انتهى المؤتمر العالمي لأطراف اتفاقية المناخ (COP28) الذي استضافته دولة الإمارات هذا العام بنجاح شهد له الجميع بأنه غير مسبوق.
مؤتمر المناخ، مثله مثل أي توجه عالمي يحتاج إلى وقت ومتابعة وخطوات متتالية لإتمام نجاحه. وبالتالي لا تزال هناك عقبات مطلوب تجاوزها وأهداف لا بد من العمل على تحقيقها، لكي يكتمل نجاح COP28 ويحقق الغايات القصوى المنتظرة من جهود مواجهة التحدي المناخي.
فمثلاً، توجد بعض الملفات والقضايا التي تصدى لها المؤتمر العالمي للمناخ بالفعل في دورته الأخيرة، لكنها تحتاج إلى خطوات تنفيذية وتعاون بين مختلف الأطراف لإنجاح ما تم التوصل إليه في COP28. ومن أبرز تلك القضايا: شُح المياه، وهي قضية ليست جديدة لكنها تزداد أهمية وخطورة بمعدلات متسارعة.
وقد كان اهتمام COP28 بها، بمثابة جرس إنذار للعالم وتنبيه بضرورة التركيز عليها كمصدر تهديد عابر للحدود، فهي قضية شاملة لا تقتصر على وجهها البيئي فقط وإنما أيضاً لها أبعاد أمنية وسياسية. فضلاً عن التداعيات الأخرى المترتبة على جوانبها البيئية، كالمخاطر الصحية على المجتمعات وتصحر الأراضي الزراعية وتلوث الموارد والمنتجات الغذائية الزراعية والمائية.
بالتالي فإن التوافق العالمي حول النواحي التقنية والعلمية فيما يتعلق بالمناخ والبيئة، لا يعني أنها محسومة بشكل نهائي خصوصاً فيما يتصل بالخطوات العملية والإجراءات التنفيذية المطلوبة لتحويل التعهدات والالتزامات العامة إلى واقع على الأرض، أي المتطلبات الضرورية لإدخال ما توصل إليه COP28 حيز التنفيذ الفعلي، خصوصاً في الملفات المرتبطة بشكل غير مباشر بالمناخ والبيئة، لكنها تؤثر مباشرة أيضاً وبشكل وثيق في مجالات محددة ذات صلة.
ورغم المخصصات المالية الضخمة التي نجحت الإمارات في استجلابها خلال COP28، وحجم التمويل الضخم الذي قدمت جزءا كبيرا منه بنفسها، وأمّنت بقيته بمساهمة أطراف أخرى، فإن التكلفة الباهظة للوصول إلى الهدف الإنساني العالمي الكبير (الحياد المناخي) ستظل هاجساً يؤرق البشرية.
وهنا تبرز أهمية صندوق الأضرار الذي نجحت دورة COP28 في الإمارات في استصدار قرار بتنفيذه. وخاضت الدول النامية في هذه الدورة مفاوضات صعبة لتجنب تحديد مقر الصندوق أو إدارته بواسطة دولة صناعية أو غربية كبرى.
ونجحت الدول النامية بالفعل في تكليف البنك الدولي باستضافة وإدارة الصندوق مؤقتاً. بينما لا تزال تفاصيل وترتيبات أخرى مهمة غير محددة. ومنها آليات عمل الصندوق، وسبل الصرف منه، والأطراف المستحقة، ووفق أي معايير.
ومن ناحية أخرى، فإن التوازن في تحمل الأعباء المرتبطة بالتحدي المناخي بين مختلف الدول، يمثل بدوره مصدر قلق لكثير من الدول التي قد لا تملك القدرات الذاتية على الاضطلاع بالمهام والأعباء المطلوبة.
بل إن معظمها دول لم تسهم بأي درجة في تدهور البيئة أو الاختلالات المناخية، بل هي فعلياً ضحية التلوث البيئي وإخلال الدول الصناعية الكبرى بالمعايير البيئية المقررة منذ عقود.
وهي مفارقة أن الدول الفقيرة وغير الصناعية التي لم تلوث البيئة ولم تسهم في الاحترار المناخي، تجد نفسها مطالبة بالمشاركة في تصحيح تلك الكوارث التي تسببت فيها الدول الكبرى وحدها، بعد أن استفادت منها وحدها أيضاً.
ولذلك، فإن مستقبل مواجهة التحدي المناخي مرهون بكيفية تنفيذ وتفعيل تلك الاتفاقات والتفاهمات التي جرت خلال COP28وهو ما يعني الارتباط الكامل بإرادة الدول وقرارات كل منها بالمضي قدماً نحو التنفيذ الفعلي. وهي أيضاً معضلة أخرى تواجه الدول الصناعية والمتقدمة اقتصادياً، حيث عليها أن تختار بين مستقبل أفضل للبشرية بالمفهوم الشامل والمتوازن للمستقبل، أي الصحة الجسدية والسلامة العقلية للبشر، بالتوازي مع التقدم الصناعي والاختراعات التكنولوجية والرفاهية الاقتصادية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة