لاشك أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يعرف الشرق الأوسط بشكل جيد مقارنة مع الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن أو نائبته المرشحة الخاسرة كامالا هاريس.
ليس لأن ترامب كان رئيساً من قبل، بل لأنه رجل أعمال أسّس العديد من الشراكات قبل رئاسته الأولى، وزار وأقام أحياناً في بعض دول الخليج العربي وتركيا.
وهنا لابد من التوقف عند نقاط رئيسة تفضي بمجملها إلى تحقيق الهدف المرجو من هذا المقال القصير، الذي أشرح فيه للقراء الكرام، ماهية السياسة الخارجية لترامب الجديد ، أو على الأقل ملامح هذه السياسة بالحد الأدنى ، لفهم مآلات الأمور، ونهايات الحروب، وبدايات الاتفاقيات إن كانت ستحصل.
أولاً: على المستوى الشخصي والعائلي ، الشرق الأوسط حاضرٌ بقوة في منزل الرئيس ترامب، فزوج ابنته الصغرى {تيفاني} هو شاب أمريكي من أصل لبناني.
بل والد هذا الزوج الدكتور {مسعد بولس} أثبت نفسه بجدارة خلال حملة ترامب الانتخابية حين تولى حقيبة العلاقات العربية، وكان عراباً لدعم العرب والمسلمين في ولاية ميشيغان لترامب، وهندس اللقاء التاريخي بين ترامب و قادة المجتمع الإسلامي هناك، وعليه فإن ترامب يعايش أحداث الشرق الأوسط وهمومه إلى حد كبير بشكل شبه يومي
ثانياً : مسارعة الرئيس المنتخب ترامب قبل ساعات إلى تعيين "ستيفن سي ويتكوف"، مبعوثاً رئاسياً رسمياً للشرق الأوسط ، دليل جديد على توجه ترامب كرئيس منذ اليوم الأول بعد الـ ٢٠ من يناير/كانون الثاني القادم، لمعالجة الوضع وحل الأزمات، وتصدر أمريكا المشهد، بل واستعمال نفوذها لخدمة أجندة ترامب للسياسة الخارجية على الفور.
ثالثاً: تفاعل القادة العرب مع فوز ترامب، لاسيما في دول الخليج العربي، والاتصالات الهاتفية المباشرة معه، دليل واضح على عمق العلاقات الشخصية وتسخيرها لمصلحة التعاون المشترك مع أمريكا.
فترامب يقدر للسعودية مكانتها، ويعرف أهمية دولة الإمارات على سبيل المثال في معادلة إرساء الاستقرار الإقليمي والعالمي، وفي السياسة يقولون: لا يمكن إلغاء البعد الشخصي، إن كان هناك فوائد مرجوة لحضوره عند اللزوم.
رابعاً: جدية ترامب في التعاطي مع ملفات شائكة ستتلاقى مع واقعيته، أو سمها براغماتية يتحصن بها عند الضرورة ، وهو قادر على جسر الهوة و محاورة الخصوم، فضلاً عن توثيق الصلة مع الحلفاء ، ففي خضم الخلاف الكبير بين واشنطن وبيونغ يانغ، رآه العالم في ولايته السابقة وهو يجتمع وجهاً لوجه مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
خامساً: ستكون ولاية ترامب الجديدة دون شك مليئة بـ"الأكشن" كما عودنا، ولكنها ستكون كذلك، متخمة بالصفقات، فهو لم يخفِ علاقته المميزة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو يرى أن الصراع الأوكراني الروسي يجب أن ينتهي بحل يرضي جميع الأطراف، ولعل انتهاء هذا الصراع، سيوفر لترامب المقدرة على مباشرة العمل بشكل أوسع في الشرق الأوسط.
سادساً: من المؤكد أن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين وإيران وأذرعها في لبنان واليمن وسوريا سيكون حاضراً على طاولة ترامب منذ ساعاته الأولى في المكتب البيضاوي، وهذا الأمر ليس بسر، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سارع لإرسال وزيره للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر من أجل لقاء ترامب في فلوريدا، ومعرفة ما يريد من إسرائيل إنهاءه أو إبقاءه قبل يوم التنصيب المرتقب بداية العام القادم.
سابعاً: قد يكتنف الغموض خطط ترامب في المنطقة ، لكنه ليس غموضاً بمعنى انعدام المعلومات أو التحليل لها، فترامب ليس ابن الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية كما يقول عن نفسه، و هو صريح جداً في مسائل عدة، تتيح لنا القياس عليها أحياناً وفهم السياق العام لتحركاته المستقبلية، وقد خبر المتابعون له كل هذا في ولايته السابقة.
أخيراً.. من الطبيعي أن أمريكا ليست جمعية خيرية، وترامب ليس {سانتا كلوز} حامل الهدايا، لكنه في المقابل لا يستدعي استعداء الحلفاء واسترضاء الأعداء على طريقة الرئيس الأسبق باراك أوباما والرئيس جو بايدن، وإيران كدولة مهمة في الشرق الأوسط ستكون في عين العاصفة الترامبية، إما صلحا كبيرا واتفاقا معها بشكل غير متوقع، وإما احتكاماً لمنطق العقوبات وربما المواجهات إن لزم الأمر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة