كورونا يفشل في زحزحة الدولار عن عرش العملات
مؤشر "دولار إندكس" ارتفع بأكثر من 6% مقارنة مع المستوى الأدنى لهذا العام في مطلع مارس.
يترنح الاقتصاد الأمريكي بقوة على وقع التفشي المتسارع لفيروس كورونا المستجد الذي دفع بملايين الأمريكيين إلى البطالة، غير أن هذه الإحصاءات المقلقة لم ترتد سلباً حتى الإثنين على الدولار الذي لا يزال في وضع قوي.
وشهد مؤشر "دولار إندكس"، الذي يقيس قيمة العملة الخضراء في مقابل سلة عملات أخرى، ارتفع بأكثر من 6 % مقارنة مع المستوى الأدنى لهذا العام في مطلع مارس/آذار.
وقد حقق سعر صرف الدولار ارتفاعاً في مقابل اليورو بنسبة 3.5% منذ الأول من يناير/كانون الثاني.
وقفز مؤشر الدولار الأمريكي إلى 100.82 من 100.70، فيما هبط الجنيه الإسترليني إلى 1.224 دولار من 1.230 دولار في وقت سابق عقب أنباء نقل رئيس الوزراء البريطاني إلى العناية المركزة.
فيما صعد اليورو إلى 0.883 بنس مقابل الإسترليني من 0.878 بنس، بعد هذا التقرير.
طلب مرتفع
ويعود الارتفاع في قيمة العملة الأمريكية قبل أي شيء إلى كونها الأكثر طلباً في العالم.
ففي أوقات الأزمات التي يبحث خلالها المستثمرون عن ملاذات استثمارية آمنة، يبدو أن هذا الموقع يتعزز.
ويتحدث كيت جوكس المسؤول العالمي عن استراتيجية سوق العملات في مصرف "سوسيته جنرال" الفرنسي عما يسميه "امتيازا مفرطا للدولار".
ولفت إلى وجود "أناس كثر يريدون باستمرار الحصول على الكثير من الدولارات.. طالما أن الوضع كذلك سيكون ممكناً الاستمرار في إصدار الأوراق النقدية دون إضعاف العملة".
وأشار جوكس إلى أن هذا الطلب على الدولار يسجل خصوصاً في البلدان النامية التي تستحوذ الديون بالدولار على القسم الأكبر من مديونيتها.
ولهذا لم تؤد التدخلات المتكررة للاحتياطي الفدرالي الأمريكي (البنك المركزي) في الأسابيع الماضية للتأكد من وجود سيولة كافية في السوق، إلى ارتفاع فعلي في قيمة الدولار.
ومن جهته يقول جو مانيمبو من مجموعة "ويسترن يونيون" لتحويل الأموال، إن "التدابير التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي لتسهيل توفر الدولار والنفاذ إليه في العالم، أدت في أحسن الأحوال إلى إبطاء وتيرة ارتفاع قيمة العملة".
وأوضح أن الطلب على الملاذات المالية في الجو السائد كان أكبر من تأثير خطوات الاحتياطي الفيدرالي على الدولار.
وتابع: "السبب الآخر في جاذبية العملة الأمريكية يكمن في الحاجة الملحّة لدى الشركات إلى الأموال النقدية في ظل تراجع إيراداتهم في جو الأزمة الحالي".
ويبقى الدولار في موقع قوي أيضاً لكونه أكثر العملات تداولاً في العمليات اليومية في سوق القطع النقدية في العالم.
ولذلك أعلن الاحتياطي الفيدرالي، منتصف الشهر الماضي، تسهيل مبادلات العملات مع مصارف مركزية أخرى عدة لتمكينها من زيادة احتياطيها من العملة الخضراء.
معادلة جديدة
ويعزو دانيال كاتزيف من مصرف "بي أن بي باريبا" ارتفاع سعر الدولار في مقابل اليورو إلى "عدم وجود رد ضريبي منسق في منطقة اليورو" ما انعكس سلباً على العملة الأوروبية الموحدة.
وهو يشير إلى أن العملة الأمريكية أفادت أيضاً من التراجع الكبير منذ مطلع العام في أسعار النفط المحددة بالدولار، ما عزز موقع العملة الخضراء في مقابل عملات أخرى مرتبطة بشدة بالذهب الأسود مثل الروبل الروسي والكرونة النروجية والدولار الكندي.
وقبل وباء (كوفيد 19)، كان سعر صرف الدولار مرتفعاً إذ استفادت العملة من الأداء الممتاز لأكبر اقتصاد عالمي الذي كانت تقديرات المحللين الاقتصاديين كلها إيجابية في شأنه.
ولم يكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرتاحاً لهذا الوضع، إذ إنه يعتبر أن الارتفاع الكبير في قيمة الدولار قد يزيد سعر الصادرات الأميركية بدرجة كبيرة ما يحد من قوتها التنافسية في أوج الحرب التجارية مع الصين.
ويرى بعض المراقبين أن التبدلات المتأتية من تفشي فيروس كورونا المستجد قد تعيد خلط الأوراق، رغم أن هذا الأمر لم يُترجم بعد على الأرض.
وتقول كاثي ليين من شركة "بي كاي أسيت مانجمنت" إن "مسألة (استمرار) هيمنة العملة الخضراء ستُطرح في الأسابيع المقبلة".
وتضيف "المستثمرون اشتروا الدولار مع الرهان على أن باقي أنحاء العالم ستسجل انكماشاً اقتصادياً لفترة أطول من الولايات المتحدة، إذ إن تعافي الاقتصاد العالمي مستحيل دون حصول ذلك في الولايات المتحدة".
وتظهر البيانات الصادرة الجمعة ازدياداً قوياً في معدل البطالة إلى 4.4 % في مارس/آذار الماضي مقابل 3.5 % في فبراير/شباط، وهي لا تأخذ في الاعتبار إلا الجزء الأول من الشهر قبل البدء بتدابير الحجر المنزلي وإغلاق المتاجر وموجات الصرف في أنحاء البلاد كافة.
ومن شأن استمرار الانكماش الاقتصادي لفترة طويلة في الولايات المتحدة أن يضعف قيمة الدولار على المدى الطويل.