في ظل حالة الارتباك العالمي هذه أمام فيروس كورونا، يبرز وبقوة نموذج مضيء في وطننا العربي.
تصنيف منظمة الصحة العالمية لمرض كورونا بالجائحة "Pandemic" (التي تُعَد أعلى درجات الخطورة وتعني أن المرض منتشر في أكثر من دولة ومنطقة جغرافية)؛ يضع العالم أجمع أمام مسؤوليات مختلفة؛ ويفرض تعاونا وتنسيقا في الإجراءات الوقائية بين كل الدول، وفقا لقرارات دولية ملزمة للجميع؛ من حيث الوقاية ومحاربة المرض؛ بدلا من الاقتصار على جهود كل دولة منفردة.
من المؤكد أن عالم ما بعد جائحة كورونا لن يكون كما كان قبلها؛ حسب الخبراء في جميع المجالات؛ فحتى مفهوم الدولة نفسه لن يظل كما كان قبل كورونا، وميزانُ قوة الدولة بعد كورونا لن يظل تصنيعَ الطائرات الحربية أو بناءَ الجيوش أو النمو الاقتصادي، فكل ذلك سيصبح عوامل مساعدة لا غير؛ وتكون الدولة القوية هي التي تستطيع حماية شعبها من الفيروسات.. الدولة التي تملك قطاعا صحيا يستطيع التصدي لنوعية كورونا والفيروسات الأكثر خطورة؛ بعدما ثبت بالتجربة أن شروط القوة التقليدية لم تعد كافية؛ فمن كان يتوقع أن تقف الدول الصناعية الكبرى التي تقود العالم عاجزة أمام وباء أيا كان؟
في ظل حالة الارتباك العالمي هذه أمام فيروس كورونا، يبرز وبقوة نموذج مضيء في وطننا العربي، يتعامل مع الأزمة بشكل مختلف داخليا وخارجيا.. دولة الإمارات حديثة النشأة تمدُّ يد العون لدول كبرى، تقدم المساعدات الطبية واللوجستية لدول صناعية عريقة من العالم المتقدم.
وبحكم عملي في الإعلام أتابع للثانية الإجراءات التي تتخذ دولُ العالم للحد من خطورة جائحة كورونا؛ لا أخفي صدمتي، فجميع الدول الكبرى مرتبكة، بل يقف بعضها أو أغلبها عاجزا عن إنقاذ شعبه من هذا الفيروس.. أمريكا أقوى دولة في العالم تسعى جاهدة لتوفير كمامات كافية لسكان مدينة نيويورك، ولم تتمكن من ذلك بعد! إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا جندت كل إمكانياتها لمواجهة الفيروس، ومع ذلك تنهار أمامه، حتى وصل الأمر إلى العثور على جثث في بعض دور المسنين لم تستطِع الدول إنقاذهم.. الصين موطن الفيروس عانت كثيرا وما تزال، رغم أنها حققت نجاحا محدودا في بعض المدن، إلا أنها لم تخرج من دائرة الخطر بعد.
لقد شغل كورونا أقوى دول العالم بنفسها؛ فباتت عاجزة عن حماية رعاياها والمقيمين على أراضيها؛ أما التضامنُ مع الآخر ومدُّ يد العون له فلا مَحَل له، وإن حدث فمحدودٌ، لا يتعدى دائرة الاستهلاك الإعلامي.
في ظل حالة الارتباك العالمي هذه أمام فيروس كورونا، يبرز وبقوة نموذج مضيء في وطننا العربي، يتعامل مع الأزمة بشكل مختلف داخليا وخارجيا.. دولة الإمارات حديثة النشأة تمدُّ يد العون لدول كبرى، تقدم المساعدات الطبية واللوجستية لدول صناعية عريقة من العالم المتقدم.
ومنذ بدء المحنة يتواصل ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد بشكل يومي مع قادة العالم؛ للتباحث في تقديم العون لهم، متجاوزا حواجز سياسية مع دول لم يكن طريق الدبلوماسية الخارجية للدولة سالكا معها.. تعدت هذه الاتصالات القادة السياسيين، وذلك بتواصل الشيخ محمد بن زايد مع قداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وذلك لطرق باب آخر، والتشديد على تفعيل دور رجال الدين في مكافحة المرض، والتأكيد على أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية؛ فما أحوج الإنسانية للتآخي في هذه الظروف الموغلة في الصعوبة.
تكفلت الإمارات، دون غيرها، بإجلاء مجموعات كبيرة تقطعت بهم السبل في مدينة ووهان الصينية مصدر الوباء؛ حيث أرسلت لهم طائرة خاصة، ووفرت لهم جميع الإمكانيات على أرضها، في المدينة الإنسانية في أبوظبي، متحدية مخاطر جمة، وأشرف الشيخ محمد بن زايد شخصيا على هذا الجهد الإنساني الذي لم تتجرأ عليه أي دولة في العالم.
أما داخليا، فيعيش جميع سكان الدولة من مواطنين ومقيمين حالة من الاطمئنان والمساواة في خدمات الحكومة وجهودها لمكافحة المرض، وذلك من خلال توفير جميع الحاجيات، وعدم فرض قيود كبيرة على الحركة؛ وتوفير إمكانية الفحص للجميع عبر مراكز كثيرة؛ منها مركز يتيح لجميع ساكني الدولة إجراء الفحص في السيارة، وهو المركز الوحيد من نوعه في العالم.
كل ذلك يجعلنا نطرح سؤالا مهما: لماذا الإمارات دون غيرها؟
من جانبي لستُ مستغربا من هذا الجهد، فقد عشتُ في هذا البلد عقدين من الزمن، تابعت فيهما بشكل يومي مساعي مسح كلمة "مستحيل" من قاموس قادته، لا يحب جميع القائمين على الأمر في هذا البلد أن تقول لهم "مستحيل" يكرهون هذه الكلمة بشكل لا يوصف، وهذا ما جعل الجميع هنا مجبرا على التخطيط للمستقبل بشكل موثوق، كي لا يضطر أحدٌ هنا لأن يضع نفسه في موقف قد يجبره على لفظ الكلمة المكروهة والمنبوذة "مستحيل".
في الإمارات وُطنَتْ مصطلحاتٌ كنا قبل سنوات نعتبرها نوعا من الترف في العمل الحكومي، مثل محركات المستقبل، ومؤسسات المستقبل، ومتاحف المستقبل.. في قمة الحكومات عام 2016 أعلن الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي ورئيس الحكومة الإماراتية عن وزارة السعادة ووزارة التسامح، وبعد ذلك وزارة للذكاء الاصطناعي، كل ذلك اعتبر من طرف الكثيرين ترفا، لكن من انتقدوه لم يكونوا يعلمون أن قادة الإمارات يعملون لمواجهة أيام مثل أيام "كورونا" بل مواجهة أيام أصعب، قد يواجهها عالمنا في أي وقتٍ، لا قدر الله.
فيا أمة العرب، لديكم نموذج مُضيء، تعاونوا معه، وعضوا عليه بالنواجذ لإنقاذ شعوبكم وتأمين مستقبلكم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة