اقتصاداتها، لاتباع السياسات ذات الصلة بطريقة تعزز التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، مع مراعاة الظروف الوطنية.
على جانب آخر، انتصر النص النهائي للتقييم العالمي للدول النامية في مسعاها لإلغاء الحواجز التجارية الأحادية، التي أثيرت المخاوف بشأنها أثناء المفاوضات.
تضمن القسم المتعلق بالتعاون الدولي إشارة صريحة إلى تدابير الاستجابة والحواجز التجارية "الأحادية"، مؤكدًا أنه ينبغي للأطراف أن تتعاون على تعزيز نظام اقتصادي دولي داعم ومفتوح يهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامين في جميع البلدان، وبالتالي تمكينها من معالجة مشاكل تغير المناخ بشكل أفضل.
وينص بوضوح على أن التدابير المتخذة لمكافحة تغير المناخ، بما في ذلك الإجراءات الأحادية، يجب ألا تشكل وسيلة للتمييز التعسفي أو غير المبرر أو تقييدًا مقنعًا للتجارة الدولية.
aXA6IDMuMTQ0LjI0OS42MyA= جزيرة ام اند امز