فوجئت حكومة مالي الأسبوع الماضي بوزارة الشؤون الدينية تعلن تكليفها رسميا بالتحاور مع بعض الجماعات الإرهابية، قبل أن تعود الحكومة وتنفي.
هذا الإجراء -التحاور مع الإرهابيين- إنْ صحّ، فهو دائما ما يأتي بنتائج عكسية.
وبحسب إعلان الوزارة المالية، فقد اختار وزير الشؤون الدينية، مامادو كوني، الهيئة الإسلامية الرئيسية في البلاد لعقد محادثات مع قادة "تنظيم القاعدة في منطقة الساحل"، أي "جماعة نصرة الإسلام".
ولتنفيذ هذه الجهود، لجؤوا إلى المتحدث باسم الوزارة، خليل كامارا، الذي طلب بدوره من المجلس الإسلامي الأعلى التفاوض مع القياديين إياد أغ غالي، وأمادو كوفا، زعيمي "جماعة نصرة الإسلام" التابعة لـ"القاعدة".
من جانبها، قالت الحكومة المالية، في بيان على مواقع التواصل الاجتماعي، إنها تبلغ الرأي العام الوطني والدولي بأنه حتى الآن لم يتم تفويض أي منظمة وطنية أو دولية رسميا للقيام بالتفاوض مع الإرهابيين، وأضاف البيان: "عندما ترى حكومة جمهورية مالي أنه من المناسب بدء مفاوضات مع جماعات مسلحة أيا كانت، سيُبلّغ الشعب المالي من خلال القنوات المناسبة"، وأشارت الحكومة المالية إلى أنها "علمت من الصحافة" أن البلاد بدأت مفاوضات مع قادة إرهابيين.
مع عدم تفنيد الحكومة المالية ما أكده وزير الشؤون الدينية بها، ربما لا نصل إلى تأكيد إجراء حوار مع الإرهابيين، وأياً كان ما حدث، فأي مبادِر بالتحاور مع العناصر الإرهابية لا يأخذ في حسبانه أن هذا التحاور قد تكرّر سابقاً في كولومبيا وإسبانيا وأيرلندا وكندا وألمانيا وإيطاليا، يكون مخطئا، فلم يصل أمر الحوار في هذه الحالات مع الإرهابيين إلى نتائج إيجابية، لأن الشيء الوحيد، الذي يمكن مناقشته أو الاتفاق عليه مع الإرهابيين، هو استسلامهم لا غير، فلا ينبغي أن ننسى أنهم أرادوا تحقيق أهدافهم من خلال ترويع المواطنين، حتى ولو وضعوا أسلحتهم فيما بعد.
ما الذي يمكن توقّعه من شخص قتل ونهب الأموال لتحقيق أهدافه بعد أن يتم تبييض صورته وتقديمه كمسؤول يتم التحاور، وربما التفاوض معه؟
أي دولة تتخذ هذا النوع من الخطوات التحاورية مع الإرهاب يجب أن تراعي مواقف الدول المجاورة لها، فحتى لو توصّلت أي دولة إلى اتفاق مع الإرهابيين المحليين، فإن المنظمة الإرهابية الدولية، التي يتبعها هؤلاء، لن تقبل بهذا الاتفاق أبداً، وستكون النتيجة تراجع النشاط الإرهابي في منطقة معينة ليزداد قوة في جهة أخرى، أي إن أقصى ما سيتم تحقيقه من فكرة الحوار مع العناصر الإرهابية هو تغيير النشاط الإرهابي من دولة إلى أخرى.
في سنوات 2017 و2019 و2020، ارتفعت أصوات في دول أفريقية تُنادي بإجراء حوار مع الإرهابيين، وخلال عام 2021 تم التفاوض مع جماعات إرهابية تابعة لـ"القاعدة" في أفريقيا على وقف إطلاق النار، وبمجرد انتهاء الاتفاق -كما هو حال جميع الاتفاقات مع الإرهابيين- كان الإرهابيون هم المستفيد الوحيد منه، بينما لم يحقق السكان المحليون سوى تأجيل مشكلاتهم لبضعة أشهر أخرى.
ربما يكون ما جرى في النيجر من عدم تسجيل أي هجمات إرهابية، بعد توظيف الحكومة مستشاراً، عمل مسبقا مع حكومة بوركينا فاسو كاختصاصي في هذا الشأن، سبب رغبة بعض بلدان أفريقيا، التي تشهد نشاطا إرهابيا، في حلّ سريع يخفض مستوى النشاط الإرهابي، لكن هذا بالتأكيد هو القرار الخطأ، فقد اعتقدوا أنه من خلال التفاوض مع الإرهابيين سيتم حل المشكلة، وهذا ما لم يحدث طبعا، فبوركينا فاسو مثلا حاليا من أكثر الدول في منطقة الساحل تضررا من الإرهاب.
الحل الأمثل لا يتمثل في إسكات مؤقت لبنادق الإرهابيين، وفي هذا علينا تذكُّر أنه عندما يُعقد اتفاق مع جماعة إرهابية، تظهر جماعة أخرى ترفض هذا الاتفاق تماماً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة