مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كرئيس منتخب للمرة الثانية، يتجدد الجدل حول رؤيته السياسية وأسلوبه في التعامل مع القضايا الدولية الحساسة.
ولعل أبرز التحديات التي تنتظره تتمثل في الأزمة الروسية الأوكرانية، والصراع في الشرق الأوسط، ولا سيما في غزة ولبنان، إضافة إلى ملف إيران والمنافسة مع الصين.
عندما تولى ترامب منصبه للمرة الأولى، كانت المفاجأة تكمن في شخصيته الصارمة وأسلوبه الحاد في اتخاذ القرارات، حيث اعتبره كثيرون رجلاً يضع الاقتصاد أولاً ويخضع السياسة لخدمة المصالح الاقتصادية.
كانت فترة حكمه الأولى مليئة بالقرارات المثيرة للجدل، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتي أثرت سلباً على علاقات الولايات المتحدة بالقيادة الفلسطينية وعدد من الدول العربية.
في ولايته الثانية، يبدو ترامب أكثر هدوءاً وحذراً ويعي أهمية تحسين صورته على الصعيد الدولي، ما قد يدفعه نحو نهج أكثر توازناً وتفهماً للقضايا السياسية الحساسة.
كعادته ترامب تختلف الآراء حوله، فهناك من يتفاءل بعودته، ويرى أنه بفاعليته يستطيع حسم الملفات الدولية العالقة، وهناك من يفضل الحذر من المبالغة في التوقعات حول التغيير الذي قد يشهده عهد ترامب الثاني.
فالمعروف عنه هو تقديم المصالح الاقتصادية على الاعتبارات السياسية، وقد يستمر في استخدام أسلوب الصفقات لحل القضايا المعقدة.
يرى ترامب أن الأزمة الأوكرانية "حرب قابلة للتسوية"، وقد صرح مراراً بأنه سيسعى لإنهائها بسرعة عبر التفاوض، ما يعكس رغبته في الابتعاد عن دعم طويل الأمد لأوكرانيا بشكل لا يخدم المصالح الأمريكية.
وقد يسعى إلى صياغة صفقة تسمح لروسيا وأوكرانيا بالتوصل إلى اتفاق سلام، لكن هذه الخطوة تحمل تحديات جمة، خصوصاً إذا حاول فرض تنازلات على كييف.
وفي عهد ترامب الثاني فرصة متاحة لإشراك الصين في مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا، فترامب اليوم أكثر تجربة وحكمة عن عهده الأول، بحيث ممكن أن تكون الشراكة مع الصين في جهود التهدئة بمثابة البوابة الإيجابية لبناء علاقة متوازنة بين واشنطن وبكين.
خصوصاً لو علمنا أن عهد ترامب الأول شهد تصعيدا ملحوظاً في التوترات التجارية مع الصين، وهو يدرك اليوم أهمية إبقاء الأبواب مواربة وقنوات الاتصال مفتوحة، وتحسن العلاقات بين الطرفين سيعتمد على كيفية معالجة مسألة تايوان والقضايا المرتبطة بالحقوق الاقتصادية، والأمنية في بحر الصين الجنوبي.
ويعتبر التصعيد في غزة ولبنان من الملفات التي أثارت الكثير من الجدل حول موقف ترامب الداعم لإسرائيل، وفي عهد ترامب الثاني هناك فرصة كبيرة لإنهاء الصراع عبر دعم حلول واقعية مع حلفائه في المنطقة، وقد يشكل نجاحه في تحقيق تسوية متوازنة بين إسرائيل والفلسطينيين نقطة تحول في العلاقة مع العالم العربي.
مع التركيز على اليوم التالي في غزة ولبنان، خصوصاً مع انحسار دور حماس وحزب الله، والأخذ بالاعتبار التأثير السلبي لما تبقى من الميليشيات في سوريا والعراق وشمال اليمن، ومضاعفة دعم الدول الوطنية المستقبلية في لبنان والقيادة الفلسطينية، نحو خلق بيئة جديدة من الأمن والاستقرار، ما قد يكون تحدياً لترامب إذا لم يُظهر توازناً في سياساته.
يشكل الملف الإيراني تحدياً رئيسياً لإدارة ترامب، حيث يعتبر من أبرز الداعين إلى فرض عقوبات صارمة على طهران. وخلال ولايته الأولى، انسحب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية شديدة عليها، وأمر بالقضاء على قاسم سليماني، مما زاد من التوترات.
في ولايته الثانية، قد يعمد ترامب إلى تكثيف العقوبات الاقتصادية والضغط الدبلوماسي على إيران بدلاً من المواجهات العسكرية المباشرة، خاصة أن التحولات الإقليمية قلصت من نفوذ طهران في المنطقة.
ومع تصاعد العقوبات الاقتصادية يمكن أن تجد الحكومة الإيرانية نفسها مضطرة إلى القبول بتنازلات تكتيكية، فمواجهة عقوبات أمريكية مؤلمة قد تحرك قوى الاحتجاج الشعبية من الداخل.
وفي ضوء العودة المرتقبة لترامب إلى البيت الأبيض بتاريخ 20 يناير/كانون الثاني المقبل، يبدو أن سياسته الخارجية ستحمل في طياتها فرصاً وتحديات كبرى.
وفيما يأمل الكثير أن يساهم ترامب في إنهاء الحروب والأزمات، تظل بعض التساؤلات حول مدى قدرته على تحقيق توازن فعلي بين المصالح الأمريكية والنزاعات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة