مصر ليست بلداً طائفياً، ولم تشهد على مدى تاريخها صراعات طائفية، لذلك فشلت مخططات تقسيمها، فنجت من مصير آلت إليه دول أخرى عصف بها الربيع العربي، وأصابت شظاياه بناءها الاجتماعي
مصر ليست بلداً طائفياً، ولم تشهد على مدى تاريخها صراعات طائفية، لذلك فشلت مخططات تقسيمها، فنجت من مصير آلت إليه دول أخرى عصف بها الربيع العربي، وأصابت شظاياه بناءها الاجتماعي. عجزت قوى خارجية وجماعات وتنظيمات داخلية وناشطون و «ثورجية» عن تأجيج صراعات بين سنة وشيعة فحاولوا تفتيت جيشها بحملات متلاحقة من الأكاذيب والفبركات، أملاً في إحداث انشقاقات أو صراعات أو معارك بين قطاعاته أو أفراده، وعندما وجدوا الجيش متماسكاً وقادته وأفراده يدفعون حياتهم ثمناً لبقاء الدولة عادوا إلى مسلكهم القديم ومارسوا لعبة الفتنة الطائفية، واتجه «الشغل» إلى ملف الأقباط، وعلى رغم أن التاريخ، سواء القديم أو الحديث، لم يشهد مواقف معادية من الدولة الرسمية تجاه الأقباط، إلا أن محاولات ضرب أسافين الفتنة لم تتوقف ولم تهدأ ولم تنته.
في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، لفتت أحداث منطقة الزاوية الحمراء، التي حظيت باهتمام غير مسبوق من جهات أجنبية ووسائل إعلام غربية، الانتباه إلى حساسية الملف، وإلى سهولة استغلاله لضرب التماسك الاجتماعي الداخلي، وإلى سعي أعداء مصر إلى اقتناص أي واقعة، وإن كانت مجرد مشاجرة بين مواطنين مصريين أحدهما مسلم والآخر مسيحي، والنفخ فيها وتصويرها على أنها فتنة طائفية تضرب البلاد وتستلزم من المجتمع الدولي التدخل لوأدها. جاء الشريط المصور الأخيرة لتنظيم «داعش» في سيناء ثم جرائم قتل الأقباط هناك ضمن ذلك السياق، فالتنظيم الذي نفذ أحد عناصره عملية انتحارية وفجر الكنيسة البطرسية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، لاحظ اهتمام الدوائر الغربية بتداعيات العملية، فأراد اللعب على وتر يوجع الحكم. بالطبع اهتمت وسائل الإعلام بإقدام عناصر التنظيم في مدينة العريش في سيناء وبعض القرى المحيطة على قتل عدد من الأقباط، لكن وسط عشرات الأخبار والتقارير المكتوبة والمصورة حول الموضوع غابت المعلومات عن مئات من أبناء الجيش والشرطة استشهدوا جراء عملية التنظيم من دون أن يعرف أحد ما إذا كانوا مسلمين أو أقباطاً، علماً أن عناصر التنظيم قتلوا إمام مسجد تجاوز الثمانين من عمره قبل أسابيع، وذبحوا مواطنين مسلمين آخرين بدعوى تعاونهم مع الدولة المصرية.
الهدف واضح ولا يحتاج إلى شرح أو تفسيرات، فـ «داعش» الذي يتهاوى في سيناء كما ينهار في دول أخرى، اعتقد أن التركيز على قتل الأقباط سيُربك الحكم وسيقلب الأقباط على السيسي، ويفتح المجال واسعاً أمام الإخوان وآلتهم الإعلامية الضخمة وناشطي الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لاتهام الحكم بالتقصير. جاء رد فعل الكنيسة الأرثوذكسية تاريخياً، وانتبه الناس إلى أنها اللعبة نفسها التي لجأ إليها «الإخوان» بعدما ثار الشعب على حكمهم وعزل محمد مرسي عن المقعد الرئاسي، فلجأوا إلى الصيد في مياه الفتنة، واعتدوا على أكثر من 80 كنيسة في محافظات مصرية مختلفة، خصوصاً في الصعيد، ونشط أعضاء الجماعة في محاصرة قرى ذات غالبية سكانية للأقباط في الصعيد بحثاً عن تدخل أجنبي فشلوا في تحقيقه لإنقاذ الجماعة، فسعى التنظيم إلى تحقيقه بدعوى إنقاذ الأقباط!! لا تستغرب أن تجد الإخوان يصرخون دفاعاً عن أقباط سيناء، وأن تشاهد على قنواتهم تقارير تبكي ترحيل عائلات قبطية من العريش إلى الإسماعيلية، وأن تطالع ما أفرزته لجانهم الإلكترونية حول مأساة التهجير التي يعانيها الأقباط في سيناء، فالجماعة تعتقد أنك نسيت مشاهد جموع الإخوان وهي تحرق الكنائس، وتغريدات الشماتة عقب تفجير البطرسية.
لا فرق بين جماعة «الإخوان» و «داعش» بالنسبة إلى الحكم أو الموقف من السيسي أو الرغبة في الثأر من الشعب المصري بمسلميه وأقباطه، والجيش المصري لا يخوض حرباً نظامية ضد جيش آخر في سيناء، فــ «داعش» لا يسيطر على متر واحد من الأرض، ولا يرفع التنظيم علمه إلا خلسة للتصوير أمام كاميراته ثم يخفيه بسرعة قبل أن تذوب عناصره بين الأهالي، أو يختفون داخل الكهوف، أو يتسربون إلى الوديان وقلب الصحراء. المعركة ضد الإرهاب تحتاج نَفَساً طويلاً، والدولة المصرية خاضت على مدى عقود مواجهات ضد «الإخوان» و «التكفير والهجرة» و «الناجون من النار» و «الجماعة الإسلامية» و «جماعة الجهاد» و «القاعدة»، والآن تخوضها ضد «داعش» الذي تحول إلى المدنيين الأقباط بعدما عجز عن إلحاق هزيمة بالشرطة أو الجيش، وليس هناك أسهل من مطاردة واستهداف بعض المدنيين العزل وترويع الآخرين ليتصور العالم أن التنظيم ما زال مسيطراً، خصوصاً إذا كان هناك ناشطون و «إخوان» سيؤدون مهمة الترويج والتزييف.. والشماتة!!
*نقلاً عن " الحياة "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة