دافنشي في COP28.. قصة «صفر نفايات» كيف بدأت؟
أعلنت وزارة التغير المناخي والبيئة الإماراتية وتدوير "شركة أبوظبي لإدارة النفايات"، رسميا إطلاق مبادرة "صفر نفايات" خلال مؤتمر COP28.
خطوة مهمة يعدها مراقبون "تاريخية" تهدف إلى توحيد جهود دول العالم وتعزيزها في مجال إزالة الكربون الناتج عن قطاع النفايات، وإنشاء منصة للاقتصاد الدائري، ما يعكس التزام دولة الإمارات بتحقيق مستهدفات الاستدامة.
المبادرة تعكس حرص دولة الإمارات على تعزيز التعاون الدولي وإيجاد الحلول المبتكرة للحد من ظاهره تغير المناخ، وتوجيه الجهود الإماراتية للتواصل مع جميع الشركاء للتعاون لتفعيل حلول قابلة للتطوير لإزالة الكربون من سلسلة قيمة إدارة النفايات.
- قصة أمل من جنوب السودان في COP28.. «ماديير» العائد لوطنه
- إعلان COP28 للإغاثة والتعافي والسلام.. قراءة متأنية (تحليل)
ويرتبط هذا بشكل مباشر بإحدى ركائز التنفيذ الرئيسية لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين COP28، وهو وضع الحياة وسبل العيش في قلب عملية المناخ.
ووفقا للتحالف الدولي للنفايات الصفرية (GAIA) فإن "صفر نفايات يعني "الحفاظ على جميع الموارد عن طريق الإنتاج والاستهلاك وإعادة الاستخدام والاستعادة المسؤولة للمنتجات والتعبئة والمواد دون حرق، وبدون تصريفات في الأرض أو الماء أو الهواء تهدد البيئة أو صحة الإنسان".
ولكن من أين بدأت قصة "صفر نفايات" كحلقة وركيزة في الاقتصاد الدائري ودعم جهود المناخ والبيئة؟.. "العين الإخبارية" ترصد بداية الحكاية.
دافنشي في COP28
رغم مرور أكثر من 500 عام على وفاة ليوناردو دافنشي (1452 - 1519)، الفنان والمخترع الإيطالي الأسطوري الذي عاش في عصر النهضة صاحب أشهر لوحة في التاريخ "الموناليزا" تظل أفكاره بشأن "صفر نفايات" حاضرة في أذهان رواد العمل المناخي، لتتحول إلى مبادرات قابلة للتنفيذ تخدم الحياة على كوكب الأرض.
يعتقد على نطاق واسع أن دافنشي وقبل خمسمائة عام وضع كتاب "لا يوجد شيء اسمه نفايات"، كاستجابة لمراقبة العالم الطبيعي، ليجد أن "المنتج الثانوي في صناعة ما يجب أن يكون نقطة الانطلاق لمنتج آخر".
تبدو كلمات دافنشي على صلة إلى حد كبير مع الإطار العام لمفهوم الاستهلاك والإنتاج المستدامين في العالم الحديث.
وفي سبتمبر/أيلول من عام 2015، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي تضمنت 17 هدفاً عالمياً وطموحاً لمواجهة التحديات والشكوك المتزايدة في عالمنا.
وضمن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وتحديدا البند رقم 12 في الخطة يتعلق بالاستهلاك والإنتاج المسؤولين.
ويتمحور هذا الهدف حول تعزيز كفاءة استخدام الموارد والطاقة، أو بشكل أبسط، بذل المزيد من الجهد وعلى نحو أفضل ولكن بتكلفة أقل.
ويزداد في عالمنا الاستهلاك المادي للموارد، بينما تواجه البلدان تحديات تلوث الهواء والماء والتربة وتختبر فيه التأثيرات الحقيقية لتغير المناخ، ما يتطلب أن نأخذ بعين الاعتبار كيفية الحد من تأثيرنا على البيئة من خلال الحد من النفايات واتخاذ الخيارات الصحيحة والمستدامة.
وحسب إميلي كيبل، الباحثة في ي المركز الدولي لدراسة وصون وترميم الممتلكات الثقافية، يتطلب تنظيم نشاط "صفر نفايات" التواصل الجيد والتعاون والالتزام من جميع المعنيين، بما في ذلك القيادة والمنظمون والشركاء والموردون والمقاولون والمشاركون.
ويعتمد العمل الذي يسعى إلى تحويل أكبر قدر ممكن من النفايات من المكب على فهم مقدار النفايات المتولدة في المقام الأول.
وغالباً ما يبدأ ذلك بعملية تدقيق أو تطبيق وسيلة لقياس النفايات الناتجة، وإذا كان يتعذر القضاء على استهلاك المواد، فإن الأمر يتطلب تخطيطاً دقيقاً لتقليل كمية المواد المستهلكة، إلى جانب التفكير الإبداعي لتحديد المواد التي يمكن إعادة استخدامها أو إعادة تدويرها.
أول مبادرة من نوعها
أكدت مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة في الإمارات خلال مؤتمر الأطراف COP28 على هامش الإعلان عن الإطلاق الرسمي لمبادرة "صفر نفايات" وتولي رئاستها لدفع أهدافها الطموحة إلى الأمام، إن مبادرة "صفر نفايات" الطوعية، الأولى من نوعها في العالم.
وتسعى المبادرة إلى خفض انبعاثات القطاع بما يتماشى مع اتفاق باريس وتوجهات الاقتصاد الدائري. ومن خلال ذلك نهدف إلى مناقشة جميع الحلول الممكنة بدءاً من تقليل النفايات إلى تطوير البنية التحتية لتحويل النفايات إلى طاقة، ووصولاً إلى التحول نحو الاقتصاد الدائري".
من جانبه، قال المهندس علي الظاهري، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ"تدوير": "يشكل هذا التعاون خطوةً مهمةً في إطار جهودنا الرامية إلى مواجهة تحديات التغير المناخي، إذ تعتبر مبادرة "صفر نفايات" منصةً للحوار وزيادة الوعي بأهمية إيجاد الحلول للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن قطاع النفايات".
وتابع: "بشراكتنا مع وزارة التغير المناخي والبيئة، وشركة رونالد برجر، نتطلّع إلى إحداث التغيير الإيجابي والمساهمة في بناء مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة للجميع".
وقال هاني طعمة، الشريك الإداري في شركة "رونالد برجر الشرق الأوسط: "تشكل مبادرة صفر نفايات علامة فارقة في مسيرتنا التي تلتزم بإيجاد حلول مستدامة لتقليل البصمة الكربونية الناتجة عن قطاع إدارة النفايات".
وتابع: "نهدف من خلال هذه المبادرة إلى تحويل أزمة النفايات العالمية إلى فرصة للنمو والتجديد والمرونة، خاصةً في ضوء انعقاد مؤتمر COP28 الذي يشكل منصة مناسبة لتسليط الضوء على أهمية إيجاد حلول مبتكرة.. نتطلع للمساهمة في عالم أكثر اخضراراً واستدامة بالتعاون مع وزارة التغير المناخي والبيئة وشركة تدوير".
هدف "صفر نفايات"
يولد عالمنا حاليا 2.01 مليار طن من النفايات سنويًا، وما لم يتم اتخاذ إجراء كبير، فمن المتوقع أن تزداد النفايات بنسبة 70٪ لتصل إلى 3.4 مليار طن بحلول عام 2050 كل دقيقة، ومن هنا تبرز أهمية المبادرة الإماراتية.
يتم إلقاء شاحنة قمامة واحدة من البلاستيك في محيطاتنا، مما يؤدي إلى تلويث ليس فقط محيطاتنا وكذلك أجسامنا تحتوي على مواد بلاستيكية دقيقة في طعامنا وهوائنا ومياه الشرب.
ويتم حرق النفايات في المحارق حول العالم، مما يتسبب في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والمعادن الثقيلة والملوثات العضوية الثابتة التي تسمم المجتمعات المحيطة، الإضرار بشكل غير متناسب بالمجتمعات ذات الدخل المنخفض، والمجتمعات الملونة، والمجتمعات المهمشة، والعديد من المجتمعات في جميع أنحاء جنوب الكرة الأرضية.
وتتطلب معالجة أزمة النفايات الحالية تغييرًا منهجيًا.
"صفر نفايات" هو حل حقيقي وهدف مهم يتحقق من خلال السياسات والبرامج والبنية التحتية لتقليل تدفقات النفايات البلدية وإدارة ما تبقى بشكل مستدام، ويمكن للمدن دعم التنمية الاقتصادية المحلية وسبل العيش، وتحسين جودة الهواء، والتخفيف من تغير المناخ.
"صفر نفايات" طموح، لكنه ليس بعيد المنال ولا جزء من مستقبل بعيد المنال. في البلدات الصغيرة والمدن الكبيرة، في المجتمعات الغنية والفقيرة، في الشمال والجنوب العالمي، تحرز الخطط المبتكرة المعمول بها اليوم تقدمًا حقيقيًا نحو هدف صفر نفايات.
ولا يعني التخطيط لمدينة أو مجتمع خالٍ من النفايات بالضرورة عدم إنتاج أي نفايات، فكما هو الحال مع العديد من السياسات الأخرى، فإن "صفر نفايات" هو مسار لتجنب الهدر من خلال التخلص في النهاية من المواد التي لا يمكن إعادة استخدامها أو إعادة تدويرها أو تحويلها إلى سماد بأمان.
وعلى غرار مدينة تضع هدفًا لحدوث صفر وفيات بين المشاة، تؤكد أهداف "صفر نفايات" أن نظامنا الحالي غير مقبول.
ومن خلال تنفيذ خطط "صفر نفايات"، تبني المدن السياسات والبرامج والبنية التحتية اللازمة للاقتراب من هدف الصفر قدر الإمكان.
وتتخذ المدن حول العالم بالفعل إجراءات لتحقيق صفر نفايات، والتزمت 400 بلدية بعدم وجود نفايات في أوروبا وحدها، وفي جميع مدن أوروبا وآسيا يقومون بنمذجة حلول صفر نفايات التي تقلل من النفايات بنسبة تصل إلى 80٪.
ومن خلال ريادتها لأنظمة صفر نفايات، وفرت هذه المدن الأموال، وخفضت بشكل كبير من كمية النفايات التي تولدها، وخلق وظائف مستدامة.