كورونا وتغير المناخ.. تحالف كارثي يهدد ملايين البشر
أصبح تغير المناح واحدا من أكثر القضايا إلحاحا في عام 2020 خاصة بعد اقترانه بجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
وجاء هذا الاقتران بين كارثتين، لكل منهما تداعياتها الخاصة، لتفاقم المشاكل التي يواجهها البشر على الكرة الأرضية، وعلى رأسها اتساع رقعة الأشخاص الأكثر ضعفا وفقرا في العالم.
وقد يعتقد البعض مخطئا بعدم وجود رابط بين قضيتي تغير المناخ وكورونا، إذ إن العديد من الأسباب الجذرية لتغير المناخ تزيد من مخاطر انتشار الأوبئة التي من بينها الفيروس التاجي.
قد لا يكون هناك دليل مباشر على أن تغير المناخ يؤثر على انتشار "كوفيد-19"، لكنه يغير كيفية ارتباط البشر بالأنواع الأخرى على الأرض، وهذا مهم لصحة الإنسان وخطر الإصابة بالعدوى.
ويحتل موضوع جائحة كورونا وأثرها على تغير المناخ مركزا متقدما ضمن القضايا التي تبحثها قمة المناخ المقرر عقدها يوم 12 ديسمبر، وتستضيفها الأمم المتحدة وبريطانيا وفرنسا عبر الإنترنت.
وتعقد قمة "طموح المناخ" بالتزامن مع الذكرى الـ5 لاتفاقية باريس للمناخ، وهو بديل عن قمة الأمم المتحدة للمناخ التي كان مزمع عقدها في جلاسكو وتأجلت حتى نوفمبر 2021 بسبب الإجراءات الاحترازية جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19".
إحصاءات أممية
حذرت الأمم المتحدة من تضاعف عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية حول العالم خلال 2021 نتيجة اقتران جائحة "كوفيد-19" بأزمة تغير المناخ، ما يستدعي تنفيذ خطط عاجلة لاحتواء الأزمة.
وقالت المنظمة الدولية، في تقرير أصدرته مطلع ديسمبر قبل أيام من عقد قمة للمناخ، إن "الوضع المتأزم حاليا أدى إلى زيادة بنسبة 40% في عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية حول العالم".
كثيرون يرون أثار جائحة كورونا لكنهم لم يستوعبوا بعد مخاطر تغير المناخ التي قد تتجاوز "كوفيد-19" بمراحل.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس قال إن العالم "إذا فشل في تحقيق أهداف معالجة آثار تغير المناخ، فإن الاضطراب الذي يلحق بالاقتصادات والمجتمعات والأشخاص الناجم عن كورونا سوف يتضاءل مقارنة بما تخبئه أزمة المناخ"، معتبرا أن هاتين الأزمتين أكبر تحد إنساني منذ الحرب العالمية الثانية.
تغير المناخ يعني المزيد من الحرائق والفيضانات والعواصف الأكثر عنفا، كما أنه يغذي الصراع السياسي عندما يتعين على الناس القتال من أجل الموارد.
وأضاف المسؤول: "القرارات التي نتخذها الآن ستحدد مسار 30 عاما مقبلة وما بعدها. يجب أن تنخفض الانبعاثات بمقدار النصف بحلول عام 2030، وأن تصل إلى صافي انبعاثات صفرية في موعد لا يتجاوز عام 2050، للوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية".
تقدر الأمم المتحدة أن 235 مليون شخص سيحتاجون إلى المساعدة في عام 2021. قبل عام قدرت المنظمة عدد المحتاجين بـ168 مليونا مقارنة بـ146 مليونا في العام السابق له.
ورغم أن الجائحة اتحدت مع أزمة المناخ القائمة منذ سنوات، فإن اكتشاف لقاح وقرب التعافي من "كوفيد-19" سيكون نقطة تحول مهمة وإيجابية لتحسين أثار مشاكل المناخ، وفقا للمنظمة.
وشرحت الأمم المتحدة: "عندما تبدأ حزم التحفيز الاقتصادي بعد التعافي من كورونا، ستكون هناك فرصة حقيقية لتعزيز استثمارات الطاقة المتجددة والمباني الذكية والمواصلات الخضراء والعامة، ومجموعة كاملة من التدخلات الأخرى التي ستساعد على إبطاء تغير المناخ.
مخاطر بيئية تضاعف كورونا
هناك العديد من الأسباب التي تدفع قادة العالم لاتخاذ إجراءات مناخية فعلية وسريعة لتحسين صحة المواطنين والحد من مخاطر ظهور الأمراض المعدية وتحجيم الأوبئة، وعلى رأسها كورونا.
ظاهرة "تلوث الهواء" على رأس المشاكل البيئية التي تزيد من خطر الإصابة بفيروس كورونا. الأبحاث الحديثة وجدت أن الأشخاص الذين يعيشون في أماكن ذات جودة هواء رديئة أكثر عرضة للوفاة من "كوفيد-19"، فهم أسوأ حالا مع التهابات الجهاز التنفسي من أولئك الذين يتنفسون هواءً أنقى.
أيضا مع ارتفاع حرارة الكوكب، تتجه الحيوانات الكبيرة والصغيرة، سواء على الأرض وفي البحر، إلى القطبين للخروج من الحر، ما يعني أنها قد تتلامس مع حيوانات أخرى لا تفعل ذلك في العادة، وهذا يخلق فرصة لمسببات الأمراض للوصول إلى مضيفات جديدة، وبالتالي يوسع رقعة تفشي الجوائح مثل كورونا.
كما تعد إزالة الغابات، التي تحدث في الغالب للأغراض الزراعية، أكبر سبب لفقدان الموائل أي أوطان الكائنات الحية من الحيوانات وغيرها في جميع أنحاء العالم، ويؤدي فقدان الموطن إلى إجبار الحيوانات على الهجرة وربما الاتصال بالحيوانات أو الأشخاص الآخرين ومشاركة الجراثيم والأوبئة.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من آثار تغير المناخ غير المباشرة على الاستجابة لجائحة كورونا، معتبرة أنه يقوض المحددات البيئية للصحة ويفرض ضغوطًا إضافية على النظم الصحية.
وقالت المنظمة، عبر موقعها: "تنشأ معظم الأمراض المعدية المستجدة وجميع الأوبئة الحديثة في الحياة البرية، وهناك أدلة على أن زيادة الضغط البشري على البيئة الطبيعية قد يؤدي إلى ظهور الأمراض".
واعتبرت أن تعزيز النظم الصحية وتحسين مراقبة الأمراض المعدية في الحياة البرية والماشية والبشر، وزيادة حماية التنوع البيولوجي والبيئة الطبيعية، سيقلل من مخاطر تفشي الأمراض الجديدة الأخرى في المستقبل.
كيف أثرت الجائحة على تغير المناخ؟
أصبح الاحتباس الحراري أزمة منسية خلال تفشي "كوفيد-19" ولم يتوقف تغير المناخ بسبب الجائحة العالمية. صحيح أنها ولدت بارقة أمل بعد تراجع الانبعاثات الكربونية قليلا لكنها لم تستمر لوقت طويل.
في فبراير، وجد تحليل أجرته مجموعة Carbon Brief المعنية بالمناخ أنه مع سيطرة الوباء على الاقتصاد الصيني وإغلاق الصناعات الثقيلة، انخفضت الانبعاثات بنسبة 25%.
بينما قدر تحليل آخر أجراه "موجز الكربون" في أبريل، أنه على مستوى العالم يمكن أن تنخفض الانبعاثات بنسبة 5.5% هذا العام مقارنة بمستويات عام 2019، لتصبح فترة الجائحة هي الوقت الحقيقي الوحيد الذي شهد تخفيضات كبيرة في الانبعاثات عالميا خلال العقود القليلة الماضية.
ومثلت كل هذه التطورات تحديا حقيقا أمام الإنسان والدول للبحث عن استراتيجية تحقق مواجهة مزدوجة لكارثتين، كل منهما بمفردها كفيلة بالقضاء على أشكال الحياة على كوكب الأرض.