لقد لفتت هذه الأزمة الإنسانية العالمية انتباه جميع دول العالم المتقدمة منها والنامية إلى أهمية إيلاء الأمن الصحي الاهتمام اللازم
كشف وباء كورونا المستجد عن جوانب كثيرة من الاختلالات الهيكلية في العالم، لعل أهمها وأوضحها هو تراجع الاهتمام بمفهوم الأمن الصحي لحساب جوانب أخرى للأمن، لا سيما الأمن العسكري، الذي شهد نمواَ مطرداً على مدى السنوات والعقود الماضية حتى قارب حجم الإنفاق عليه من حاجز التريليونين دولار العام الماضي، قبل أن يكشف وباء "كوفيد 19" للعالم عن أن الأمن الصحي لا يقل أهمية عن الأمن العسكري، وأن توجيه قدر ولو بسيط من الموارد نحو الاهتمام بهذا البعد من أبعاد الأمن الإنساني كفيل بأن يحمي البشر من أضرار ومخاطر تفوق بكثير مخاطر الصراعات والحروب العسكرية.
نحن في دولة الإمارات محظوظون بوجود قيادة سياسية أدركت منذ البداية أن الأمن مفهوم شامل، وأن جميع أبعاده مهمة ومترابطة، ولذا اهتمت بالأمن بمفاهيم التقليدية، العسكرية والأمنية، بنفس ذات الاهتمام بأبعاده الإنسانية الأخرى، ولا سيما البعد الصحي.
لقد كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، معبراً وبحق عن هذه الحقيقة التي كشفها وباء كورونا بخصوص أولوية الاهتمام بالصحة كمحرك لكل شيء، عندما كتب سموه في حسابه على "تويتر"، قائلاً: "بقي العالم لسنوات يتجادل.. من يقود الآخر، هل تقود السياسة الاقتصاد؟ أم الاقتصاد يقود السياسة؟ من العربة ومن الحصان؟ واكتشفنا في زمن كورونا أن الحصان وعربته تحملهما الصحة وتقودهما مرغمين حيث تريد، وأن السياسة والاقتصاد يتقزمان أمام فيروس يجعل دهاة العالم في حيرة وخوف وتيه".
لقد رأينا خلال الأسابيع الماضية كيف عانت، وتعاني، دول متقدمة اقتصاديا ومتطورة طبيا وتكنولوجياً، في توفير المتطلبات الصحية الأساسية لمواطنيها لمواجهة هذا الوباء، بدءاً من أجهزة التنفس الاصطناعي وصولاً إلى أبسط الأمور مثل توفير الكمامات وأدوات التنظيف والتعقيم الشخصية، وكيف لقي أطباء وممرضون وعاملون في القطاع الطبي حتفهم بسبب غياب مثل هذه الأمور البسيطة. كما تابعنا الأخبار المتداولة في وسائل الإعلام الغربية والدولية التي تتهم دول كبرى بالقيام بأعمال قرصنة وسطو على شحنات من هذه المستلزمات الطبية الموجهة لبلدان أخرى، تعاني أيضاً من عدم توفرها، بعد أن تفاقم انتشار الوباء ليصيب عشرات، بل ومئات الآلاف داخل هذه البلدان، وفق سيناريو كان يصعب تخيله من قبل، وبشكل لم تستطع النظم الصحية القائمة في هذه البلدان، على تطورها وكفاءتها، من استيعابه والتعامل معه.
لقد لفتت هذه الأزمة الإنسانية العالمية انتباه جميع دول العالم، المتقدمة منها والنامية، إلى أهمية إيلاء الأمن الصحي الاهتمام اللازم كأحد أهم أبعاد الأمن الإنساني بمفهومه الشامل. ومن المتوقع أن تغير هذه الأزمة بشكل كبير من أولويات الإنفاق داخل العديد من بلدان العالم، بحيث تزيد من الإنفاق على القطاعات الصحية، بما في ذلك البنية التحتية من مستشفيات ومؤسسات رعاية طبية، وكذلك البنية البحثية والعلمية من خلال التوسع في الأبحاث والدراسات التي تركز على إنتاج العلاجات الكفيلة بمواجهة الأوبئة بأساليب أكثر فاعلية وسرعة في الاستجابة مقارنة بما حدث في الأزمة الحالية، والاهتمام بصورة أكبر بالعلوم الصحية والبيئية، بعدما اتضح للجميع أن إنتاج جهاز تنفس اصطناعي قد يفوق في أهميته إنتاج صاروخ عابر للقارات، وأن اكتشاف علاج لفيروس وبائي، قد يغير موازين القوى الدولية، مثلما يحدث في حالة تمكنت إحدى القوى الدولية من ابتكار سلاح نوعي يغير موازين القوى لمصلحتها.
نحن في دولة الإمارات محظوظون بوجود قيادة سياسية أدركت منذ البداية أن الأمن مفهوم شامل، وأن جميع أبعاده مهمة ومترابطة، ولذا اهتمت بالأمن بمفاهيم التقليدية، العسكرية والأمنية، بنفس ذات الاهتمام بأبعاده الإنسانية الأخرى، ولاسيما البعد الصحي، فعملت منذ سنوات التأسيس الأولى على بناء منظومة صحية متماسكة وقوية، أثبت بالفعل جدارتها وقوتها خلال هذه الأزمة العالمية الخطيرة، لتؤكد للعالم كله أن نموذج الإمارات الريادي هو نموذج شامل ومتعدد الأبعاد. فشكراً لقيادتنا الرشيدة التي وضعت مفهوم الأمن الصحي في مقدمة أولوياتها، وسخرت كل الموارد لتوفير بيئة صحية آمنة لجميع القاطنين أرضها الطيبة. وشكراً لأبطالنا البواسل الذين يقودون جبهة المعركة الأمامية في مواجهة هذا الوباء، وأقصد بهم الأطباء وكافة العاملين في الكادر الطبي، والذين أثبتوا درجة عالية من الكفاءة والبطولة في إدارة هذه المعركة وتحقيق الانتصار فيها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة