فرنسا بين النيجر والغابون.. أكثر من مجرد "انقلاب"
بالكاد أكمل انقلاب النيجر شهره الأول، حتى حملت أحشاء القارة الأفريقية انقلابا آخر، رفع منسوب مخاطر آفة اُبتليت بها تلك المنطقة
ففي السادس والعشرين من يوليو/تموز الماضي، استولى الجيش على السلطة في النيجر، الواقعة في غرب أفريقيا، وأطاحوا بالرئيس المنتخب محمد بازوم.
وفي صباح الثلاثين من أغسطس/آب، كانت الغابون على موعد مع انقلاب عسكري أطاح بـ55 عاما من حكم عائلة بونغو، حيث كان الرئيس علي بونغو على أعتاب ولايته الثالثة، قبل إلغاء نتائج الانتخابات.
انقلابان دفعا المؤسسات الإقليمية في القارة إلى فرض عقوبات على كلا البلدين، في محاولة لدفعهما إلى العودة للديمقراطية، دون أي اختراق في جدار الأزمة حتى اليوم.
ومع تعرض المزيد من الحكومات المنتخبة في المنطقة لخطر الإطاحة بالعنف، حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن "جميع الرؤساء في جميع أنحاء المنطقة يدركون بشكل أو بآخر المصير الذي ينتظرهم" ما لم تتم استعادة الديمقراطية.
فبالنسبة لباريس، يختلف انقلاب الأربعاء عن الانقلاب الذي وقع في النيجر، لا سيما في غياب العداء تجاه القوة الاستعمارية السابقة، إلى جانب عدم قطع التعاون العسكري أو المساعدات التنموية.
وتعتبر الغابون واحدة من أقدم حلفاء فرنسا الأفارقة وأكثرهم ولاء.
بيْد أن "العودة إلى النظام الدستوري" التي تطالب بها باريس هذه المرة لا تنطوي بالضرورة على إعادة الرئيس الحالي إلى السلطة.
وبينما ألغى ضباط الجيش في الغابون نتائج الانتخابات، أكد المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران على التزام بلاده "بالعملية الانتخابية الحرة والشفافة".
ماذا حدث في الغابون؟
بعد أربعة أيام من إجراء الدولة الواقعة في وسط أفريقيا انتخابات رئاسية متنازع عليها والتي قيل إن الرئيس الحالي علي بونغو فاز بها بحصوله على 64%، ظهر ضباط الجيش على شاشة التلفزيون الرسمي ليعلنوا أنهم ألغوا انتخابات 26 أغسطس وحلوا مؤسسات البلاد.
تولى بونغو منصبه لأول مرة عام 2009، خلفا لوالده الراحل، الذي تولى السلطة منذ 1967.
وفي حين لم تضطر الدولة المنتجة للنفط إلى التعامل مع الهجمات الإرهابية أو انعدام الأمن الذي يخيم على معظم أنحاء غرب أفريقيا، كانت قبضة الأسرة الحاكمة على السلطة، محط انتقاد المعارضة في الداخل.
وتضخ الغابون، التي انضمت إلى أوبك عام 2016 بعد توقف دام 21 عاما، نحو 200 ألف برميل من النفط الخام يوميا.
ويقول مراقبون إنه من غير المرجح أن تتأثر أسواق النفط العالمية بشكل كبير إذا توقف إنتاج الغابون، لأنها منتج صغير نسبيا.
لكن الأهم من ذلك هو دور هذا البلد في إنتاج المنغنيز، الذي يستخدم لإنتاج بعض أصعب أشكال الفولاذ.
وفي النيجر؟
في العاصمة نيامي، ظهر الجنرال عبد الرحمن تشياني، رئيس الحرس الرئاسي في النيجر، على شاشة التلفزيون الرسمي، يوم 28 يوليو/تموز، ليعلن عن نفسه زعيما، وذلك بعد يومين من إعلان جنوده أنهم اعتقلوا الرئيس محمد بازوم.
وقد أدى الانقلاب هناك إلى خلق حزام من البلدان التي يديرها الجيش، ومعظمها أكثر ارتباطا بروسيا من الغرب، لاسيما مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وهي كتلة إقليمية مكونة من 15 دولة، أدانت انقلاب النيجر، وهددت باستخدام القوة لاستعادة الزعيم المنتخب ديمقراطيا.
وكانت النيجر محورا أساسيا في القتال الذي تخوضه القوات الغربية والأفريقية ضد الجماعات الإرهابية، عبر منطقة الساحل.
وتمتلك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية للطائرات بدون طيار في النيجر، استخدمتها لاستهداف الإرهابيين المرتبطين بتنظيمي القاعدة و"داعش"، بالتعاون مع الجيش الفرنسي.
كما ينظر الاتحاد الأوروبي إلى النيجر كحليف في جهوده الرامية إلى التصدي للهجرة غير الشرعية من أفريقيا، والتي يمر بعضها شمالا عبر البلاد في طريقه إلى البحر الأبيض المتوسط.
والأهم من ذلك، هو أن النيجر هي ثاني أكبر منتج لليورانيوم في أفريقيا، وتصدر معظم إنتاجها إلى فرنسا، وفقا للرابطة النووية العالمية.
وبالنسبة لباريس، فإن الانقلاب في النيجر كان مختلفا في عدة جوانب عن ما حدث في الغابون،
ففي نيامي، سارع الجيش إلى إطلاق حملة عنيفة مناهضة لفرنسا للمطالبة برحيل السفير والقوات الفرنسية، التي أعيد انتشارها هناك لمحاربة الإرهاب.
وترفض فرنسا حتى الآن مطالب النيجر وبشكل خاص استدعاء سفيرها الذي أمر المجلس العسكري، الشرطة، يوم أمس، بطرده، في خطوة تمثل مزيدا من التدهور في العلاقات بين البلدين.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال الرئيس الفرنسي إنه سيدعم، لكنه لن يشارك بشكل مباشر، في أي تدخل عسكري من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).
وفي اجتماع مع نظرائها الأوروبيين في إسبانيا، من المتوقع أن تدعو وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، أيضا، إلى فرض عقوبات على الشخصيات النيجرية المتورطة في الانقلاب.
الصحفي فريديريك ليجال، مؤلف كتاب "الانفصال المستحيل عن الميثاق الاستعماري"، يفك أسرار حرب الأعصاب التي لا تخلو من التذكير بمدى تجاوز المخاطر للنيجر.
وفي مقابلة مع صحيفة "لو بوينت أفريك"، يقول ليجال إن هذه التوترات تأتي في أعقاب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس بازوم في 26 يوليو/تموز الماضي.
ويضيف أن التوتر زادت حدته أيضا مع إشارة باريس إلى رغبتها في عدم الاعتراف بهذا المجلس العسكري الذي يقوده الجنرال عبد الرحمن تشياني، رئيس الحرس الرئاسي منذ 2011، وعدم متابعة أي من طلباته أو قراراته.
وترغب نيامي، من بين أمور أخرى، بحسب الصحفي نفسه، في استبدال سفيرة النيجر الحالية لدى فرنسا، عايشاتو كاني بولاما، وهي شخصية تدور في مجرة الرئيس بازوم الذي لم يقدم استقالته حتى اليوم.
لماذا كانت منطقة غرب أفريقيا عرضة للانقلابات؟
وجاءت أحداث النيجر في أعقاب انقلابين في كل من مالي وبوركينا فاسو المجاورتين وآخر في غينيا المجاورة.
أحداثٌ جددت القلق بشأن عودة الانقلابات وموت الديمقراطيات في أفريقيا.
ويقول مراقبون إن جذور الانقلابات في تلك المنطقة، ترجع إلى الضائقة الاقتصادية وضعف الإدارة والمياه والنمو السكاني والكوارث الطبيعية، الأمر الذي أدى إلى تغذية الإحباط بين المدنيين.
وفي غرب أفريقيا على وجه الخصوص، ينتشر العنف المتطرف، حتى تحولت المنطقة إلى بؤرة للإرهاب في الوقت الراهن، بحسب تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2023.
إذ سجلت هذه المنطقة أكبر عدد من الوفيات جراء الإرهاب عام 2022، مقارنة بجنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجتمعين.
وعلى الرغم من هذه الأحداث، لم تشهد معظم الدول التي عانت من انقلابات عسكرية في المنطقة في السنوات الأخيرة انقطاعا كبيرا في عمليات التعدين على الرغم من التغيرات في السلطة.
وبحلول عام 2012، كان هناك أكثر من 200 انقلاب ومحاولة انقلاب في أفريقيا منذ فترات الاستقلال المختلفة.
وكانت هناك محاولة انقلابية كل 55 يوما في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وكان أكثر من 90٪ من الدول الأفريقية قد مر بتجربة انقلاب.
التداعيات على منطقة الساحل ومكافحة الإرهاب؟
انقلابا مالي وبوركينا فاسو، أسفرا عن مجلسين عسكريين مناهضين لفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، التي قادت الحرب ضد الإرهاب في المنطقة لمدة عقد من الزمن.
وقام البلدان بطرد القوات الفرنسية، وبات الولاء أقرب لروسيا أكثر من الغرب.
ونتيجة لذلك، شهدت النيجر تنامي دورها باعتبارها أهم حليف إقليمي للغرب، لكن المجلس العسكري الجديد قطع علاقاته الأمنية مع فرنسا.
فيما لا تزال ولاءات قادة الغابون الجدد غير واضحة.