هجرة العقول.. نزف مستمر بفعل أزمات غزة
قائمة من 50 طبيبا، وأخرى من 110 أطباء آخرين، تداولها نشطاء فلسطينيون، لمن قالوا إنهم مجموعة من الكفاءات التي غادرت القطاع.
تحت وطأة الأعباء الاقتصادية، وبعد الخصومات التي تجاوزت 40 % من راتبه، لم يجد الدكتور أيمن محمود خيارًا سوى الاستقالة من وظيفة طبيب جراحة في مستشفى حكومي بغزة؛ ليبحث عن فرصته في أوروبا.
وقال محمود لـ"العين الإخبارية": "عملت في غزة، وكان أملي أن أخدم شعبي خاصة في ظل اعتداءات الاحتلال، لكن الأمور لك تعد تطاق، أوقف راتبي ثم أعيد، ثم تعرضت لخصومات دائمة أدت إلى تقليصه لأكثر من 45 %، وبالتالي لم أملك خيارا آخر؛ استقلت لأبحث عن أماني الوظيفي ومستقبلي في مكان آخر.
الطبيب محمود هو واحد من عشرات الفلسطينيين ذوي الكفاءات الذين دفعتهم الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتدهورة في قطاع غزة بعد أكثر من 11 عامًا من سيطرة حركة حماس بالقوة عليه؛ للبحث عن فرص في العالم خاصة أوروبا.
هجرة الكفاءات
قائمة من 50 طبيبا، وأخرى من 110 أطباء آخرين، تداولها نشطاء فلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي، لمن قالوا إنهم مجموعة من الكفاءات التي غادرت القطاع في غضون السنوات الأخيرة.
مصدر مطلع في غزة أبلغ "العين الإخبارية" أن هناك أزمة حقيقية تواجه وزارة الصحة بغزة، بعد استقالة العديد من الأطباء أو محاولتهم أخذ إجازات خارجية بحثا عن فرص عمل في الخارج.
ووفق المصدر؛ فإن تزايد هذه الحالات، دفع الوزارة لوقف منح إجازات خارجية، لتضع الموظفين أمام خيار الاستقالة، أو البقاء في البلد، خاصة في ظل فتح معبر رفح، الذي شجع الكثيرين لتجربة حظهم في رحاب العالم.
ويعاني قطاع غزة حصارا إسرائيليا مشددا منذ عام 2007، فيما تدهورت الأمور بشكل غير مسبوق، بعد الإجراءات التي اتخذتها السلطة العام الماضي وشملت إحالة آلاف الموظفين في غزة للتقاعد، أو تقليص رواتبهم بنسب تراوحت بين 50-70%، إلى جانب إجراءات مالية أخرى زادت من صعوبة الأوضاع بغزة لإجبار حماس على تمكين الحكومة.
سلام هاشم (30 عاما) خريج محاسبة إنجليزي، يستعد هو الآخر لمغادرة القطاع، ويقول لـ"العين الإخبارية": "درست المحاسبة باللغة الإنجليزية لعلها تحقق لي نتائج وظيفية أفضل من دراستها بالعربي، لكن للأسف لم تغير من الأمر شيئا فاتجهت للتجارة الحرة "..
وأضاف "مع تدهور الاقتصاد المستمر بغزة وكساد الأسواق لم يعد أمامي ثم البحث في خيار الهجرة وقد انتهيت من أتمام أوضاعي للسفر قريبا لألتحق بأصدقائي في أوروبا".
مافيا الهجرة
ولا تتوفر إحصاءات محددة لأعداد الفلسطينيين المهاجرين من غزة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، بين أن جهات حقوقية وناشطة في مجال الشباب، أكدت أن الآلاف من الشباب غادروا غزة خلال السنوات الماضية، سواء بطرق رسمية أم عن طريق التهريب؛ متجهين لأوروبا.
أحد العاملين في مجال التهريب للهجرة، اكتفى بالتعريف عن نفسه أبو عماد، أشار إلى أن أعداد الشباب الراغبين بالهجرة في تزايد، مؤكدًا أن الآلاف غادروا بالفعل منذ عام 2014 سنة العدوان على غزة.
يتحفظ أبو عماد في حديثه لـ"العين الإخبارية"، على الإدلاء بالكثير من التفاصيل، لكنه يوضح أن فريقا كبيرًا يعمل في هذا المجال، لتحقيق أحلام الشبان بتكلفة تتراوح بين 3000-5000 دولار، للشاب الواحد.
وأوضح أن الأمور تختلف من حالة لأخرى، فأحيانا، يكون السفر نظاميا من خلال فيز سياحة أو تعليم، وأحيانا عبر قوارب المهاجرين وهنا تكون المخاطرة عالية، مبينا أن بلجيكا حاليا هي قبلة المهاجرين، في ضوء التقييدات التي تفرضها باقي الدول.
وفقد عشرات الشبان من قطاع غزة على مدار الأعوام الأربعة الماضية غالبيتهم غرقا في البحر لدى محاولتهم الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
البحث عن حلم الاستقرار
عمرو (36 عاما) ينتظر دوره للسفر ضمن إحدى مجموعات أبو عماد، يقول إنه يبحث عن حياة كريمة واستقرار لم يجده في غزة في ظل غياب الأفق وكثرة الحروب والقمع الداخلي.
وقال لـ"العين الإخبارية": "حاولت التأقلم مع والدي في غزة وعملت إلى جانبه في الزراعة لكن الأوضاع الغزية غير مشجعة على الحياة الطبيعية، والعمل فقررت السفر، وطموحي أن أصل إلى كندا، حيث يوجد بعض الأقارب يمكن أن يساعدوني".
الكاتب والباحث الفلسطيني محمد عابد، أوضح أن غياب الاستقرار السياسي هو السبب الرئيسي للهجرة إلى الخارج سعياً للبحث عن عمل، وبعضهم هروباً من الوضع المأساوي الذي سببه الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار إلى أن حجم المعاناة التي يتكبدها المواطنون بات غير محتمل، وزادت الهجرة بعد عام 2006 وأصبحت تأخذ منحىً خطيرا حيث إن الشريحة أو الفئة التي بدأت بالتوجه للهجرة خارج فلسطين هي شريحة الأكاديميين وذوي الشهادات العليا، وذلك جراء الوضع الاقتصادي الخانق والوضع السياسي المتأزم .
خلل العدالة
ويبين نعيم الغلبان خبير علم الاجتماع، أن الخلل في أنظمة العدالة، هو الحافز غالبا لهجرة الشباب، مشددًا على أن هناك مسؤولية على المسؤولين كيف يقيمون أمنا حياتيا واقتصاديا واجتماعيا.
وقال الغلبان لـ"العين الإخبارية": "لا أدافع أو أخطئ المهاجرين، فلكل شخص هدف في حياته، والمؤسف أن الفئة التي تهاجر هم الأكثر حظا ويتوفر لهم مقومات حياة هنا"، مشيرًا إلى أن الكثير من الذين هاجروا لم يجدوا التوفيق في البلدان التي هاجروا إليها.