كورونا يطوي خيام الإفطار الجماعي في موريتانيا
التدابير الاحترازية وإجراءات التصدي لانتشار وباء "كوفيد- 19" هذا العام تطوي خيام الإفطار التي كان يتسابق المحسنون على إقامتها
لم يحدّ فيروس كورونا المستجد من قدرة الموريتاني عبدالله سيدي الأمين، على تدبر إفطاره اليومي في رمضان فحسب، بل منع الوباء أيضاً تشييد خيام في أماكن كان يأوي إليها كل مساء للحصول على حاجاته من مأكل ومشرب، بعد يوم رمضاني طويل.
واعتاد الموريتانيون خلال الشهر الكريم على تلك الخيام المنتشرة في الساحات والأماكن العامة والشوارع وأمام المستشفيات، لتقديم ولائم الإفطار للعشرات من الفقراء وذوي الحاجة، ومن تقطعت بهم السبل وقت الإفطار بعيداً عن الديار.
لكن التدابير الاحترازية وإجراءات التصدي لانتشار وباء "كوفيد- 19" هذا العام، طوت تلك الخيام التي كان يتسابق المحسنون على إقامتها، والإنفاق عليها طيلة الشهر الكريم، لتكون بذلك الملجأ الذي يفد إليه المحتاجون ويتلقون منه ما يسد رمقهم، ويعينهم على أداء فريضة الصيام.
ويحاول السبعيني عبدالله التكيف مع واقع جديد، لم يتعود عليه، فرضه الإغلاق والحظر الليلي للتجوال، ما أدى إلى غياب تلك الخيام، بسبب خشية القائمين عليها من أن تكون سبباً في العدوى، بعد كانت أملاً في كسب الأجر والثواب في شهر الفضيل.
ويعرض عبدالله منذ سنوات بضاعته الزهيدة للمارة والزائرين في ميدان "مدريد"، وسط العاصمة نواكشوط، وينتظر وقت الإفطار بصحون فارغة، وأمل قريب في الانفراج والعودة إلى الحياة الطبيعية للمدينة.
وغير بعيد من حيث يتواجد عبدالله، تقضي "خادمة الله" طيلة يومها في في أحد أطراف هذه الساحة العامة وسط نواكشوط للتسول والتكسب بما يجود به الخيرون، كنشاط وحيد اعتادت عليه لكسب رزقها.
وكما مست الجائحة العائدات المالية الزهيدة أصلاً التي تحصل عليها "خادمة الله" من هذا العمل بسبب ضعف حركة المرور، سيكون عليها أيضاً الإنفاق ذاتياً على إفطارها اليومي في رمضان بسبب، غياب تلك الخيام التي كانت تأوي إليها كل مساء.
عابر سبيل
فاطمة بنت الشرقي، وهي نائب رئيس منظمة "بسمة وأمل" الخيرية الموريتانية، التي اعتادت تشييد مثل هذا الخيام، اعتبرت أن الظروف الحالية المتعلقة بمكافحة عدوى انتشار فيروس "كوفيد- 19"، فرضت غياب هذه العادة، دون أن تمنع البحث عن وسائل بديلة.
وأوضحت "بنت الشرقي"، لـ"العين الإخبارية"، أن فرق المنظمة اتجهت إلى ما أطلقت عليه عملية "عابر سبيل"، لمساعدة المحتاجين وقت الإفطار في الأماكن والشوارع العامة والمستشفيات، بدل "موائد الرحمن" التي كانت تقام بشكل جماعي تحت الخيام.
وتتمثل هذه العملية في توزيع وجبات إفطار جاهزة على المارة في هذه الأماكن، ممن لم يتمكنوا من الالتحاق ببيوتهم لظروف خاصة، أو المحتاجين والمتسولين الذي يوجدون بشكل دائم في هذه المناطق.
وتعترف "بنت الشرقي" بعدم القدرة على خلق بديل كلي لهذه الخيام، عبر التوزيع المباشر على المحتاجين يداً بيد، مضيفة أن المبادرة هي فقط محاولة لتعويض جزئي لخدمات هذه الخيام، التي كانت تقدم عدة وجبات طيلة ليل رمضان.
اللوحة بدل الخيمة
وفيما منع الخوف من تفشي الوباء المستجد نصب خيام الإفطار في الشوارع والأماكن العامة، كانت اللوحات المعبرة عن مجهود الأطقم الطبية وأدائها المتميز في مواجهة المرض منتشرة في كل مكان، وأخرى تشرح سبل الوقاية، وتحذر من التساهل بالفيروس.
وكانت الحكومة الموريتانية استبقت شهر رمضان المبارك بتوزيع أكثر من 20 ألف سلة غذائية على المواطنين الذي يعانون من الهشاشة، في إطار التدابير المتخذة لمواجهة تداعيات وباء كورونا المستجد.
كما خففت موريتانيا جزئياً بعض إجراءات التصدي للوباء، بالتزامن مع الشهر الكريم، دون أن ترفع تماماً الحظر الليلي لحركة التجوال، أو إنهاء الإغلاق المفروض على الأسواق غير المختصة في التموين بالمواد الغذائية.
ومددت السلطات الموريتانية إغلاق المدارس والجامعات إلى 25 مايو/ أيار المقبل، في إطار الإجراءات والتدابير الاحترازية للتصدي لفيروس كورونا المستجد "كوفيد- 19".
واعتمدت موريتانيا عدة إجراءات لمقاومة انتشار الفيروس، منذ أول حالة تم تسجيلها مطلع مارس/ آذار المنصرم، شملت إغلاقاً للمدارس، وتعليقاً للرحلات الجوية، وإغلاقا لجميع نقاط ومنافذ البلاد البرية على العالم، بالإضافة إلى حظر تجوال ليلي وتقييد حركة المواصلات بين المدن وإغلاق الأسواق غير المعنية ببيع المواد التموينية.
وأعلنت موريتانيا رسمياً، في 19 أبريل/ نيسان الجاري، خلوها من أي إصابة بفيروس كورونا الجديد "كوفيد- 19"، وأوضحت وكالة الأنباء الرسمية أن نتائج فحص آخر مصاب بالفيروس كانت سلبية، وهو ما يعني خلو البلاد من الفيروس، بعد تعافي جميع الحالات الـ7 المسجلة والمؤكدة في البلاد.
وذكرت الوكالة أن الحالة الأخيرة التي تعافت، السبت، تعود لطالبة موريتانية قادمة من فرنسا، اكتشفت إصابتها بعد أسابيع من الحجر الاحترازي، مشيرة إلى أنها ستبقى احتياطياً تحت الحجر الصحي لمدة 4 أيام إضافية.
وحذر وزير الصحة الموريتاني من أي تراخٍ أو تساهل في تطبيق إجراءات الوقاية من المرض، مؤكداً أن الوباء لا يزال يهدد البلد في ظل انتشاره في بلدان الجوار والعالم.