لبنان 2020.. احتجاجات أشعلها انفجار وأطفأها فيروس
بدأ عام 2020 في لبنان مع تحركات شعبية غير مسبوقة انطلقت شرارتها أكتوبر/تشرين الأول 2019 لكن شيئا فشيئا بدأ زخم الاحتجاجات يتراجع.
الانتفاضة الشعبية غير مسبوقة انطلقت شرارتها في أكتوبر 2019 على خلفية فرض رسوم إضافية على خدمة "الواتس أب" لتنفجر مرّة واحدة في مختلف المناطق اللبنانية وتتزايد نسبة المشاركة بشكل غير مسبوق مع مرور الأسابيع.
لكن شيئا فشيئا بدأ زخم الاحتجاجات يتراجع لأسباب عدّة منها عدم قدرة الحراك والمجموعات على تنظيم نفسها، والانقسامات بينها، والإرهاق أو ربما خيبة الأمل التي أصيب بها كثير من اللبنانيين، إضافة إلى قمع السلطة بعنف للتحركات.
يأتي بعد ذلك انتشار وباء كورونا ليقضي نهائيا على التظاهرات التي لم يعد يسجّل منها إلا القليل، فمرة على باب إحدى المؤسسات ومرة أخرى رفضا لقرار سياسي ما.
ومع اقتراب 2020 من إسدال ستاره على أيام حُبلى بأحداث مثقلة فاقمها فيروس كورونا، تستعرض "العين الإخبارية" ضمن سلسلة تقارير بعنوان "حصاد العام"، منها مراحل وأسباب تراجع زخم الانتفاضة الشعبية في لبنان.
حكومة دياب
أوّل محطات تراجع الانتفاضة الشعبية كانت مع تشكيل حكومة حسان دياب يناير/كانون الثاني، بحيث انقسم حينها الشارع اللبناني بين من رأى إمكانية منحه فرصة لا سيما وأنه خرج بوعود وشعارات إصلاحية، ومن اعتبر أن حكومته لن تختلف عن سابقاتها.
ورغم تعهّد دياب بتحقيق مطالب المحتجين وإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية التي يعاني منها منذ عشرات السنين، مؤكدا كذلك أن الحكومة ستعمل على تلبية مطالب الشعب، ومنها استقلالية القضاء واستعادة الأموال المنهوبة، ومكافحة الثراء غير المشروع والبطالة، إضافة إلى إقرار قانون جديد للانتخابات، لم ينجح وحكومته في تحقيق أي تغيير أو تنفيذ أي وعد.
كانت النتيجة فشل حكومة دياب واستقالتها على وقع غضب الشارع اثر انفجار مرفأ بيروت الذي أدى الى سقوط أكثر من مئتي قتيل ونحو 7 آلاف جريح، الذي كان بمثابة كارثة هزت لبنان والعالم وكشف الجميع خاصة إخفاق السلطة اللبنانية في معالجة الأزمات.
انفجار مرفأ بيروت
أتت استقالة دياب، الذي لم يف بوعوده للبنانيين بكشف الحقيقة خلال خمسة أيام ولا حتى بعد مرور 4 أشهر، على وقع غضب الشارع حيث خرج الناس مجددا في احتجاجات طالبين معرفة الحقيقة التي أدت إلى تدمير نصف العاصمة بيروت في انفجار صنّف على أنه من بين الأكبر في العالم ونقلت أحداثه وتداعياته من كافة الجوانب "العين الاخبارية".
وأعادت كارثة المرفأ التحركات الشعبية التي شهدها وسط بيروت إلى الذاكرة غضب انتفاضة ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول، وسجل حينها مواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية، في موازاة الوعود بالتعويض على أهالي الضحايا والمتضررين والتي لم يتحقق منها أيضا إلا القليل.
خروج اللبنانيين إلى الشارع والفوضى الذي أحدثه انفجار المرفأ انعكس سلبا على أعداد حالات كورونا التي عادت لتسجّل ارتفاعا غير مسبوق ما أدى إلى ذعر من الوباء، واتخذت مرة جديدة إجراءات تقيد حركة اللبنانيين، وبالتالي تراجع حماس المشاركة في التظاهرات خوفا على صحتهم.
الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتتالية التي أصابت اللبنانيين على اختلاف الصعد كان لها دور أيضا في انهماك المواطنين وانشغالهم عن المشاركة في التظاهرات لتأمين لقمة العيش وتحصيل أموالهم من المصارف.
إضافة إلى سباق اللبنانيين مرة لتأمين الدواء وتخزينه وأخرى لشراء ما تيسّر من المواد الغذائية وحتى حليب الأطفال، خوفا من انقطاعه من السوق أو ارتفاع سعره مع الحديث عن قرب اتخاذ قرار رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية في وقت تتآكل فيه رواتب الموظفين يوما بعد يوم مع ارتفاع غير مسبوق لسعر صرف الدولار في السوق السوداء.
العنف ضد الانتفاضة
كان للأسلوب الذي اعتمدته القوى الأمنية والعسكرية في قمع التظاهرات دوره أيضا في تراجع زخم التظاهرات حيث سجل سقوط عشرات الإصابات واعتقال عدد كبير منهم.
كان المثال الأبرز للعنف ضد المحتجين التعامل مع المظاهرة التي خرجت بعد انفجار المرفأ والمشاهد التي نقلت على الهواء مباشرة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي تقرير لها قالت منظمة العفو الدولية إنه بعد مرور عام على بدء الاحتجاجات في لبنان، "لم تتقاعس السلطات فحسب عن تلبية مطالب الناس المشروعة بشأن حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية؛ بل لجأت أيضاً بشكل متزايد إلى قمع الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير".
ولفتت منظمة العفو الدولية إلى أنه "منذ اندلاع الاحتجاجات في 17 أكتوبر 2019، لجأت السلطات اللبنانية، مراراً وتكراراً، إلى الاستخدام المفرط للقوة ضد المحتجين السلميين إلى حد كبير، عن طريق استخدام الضرب والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، وأحياناً الذخيرة الحية".
كما أكدت أيضا أن السلطة تقاعست عن حماية المحتجين من هجمات أنصار الأحزاب السياسية المسلحين، وعلاوة على ذلك، فقد سعت إلى قمع حركة الاحتجاج عبر اعتقال واحتجاز ومحاكمة النشطاء والصحفيين بشكل تعسفي، بما في ذلك أمام المحاكم العسكرية.
اعتداءات حزب الله و"أمل"
مناصرو حزب الله وحليفه "حركة أمل" عمدا بشكل مباشر إلى الاعتداء على المتظاهرين السلميين، رافعين شعارات تبيّن هويتهم بشكل واضح.
في المقابل، يرى مراقبون أن مجموعات المجتمع المدني والنقابات تتحمل من جهتها جزءا من المسؤولية لجهة فشلها في تنظيم نفسها وليس أدل على ذلك من فشل المؤتمر الأخير الذي عقد في نوفمبر/تشرين الثاني وأطلق عليه اسم "مؤتمر الإنقاذ" وانتهى بخلافات على خلفية سلاح حزب الله.
في ذلك المؤتمر رفع البعض سقف المطالب عاليا ضد مليشيا حزب الله وسلاحها، ويسجّل مواجهات كلامية بين الطرفين إلى أن انتهى المؤتمر عبر إصدار توصيات تخلو من التطرق إلى السلاح وعدد من القضايا الخلافية وإحالتها إلى اللجان لاستمرار الحوار والتفاعل حولها.
أحكام بقضية اغتيال الحريري
قبل أن يسدل 2020 ستائره جاء الحكم الذي طال انتظاره، حيث أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان 5 أحكام بالسجن المؤبد بحق عضو حزب الله سليم عياش بتهمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.
وقال القاضي ديفيد ري من المحكمة ومقرها هولندا: "ترى الدائرة الابتدائية وجوب فرض العقوبة القصوى لكل من الجرائم الخمس وهي السجن مدى الحياة يتم تنفيذها في نفس الوقت".
وفي ختام محاكمة استمرّت ست سنوات، أصدرت المحكمة في 18 أغسطس/ آب بإجماع أعضائها حُكماً اعتبرت فيه أنّ عيّاش "مذنب على نحو لا يشوبه أيّ شكّ" بالتّهم الخمس التي وجّهت إليه وهي "تدبير مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي، وارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة، وقتل الحريري عمداً باستعمال مواد متفجرة، وقتل 21 شخصاً آخر عمداً باستعمال مواد متفجرة، ومحاولة قتل 226 شخصاً عمداً باستعمال مواد متفجرة".
بالمقابل برّأت المحكمة يومها المتّهمين الثلاثة الباقين وهم بدورهم ينتمون لحزب الله، وحوكموا غيابياً لعدم تمكّن السلطات اللبنانية من إلقاء القبض عليهم وتسليمهم للمحكمة، وبسبب رفض الحزب تسليم أيّ من عناصره إلى محكمة يعتبرها "مسيسة" ويرفض الاعتراف بها.
وقالت المحكمة في بيانها إن "غرفة الدرجة الأولى ستفرض الآن عقوبة فيما يتعلق بكلّ تهمة أدانت بها عياش، أو ستفرض عقوبة واحدة تشمل سلوكه الجرمي بأكمله، ويمكن أن تصل العقوبة المفروضة على شخص مدان إلى السجن مدى الحياة".
وفي 14 فبراير/ شباط 2005، قتل رفيق الحريري مع 21 شخصاً آخر وأصيب 226 آخرون بجروح في تفجير شاحنة مفخّخة يقودها انتحاري لدى مرور موكبه في وسط بيروت، ووُجهت اتّهامات سياسية للنظام السوري وحزب الله بالوقوف خلف الاغتيال.
واعتبرت المحكمة التي تشكلت بقرار من مجلس الأمن الدولي أن الاغتيال "سياسي" نفّذه "الذين شكّل الحريري تهديدا لهم"، لكنها أشارت إلى أنه "ليس هناك دليل على أنّ قيادة حزب الله كان لها دور في الاغتيال" كما "ليس هناك دليل مباشر على ضلوع سوريا في الأمر".