لطالما كان العالم منذ قديم الأزل يئن تحت وطأة الصراعات الدموية، لأهداف أغلبها الاستحواذ ومد النفوذ السياسي وفرض السيطرة على مناطق جديدة لدواع اقتصادية وسياسية استراتيجية
لطالما كان العالم منذ قديم الأزل يئن تحت وطأة الصراعات الدموية، لأهداف أغلبها الاستحواذ ومد النفوذ السياسي وفرض السيطرة على مناطق جديدة لدواع اقتصادية وسياسية استراتيجية، كان هذا سائدا في أزمنة مضت، قبل أن تبرز أساليب جديدة، تستبدل بالسياسة، أفعالا أخرى وأساليب حضارية جديدة أبرزها توظيف القوة الناعمة.
ثمة نقطة جوهرية تميّز فعل القوى الناعمة، إذ إنها تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في قبول الآخر باختلافاته وثقافاته، وتسهم في إثراء التنوع الثقافي العالمي، إضافة إلى التعريف بمختلف الفنون والمشارب الثقافية وبث رسائل التسامح بين العالم، ومد جسور الانفتاح والمعرفة بين مختلف شعوب الأرض
ولا تنطوي الأهداف الرئيسة لمفاهيم القوة الناعمة على النقاط آنفة الذكر فقط، إذ تتجلى لها وجوه ومشارب عدة، يكمن أبرزها في إيصال الصوت الثقافي والتعريف به، وبناء نموذج حضاري للتفاهم بين الشعوب، والتعريف بمكتسبات الدول وإنجازاتها وسياساتها، وحجز مكانة دولية مرموقة بين مصاف الدول المتقدمة، بناء على المنجزات الإنسانية والنتائج التي تتحقق - على اختلاف أوجهها - بفعل هذه القوى.
ولعل أكبر وجوه القوة الناعمة يتمثل في تقديم المنتجات الثقافية والفنية التي تعرف بالإرث البشري الإنساني والتراث الوطني للدول، إلى جانب لفت الأنظار إلى هذه البقعة أو تلك، مهما صغر حجمها الجغرافي وانخفض تأثيرها السياسي، ولعلنا نستشهد هنا بنموذج ممتاز لعمل واحد استطاع تقديم دولة لا تتجاوز مساحتها 50 ألف كيلومتر، ولا يكاد يعرف عنها شيء، خاصة أيام انضوائها تحت لواء الاتحاد السوفيتي، نتحدث هنا عن كتاب "داغستان بلدي" للأديب والشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف الذي استطاع التعريف بجمهورية داغستان ونقل صورتها وتراثها وأدبها إلى العالم كله عبر كتابه فقط، فعل ذلك دون عمد، وهو ما لم يفعله ساسة هذا البلد ولا سفراؤه عبر عشرات السنين منذ تاريخ إعلان داغستان بلدا مستقلا.
ترجم هذا الكتاب إلى عشرات اللغات من بينها اللغة العربية، تلقفه الملايين من محبي الأدب حول العالم، ورويدا رويدا صار اسم داغستان متداولا ومنتشرا في ثقافات عدة ولغات مختلفة، نتيجة لهذا الفعل الوحيد "الأدب".
ولننظر إلى مئات النماذج المماثلة التي ترك آثارها الفنانون والأدباء والمفكرون حول العالم، فكم من موسيقيّ جعل من بلاده محجا للزوار ومزارا سياحيا، إثر مقطوعة موسيقية أو أغنية، وكم كتابا حفّز قارئه على الحديث عن بلد أو موضع في دولة ما، فاتحا بذلك العيون والأبواب على هذا البلد، وكم عملا فنيا لفت إليه الأنظار.
ثمة نقطة جوهرية تميّز فعل القوى الناعمة، إذ إنها تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في قبول الآخر باختلافاته وثقافاته، وتسهم في إثراء التنوع الثقافي العالمي، إضافة إلى التعريف بمختلف الفنون والمشارب الثقافية وبث رسائل التسامح بين العالم، ومد جسور الانفتاح والمعرفة بين مختلف شعوب الأرض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة