في العصر الرقمي، يعد الإعلام الاجتماعي ساحة رئيسية للتأثير على الرأي العام، حيث تنتشر الأخبار بسرعة كبيرة، سواء كانت صحيحة أو مكذوبة، ناهيك عن التزوير العميق.
التفاعل في هذه المنصات كبير وعلى نطاق واسع. من أهم العوامل المؤثرة في آراء الناس في هذه المنصات رغبة الجمهور في معرفة الأخبار العاجلة التي تهمهم بشكل مباشر أو تخص من يهتمون بمعرفة أخبارهم أولاً بأول. المحتوى الذي يقدمه المؤثرون، والذي يجد فيه الجمهور السرد القصصي أو المعلومات العملية أو الأخبار الغريبة، يزيد من الشغف بالمتابعة، وبعضها يحتوي على حملات دعائية موجهة. أصبح المحتوى المرئي مثل الفيديوهات والصور هو سيد الموقف، مما يسهل انتشاره وتأثيره. وبما أن الإعلام الاجتماعي يعكس ويعزز الرأي العام في كثير من الأحيان، فإن الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا حاسمًا هنا، إذ يمكن أن يسهم بشكل إيجابي أو سلبي.
مع انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي الإيجابي، فإنه يساهم في تحسين نوعية المحتوى المقدم ويساعد في رصد الشائعات والمحتوى الضار ويعمل على الحد من انتشاره. كما يسهم في تخصيص المحتوى للمستخدمين بناءً على اهتماماتهم، مما يعزز وعيهم بالقضايا التي تهمهم ويقلل من هدر الوقت. يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل العواطف في التعليقات وردود الفعل ووضع سيناريوهات متوقعة وخطط للتجاوب معها، مما يدعم الجهات المختصة في قياس نبض الرأي العام والاستجابة للقضايا الساخنة. كما يمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة في الحد من التنمر الإلكتروني من خلال التعرف على التعليقات العدائية وتنبيه الجهات المختصة.
أما الأثر السلبي للذكاء الاصطناعي في الرأي العام، فإنه يظهر عند استخدامه بطرق غير أخلاقية وغير مهنية، مثل إنتاج محتوى مزيف باستخدام تقنية “التزييف العميق” التي تخلق صورًا وفيديوهات غير حقيقية للتأثير على الرأي العام بشكل مضلل. كما أن الخوارزميات قد تخلق “فقاعات المعلومات” من خلال عرض محتوى يتوافق مع آراء المستخدم فقط دون إعطائه الصورة الأشمل، مما يزيد من الانغلاق الفكري والانقسام المجتمعي. وقد يُستخدم الذكاء الاصطناعي أيضًا لاستهداف المستخدمين بمحتوى عاطفي يؤثر على مشاعرهم بطرق غير مباشرة.
عند التساؤل حول ما إذا كان تجاهل ما يحدث على الإعلام الاجتماعي مفيدًا، نستطيع القول إن أحيانًا قد يكون التجاهل استراتيجية فعّالة لتقليل الاهتمام بالشائعات، لكن هذا النهج لا يصلح دائمًا. فبعض القضايا التي تحظى باهتمام واسع أو تتعلق بمسائل حساسة تستدعي توضيحًا سريعًا للحقائق لمنع انتشار الشائعات. لذلك، من الأفضل دراسة كل حالة على حدة لتحديد ما إذا كان التدخل ضروريًا أو أن التجاهل هو الخيار الأنسب. قد يظن البعض أن تجاهل المعلومة السلبية أو المضللة يكفي، ولكن الحقيقة هي أن هذه المعلومة قد تكون أثرت في الجمهور وأصبح لديهم رأي مبني عليها، مما قد يدفعهم إلى التصرف بناءً على هذه المعلومات في المستقبل. لذلك، لا ينبغي إغفال أي موضوع ذي طابع حساس. على سبيل المثال، قد ينشر البعض أكاذيب بطرق مختلفة حول دولة معينة أو رئيسها، ومع تكرارها عبر الخوارزميات، تصبح موجودة كحقيقة وتخدع الأشخاص قليلي المعرفة. الحل هنا يكون تقنيًا وكذلك عبر زيادة المعلومات الحقيقية والإيجابية التي تردع معسكر الكذب.
لمواجهة هذه التحديات وتعزيز الجوانب الإيجابية، يلزم تعاون بين الحكومات والجهات التنظيمية لوضع القوانين المناسبة، والشركات التكنولوجية لتطوير خوارزميات محايدة، والمؤسسات الإعلامية التي تلتزم بالتحقق من صحة المعلومات، بالإضافة إلى المجتمع الأكاديمي ومراكز البحث التي تدرس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وأخيرًا الأفراد الذين يتحققون من المعلومات ويبلغون عن المحتوى الضار، مما يسهم في رفع الوعي.
تعاون جميع الأطراف يضمن استخدام التكنولوجيا بشكل يخدم المجتمع ويحميه من التأثيرات السلبية التي قد تكون كارثية على أمنه واقتصاده ومجتمعه، ويجعلها أداة إيجابية وبناءة في تشكيل الرأي العام. ولا شك أن العمل المبكر والاحترازي على قضية تثار في الرأي العام يوفر الكثير من الجهود والتكاليف التي قد تصرف في معالجة المشاكل التي تسببها تجاهل الشائعات والأكاذيب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة