أكبر خطأ يُمكن أن يقع فيه بعض الأفراد اليوم هو تصور أن أخطار وباء فيروس كورونا قد انتهت أو تراجعت.
أكبر خطأ يُمكن أن يقع فيه بعض الأفراد اليوم هو تصور أن أخطار وباء فيروس كورونا قد انتهت أو تراجعت، وأنه يُمكن العودة إلى مظاهر الحياة العادية.
يأتي هذا الانطباع لدى البعض تحت تأثير الإجراءات التي اتخذتها الولايات المُتحدة وعدد من الدول الأوروبية لإنهاء قرارات الإغلاق وإعادة فتح الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والترفيهية. ومثل هذا الانطباع خاطئ من الأساس ويؤدي إلى أخطار جسيمة على صحة الناس وحياتهم. وأعتقد أنه من الضروري التذكير بثلاث حقائق أساسية رُبما تضيعُ من بعضنا وسط زحمة الأحداث وتلاحق الأخبار:
الحقيقة الأولى، أن العالم يشهد هجوما متواصلا من فيروس قاتل وفتاك يتسمُ بسُرعة الانتشار. ففي غضون أقل من ثلاثة شهور ظهرت أعراض مرض فيروس كورونا في كُل دول العالم تقريبا. وفي يوم 19 مايو، بلغ عدد المصابين به في العالم 4.9 مليون شخص، وعدد المُتوفين 323 ألف شخص، ومازالت الأرقام تزداد يوما بعد يوم.
وكانت الولايات المُتحدة هي أكثر الدول مُعاناةً، ففي نفس اليوم بلغ عدد المُصابين بالمرض 1.5 مليون شخص، وعدد المُتوفين 92.2 ألف شخص.
ولكي نفهم دلالة رقم المُتوفين في السياق الأمريكي، نُشير إلى أنه يزيد على عدد ضحايا الجيش الأمريكي في أي حرب اوتدخُّل عسكري قام به منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويفوقُ أيضًا عدد المُتوفين من الأوبئة التي تعرضت لها خلال نفس الفترة.
إن الفيروس ما زال في عُنفوانه و الدول التي تجاوزت موجة هجومه الأولى وأنهت الإجراءات الاحترازية التي كانت قد اتخذتها تتعرضُ الآن لموجة ثانية، فعاد المرض إلى مدينة ووهان الصينية، المركز الذي انتشر منه المرض.
وعاد بقوة أكبر في سنغافورة التي وصل عدد المُصابين به في 19 مايو إلى 29.3 ألف شخص، وفي كوريا الجنوبية عدد 11.1 ألف شخص. وفي الغالبية العظمى من الدول العربية، فإن أرقام المُصابين بالمرض في تصاعُد ما يعني أنه لم يصل إلى ذروته بعد.
هناك سباق بين دول العالم المُتقدمة لاكتشاف اللقاح المنشود وخصصت الحكومات مئات الملايين من الدولارات لدعم مخابرها في سرعة الوصول إليه.
والحقيقة الثانية، أن أطباء العالم ومراكزه البحثية لم تصل بعد إلى اتفاق بشأن التحليل الجيني لهذا الفيروس ولا إلى فهم آليات فتكه بالبشر ومازالوا في مرحلة تعلُم وتجريب لم تكتمل بعد، وفي مرحلة البحث عن لقاح للحيلولة دون الإصابة بالمرض أو عن دواء للشفاء منه.
وشاعت أخبار ونتائج لدراسات ، فقيل إن أكثر المُصابين بهذا المرض هُم من كبار السن ولكن ثبت بعد ذلك أن المرض لم يُفرِّق بين الأطفال والشباب والكبار. وأشار بحث أُعلنت نتائجه يوم 20 مايو أن ثلثي عدد المُتوفين في بريطانيا كانوا من المُصابين بمرض السُكري. وأعلنت مجموعة من الباحثين الكنديين أنهم يسعون إلى اكتشاف لقاح من نبات "القنب" المُخدر بينما وصل باحثون في بولندا إلى أنه يُمكن تحديد مناطق انتشار المرض من خلال تحليل مياه الصرف الصحي التي تشمل بقايا من تكوينات الفيروس.
وهناك سباق بين دول العالم المُتقدمة لاكتشاف اللقاح المنشود وخصصت الحكومات مئات الملايين من الدولارات لدعم مخابرها في سرعة الوصول إليه، من أبرزها الولايات المُتحدة التي تختبر معامل شركاتها ما يقرب من 14 لقاحا مُحتملًا، وفي المملكة المتحدة تم الإعلان عن اللقاح الذي وصل إليه العُلماء في جامعة أوكسفورد. وفي فرنسا، يقوم معهد باستور الشهير باختبار 3 لقاحات مختلفة. واستخدمت بعض الدول أسلوب حقن المرضى ببلازما المُتعافين.
وتم تجريب أدوية تُستخدم الآن لعلاج أمراض مثل الحصبة والملاريا ونقص المناعة في علاج المرض.
وأقرَّت بعض الدول أحد اللقاحات ولكن بشكل تجريبي. فالتصريح الذي أصدرته هيئة الغذاء والأدوية الأمريكية لأحد اللقاحات المُسمَّى MRNA-1273 أشار صراحةً إلى أنه صدر بشكل تجريبي وفي سياق حالة الطوارئ الصحية وأنه يتطلب تجارب سريرية أخرى. وإلى جانب اللقاح الأمريكي، توجد لقاحات صينية ويابانية مازالت في طور التجريب أيضا. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن هُناك دراسات بشأن أكثر من 100 لقاح ولكن التجارب السريرية بدأت على ثمانٍ منها فقط.
ومعنى كُل ما تقدم أنه لا يُوجد حتى الآن لقاح ضد المرض أو علاج له. وأن أكثر المُتفائلين لا يتصورون الوصول إلى مثل هذا اللقاح قبل نهاية هذا العام ثُم أن مراحل اختباره ثُم انتاجه تجاريا تحتاج على الأقل إلى عام آخر أو أكثر.
والحقيقة الثالثة ، أن قرارات الحكومات بعودة النشاط الاقتصادي لا تعني بأي حال زوال الأخطار الصحية التي يُسببها الوباء بل إن مبعثها اقتصادي في المقام الأول، وخاصة بعد اتضاح الآثار الاقتصادية الوخيمة للحظر والإغلاق والتي وردت في تقارير البنوك المركزية ووزارات الاقتصاد والمراكز العلمية فيها. وأصبح على هذه الحكومات الاختيار بين أمرين أحلاهما مُر: الاستمرار في الإغلاق حفاظا على الصحة البدنية للبشر، أو العودة إلى الأوضاع العادية حفاظا على رفاهيتهم وصحتهم النفسية.
وقضت الدول التي اختارت إنهاء الحظر والإغلاق بضرورة الالتزام بلبس الكمامات في الأماكن العامة والتباعُد الاجتماعي وأن تستقبل المطاعم وصالات الطعام نصف العدد المُعد لاستقباله أو أقل وذلك ضمانا للتباعد الاجتماعي بين الناس أثناء تناولهم الطعام.
ويبقى القول إن الدول الأوروبية التي اتخذت هذه الإجراءات كإيطاليا واسبانيا وفرنسا وألمانيا شهدت ذروة انتشار المرض ثُم تراجعه تدريجيا. ففي مراحل صعوده، اتخذ بعضها كإيطاليا واسبانيا قرارات بالإغلاق الكامل وحظر تحرك المواطنين، وعندما تراجع قامت بإجراءات التخفيف وعودة الحياة العادية وفقًا لخُطة مُعلنة تتضمن عدة مراحل وأعلنت صراحةً أن الاستمرار فيها مرتبط بعدم انتشار المرض مرة أُخرى وبالتزام المواطنين بالقواعد.
وهذه الحقائق الثلاث تقول لنا بوضوح إن الخطر مازال قائما وأن الوباء ما زال يرمي بظلاله على كثير من الدول وأننا في بلادنا العربية في مرحلة صعود المرض وأن الأمر يتطلب اليقظة والانتباه وأن تتعاون الحكومات والناس في تحقيق ذلك. الحكومات من خلال إعلان القواعد وشرحها والتأكُد من تطبيقها، والناس من خلال الالتزام بها فهي في نهاية الأمر لصالح كل فرد وأُسرته. وصحيح أن الكثير منا يشعُرُ بالضجر و"الزهق" بسبب ظروف التباعُد وعدم الاختلاط ولكن هذا الضجر أو "الزهق" هو أكثر قبولا واحتمالا إذا كان البديل الآخر هو فقدان الحياة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة